المبالغةُ بالانتقادِ - بقلم ليث مقادسي
إننا نعيشُ في حياةٍ غيرِ كاملَةٍ، أي مَهمَا اقْتَنَى الإنسانُ مِن علمٍ ومعرِفَةٍ وخِبراتٍ فإنّه يبقى يُخفِقُ في بعضِ المواقِفِ لأنّه لم ولن يصِلَ لمرحلَةِ الكمالِ المطلَقِ. من هنا وُجِدَ الانتقادُ ليُحاوِلَ إصلاحَ مواقِفِ الإخفاقِ، وهذا هو الانتقادُ الإيجابِيُّ الذي يصِلُ للمتلقّي مع جرعةِ محبّةٍ. ولكن توجَدُ مبالَغةٌ بالانتقادِ تصِلُ حَدَّ التجريحِ والطّعنِ بالطرَفِ الآخَرِ تكونُ مليئَةً بمشاعرِ الكراهِيَةِ والحِقدِ.
ما هي أسبابُ الانتقادِ؟ في كثيرٍ من الأحيانِ يحتَدُّ الانتقادُ نتيجَةَ الشّعورِ بالمُنافَسَةِ الذي يولِّدُ الحسَدَ. هناكَ قنواتٌ فضائيّةٌ مسيحيّةٌ أو مواقعُ إلكترونيّةٌ أو محطاتٌ إذاعيّةٌ رسالتُها الوحيدَةُ هي الطّعنُ والتجريحُ بالرّموزِ الدّينيّةِ، معتقدَةً أنّها تُصَحِّحُ أفكارَ النّاسِ، مُظهِرَةً ضِمنِيّاً الفهمَ والعِلمَ بكُلِّ شيءٍ. مثلُ هذهِ المنابِرِ تُبالِغُ بالانتقادِ فتوصِلُ رسالةَ كراهِيَةٍ لذلكَ الشّخصِ وتعمَلُ على تنشِئَةِ جيلٍ يتلذَّذُ بالقَبائِحِ.
أحَدُ أسبابِ المُبالغَةِ بالنّقدِ هو جُرحٌ شخصِيٌّ. فبعضُ المسيحيينَ يَظهَرونَ على المنابِرِ أو بينَ المقَرَّبينَ ويطعَنونَ ويُشَهِّرونَ ببَعضِ الناس كونُهُم قد جُرِحُوا في الماضِي، إمّا منهُم مباشَرَةً أو مِن أتباعِهِم. أنا شخصِيّاً مررتُ بهذِهِ المرحلَةِ حينما جرَحَنِي أحَدُ الأشخاصِ فصِرتُ أنتقِدُهُ بشكلٍ جارِحٍ أحيانًا، ولكِنّي دومًا كنتُ أستشعرُ عدمَ رِضَى الرّبِّ الذي كان يذَكِّرُني على الدّوامِ بضرورَةِ غُفراني له وكأنّه لم يحصَلْ شيءٌ، ولكنّ الموضوعَ يبقى صعباً ويحتاجُ لوقتٍ.
كما يوجَدُ سببٌ للنّقدِ الْجارِحِ نتيجَةَ الغَيرَةِ على المُقَدّساتِ. الفَرّيسيونَ انتقَدُوا الرّبَّ يسوعَ المسيحَ انتقاداتٍ عنيفَةً نتيجَةَ شُعورِهِم أنّه يُهينُ مقدَّساتِهِم كيومِ السّبتِ والأكلِ مِن دونِ غَسلِ الأيدِي وادِّعائِه أنّه المَسِيّا المُنتَظَرُ، فولّدَ لديهِم قناعَةً أنّ هذا الشّخصَ بهِ شيطانٌ. لنستَمِعْ لهذا النّصِّ الوارِدِ في إنجيلِ متّى الأصحاحِ الثانِيَ عشَرَ:
حِينَئِذٍ أُحْضِرَ إِلَيْهِ مَجْنُونٌ أَعْمَى وَأَخْرَسُ فَشَفَاهُ حَتَّى إِنَّ الأَعْمَى الأَخْرَسَ تَكَلَّمَ وَأَبْصَرَ. فَبُهِتَ كُلُّ الْجُمُوعِ وَقَالُوا: «أَلَعَلَّ هَذَا هُوَ ابْنُ دَاوُدَ؟» أَمَّا الْفَرِّيسِيُّونَ فَلَمَّا سَمِعُوا قَالُوا: «هَذَا لاَ يُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ إِلاَّ بِبَعْلَزَبُولَ رَئِيسِ الشَّيَاطِينِ». فَعَلِمَ يَسُوعُ أَفْكَارَهُمْ وَقَالَ لَهُمْ: «كُلُّ مَمْلَكَةٍ مُنْقَسِمَةٍ عَلَى ذَاتِهَا تُخْرَبُ وَكُلُّ مَدِينَةٍ أَوْ بَيْتٍ مُنْقَسِمٍ عَلَى ذَاتِهِ لاَ يَثْبُتُ. فَإِنْ كَانَ الشَّيْطَانُ يُخْرِجُ الشَّيْطَانَ فَقَدِ انْقَسَمَ عَلَى ذَاتِهِ. فَكَيْفَ تَثْبُتُ مَمْلَكَتُهُ؟ وَإِنْ كُنْتُ أَنَا بِبَعْلَزَبُولَ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ فَأَبْنَاؤُكُمْ بِمَنْ يُخْرِجُونَ؟ لِذَلِكَ هُمْ يَكُونُونَ قُضَاتَكُمْ! وَلَكِنْ إِنْ كُنْتُ أَنَا بِرُوحِ اللَّهِ أُخْرِجُ الشَّيَاطِينَ فَقَدْ أَقْبَلَ عَلَيْكُمْ مَلَكُوتُ اللَّهِ! أَمْ كَيْفَ يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَدْخُلَ بَيْتَ الْقَوِيِّ وَيَنْهَبَ أَمْتِعَتَهُ إِنْ لَمْ يَرْبِطِ الْقَوِيَّ أَوَّلاً وَحِينَئِذٍ يَنْهَبُ بَيْتَهُ؟ مَنْ لَيْسَ مَعِي فَهُوَ عَلَيَّ وَمَنْ لاَ يَجْمَعُ مَعِي فَهُوَ يُفَرِّقُ. لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ. وَمَنْ قَالَ كَلِمَةً عَلَى ابْنِ الإِنْسَانِ يُغْفَرُ لَهُ وَأَمَّا مَنْ قَالَ عَلَى الرُّوحِ الْقُدُسِ فَلَنْ يُغْفَرَ لَهُ لاَ فِي هَذَا الْعَالَمِ وَلاَ فِي الآتِي. اِجْعَلُوا الشَّجَرَةَ جَيِّدَةً وَثَمَرَهَا جَيِّداً أَوِ اجْعَلُوا الشَّجَرَةَ رَدِيَّةً وَثَمَرَهَا رَدِيّاً لأَنْ مِنَ الثَّمَرِ تُعْرَفُ الشَّجَرَةُ. 34يَا أَوْلاَدَ الأَفَاعِي! كَيْفَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَتَكَلَّمُوا بِالصَّالِحَاتِ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ؟ فَإِنَّهُ مِنْ فَضْلَةِ الْقَلْبِ يَتَكَلَّمُ الْفَمُ. اَلإِنْسَانُ الصَّالِحُ مِنَ الْكَنْزِ الصَّالِحِ فِي الْقَلْبِ يُخْرِجُ الصَّالِحَاتِ وَالإِنْسَانُ الشِّرِّيرُ مِنَ الْكَنْزِ الشِّرِّيرِ يُخْرِجُ الشُّرُورَ. وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ كَلِمَةٍ بَطَّالَةٍ يَتَكَلَّمُ بِهَا النَّاسُ سَوْفَ يُعْطُونَ عَنْهَا حِسَاباً يَوْمَ الدِّينِ. لأَنَّكَ بِكَلاَمِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلاَمِكَ تُدَانُ». متى ٢٢: ٢٢-٣٧
كلامٌ خَطيرٌ مِنَ الرّبِّ يسوعَ عن كُلِّ مَن يسقُطُ في فَخِّ المُبالَغَةِ بالانتقادِ لأنّهُ ضِمنِيّاً يَدينُ الآخَرَ ويُظهِرُ عدمَ صَفاءِ القلبِ؛ ولكن ما هو الحلُّ إن كنتُ أرى أشخاصاً مُجَدِّفينَ وواثِقٌ أنّهُم يُعَلِّمونَ تعاليمَ خاطئَةٍ؟ الْجَوابُ بكُلِّ بَساطَةٍ هو الصّلاةُ مِن أجلِهِم ومحَبَّتُهُم، وحتى لو رغبتُ بانتقادِهِم فيجِبُ أن يكونَ انتقادًا بنّاءً مليئاً بالمحبَّةِ مستخدِمًا حكمَةَ المسيحِ، ويُفَضَّلُ أن يكونَ مُباشِرًا بيني وذلك الشخصِ.
علاقَتي الصّحيحَةِ مع أبي السّماوِيِّ وأنا أرتَمي بأحضانِهِ يومِيّاً آخذًا محبّتَهُ العجيبَةَ ستُساهِمُ بتجديدِ ذِهني لحكمَةِ المَسيحِ. أنا شخصِيّاً اختَبرتُ الشَّفاءَ التّدريجِيَّ مِن تلكَ الإساءَةِ فتغيّرَ نمَطُ انتقادِي مِنَ الْجارِحِ إلى البَنّاءِ المليءِ بالمحبّةِ.
المبالَغَةُ في انتقادِ رجالِ ونساءِ اللهِ لا يَخلُو مِنَ التّجديفِ على الرّوحِ القُدُسِ. البارحَةُ كنتُ استَمِعُ لبعضِ المُنتَقِدينَ لأحَدِ القُسُسِ الأمريكانِ فوصفَهُ أحدُهُم بالشّيطانِ، والمنتقِدُ هنا قَسٌّ أخَرُ! مَن لديهِ الحقُّ بإطلاقِ مثلِ هكذا تشخيصٍ؟ الْجَوابُ هو الرّبُّ وحدَهُ. دورُنا في هذه الحياةِ أن نعكِسَ محبّةَ المسيحِ، وحتى إنْ قادَنَا الرّوحُ القُدُسُ لتَصحيحِ مسارِ تلاميذَ أخَرينَ فيجِبُ أن يتِمَّ بترتيبِ الرّوحِ القُدُسِ، أمّا الطّعنُ والتّجريحُ والتّجديفُ فإنّه يُؤذي صاحِبَهُ.
في يومٍ مِنَ الأيّامِ استقبَلتُ نِساءً مِن شُهودِ يَهوى طرقوا بابَ بيتي وخرجتُ للقائِهِم ودارَ بينَنا حديثٌ رائِعٌ على الرّغمِ مِن كونِهِم ليسوا مسيحِيّينَ بل يَدّعونَ ذلك زوراً، ولكني أظهرتُ لهم محبّةً عاليَةً وابتدأتُ بتصحيحِ أفكارِهِمِ المغلوطَةِ بِحُجَجٍ كتابيّةٍ، فكانوا يتقبَّلونَ كلامِي بفرَحٍ وتحليلٍ مِن دونِ أن يتحسّسوا أيَّ إدانةٍ أو تجريحٍ؛ وانتهى اللقاءُ بأمنياتٍ طيبَةٍ مِنَ الطّرفينِ.
الكتابُ المقدّسُ حذّرَ كثيراً مِمّا يُطلِقُهُ الّلسانُ ولكنّه في نفسِ الوقتِ ربَطَ الكلامَ بتوجُّهِ القلبِ. فاللسانُ الذي يُطلِقُ الشّرورَ يُظهِرُ أنَّهُ مرتبِطٌ بقلبٍ شِرّيرٍ، لذلك تَرويضُ الّلسانِ يجِبُ أن يبدَأَ مِن تغييرِ ذلكَ القلبِ، وتَغييرُ القلبِ إنما يتِمُّ حينَما أُدرَكُ سِرَّ المعموديّةِ وأقبَلُهُ مِن جديدٍ إن كنتُ قد تعمّدتُ وأنا طفلٌ حيثُ هناك يحصَلُ المؤمِنُ على قلبٍ جديدٍ وروحٍ جديدَةٍ ويبقى دورُهُ هو تنميَةُ تلك الخليقَةِ الْجَديدَةِ مِن خلالِ كلمَةِ الإنجيلِ المقدّسِ ووسائِلَ أخرى.
سببٌ آخَرُ للانتقادِ هو الْجَهلُ. بعضُ مسيحِيّي اليومِ المُنتَمينَ للكنائِسِ الرّسوليّةِ المشرِقِيّةِ يقَعونَ في فَخِّ انتقادِ كُلِّ مَن يبرُزُ مِن إِخوَتِهِم ويكرِزُ ويُبَشّرُ بالإنجيلِ، ويصِفونَهُ بالإنجيليِّ كونُ الإخوةِ الإنجيليينَ هُم مَن يحمِلُ لواءَ التّبشيرِ في عَصرِنا الحالي. هذا الانتقادُ سبَبُهُ الْجَهلُ أنَّ أساسَ التّبشيرِ كانَ عندَ كنيستِنا السّريانيّةِ الأرثوذكسيّةِ التي امتدّت إلى الهندِ، ولكن لأسبابٍ متعدِّدَةٍ خَفَتَت تلكَ العزيمَةُ؛ ولكنّنا نَرى جُهدًا ممَيّزاً للكِرازَةِ والتّبشيرِ مِن قِبَلِ الكنيسَةِ القُبطيّةِ الأرثوذكسِيّةِ، إنّما التعَثُّرُ يبقَى بشخصِيّةِ الكارِوزِ لأنَّ المَنظورَ العامَّ يتوقَّعُ كاهِناً ليقومَ بهذِهِ المُهِمّةِ.
الْجَهلُ الآخَرُ المتفَشّي بينَ أبناءِ الكنائِسِ المشرِقيّةِ هو الْجَهلُ بالكلمَةِ؛ إذ لا توجَدُ رغبَةٌ بالقراءَةِ، وحتى إن وُجِدَت فقليلٌ هُمُ الّذينَ يبذُلونَ جهداً للفَهمِ والتَطبيقِ. من هنا يسهَلُ على هؤلاءِ انتقادُ كُلِّ مَن يبرُزُ مِن اِخوَتِهِم ويحاوِلُ مساعدَتَهُم. كنت أتكلّمُ مع أَحَدِ الشّمامِسَةِ الممَيّزينَ في الكنيسةِ السّريانيّةِ الكاثوليكيّةِ، وكانَ يشكو لي مِن عدَمِ فَهمِ النّاسِ لخِدمَتِهِ التّبشيريّةِ، وهم دائمو الانتقادِ له، ولكِنَّ الْجانِبَ المُشرِقَ أنّ هناكَ استنارَةً تحصَلُ للقليلينَ وهو مؤمِنٌ أنّها ستتوسَّعُ.
إن كنتَ عزيزي المستمِعَ ممّن يتعرّضونَ للانتقادِ في هذهِ الأيّامِ، فلا تحزَنْ ... بل وَجِّهْ قلبَكَ نحوَ اللهِ وأخضِعْهُ له ليفحَصَهُ ويُعطيكَ رأيَهُ فيهِ، فإن كانَ هناكَ خَطأٌ قد حصَلَ بالفِعلِ، فبالإمكانِ التوبةُ والاعتذارُ للآخَرينَ، وإن كانَ الانتقادُ مبنِيّاً على الحسَدِ والكراهِيَةِ، فَصَلِّ مِن أجلِهِم، وَاغْفِرْ لهُم، وَامْضِ قُدُماً نحوَ إتمامِ دعوَةِ اللهِ العُليا لحياتِكَ.
ولكنّكَ قد تتساءَلُ كيفَ لي أن أنتَقِدَ المُخطِئَ؟ الكتابُ المقدّسُ يحُثُّنا على التَّشَبُّهِ بالرّبِّ يسوعَ المسيحِ والتّغَيُّرِ لصورَتِهِ بشكلٍ يومِيٍّ؛ ولكِنْ كيفَ كانَ الرّبُّ ينشُرُ التّعليمَ الصّحيحَ وَسَطَ أُمَّةٍ مليئَةٍ بالفَسادِ؟ لِنَقرَأِ النّصَّ الآتي الواردَ في إنجيلِ متّى الأصحاحِ الثّانِيَ عَشرَ:
فَلَمَّا خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ فَعَلِمَ يَسُوعُ وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعاً. وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ: «هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ». متى ١٢: ١٤-٢١
نُلاحِظُ أنَّ أُسلوبَ الرّبِّ يسوعَ هو عدَمُ الخِصامِ، عدَمُ الصِّياحِ وعدَمُ التّجريحِ كونُ العمَلِ هو روحِيٌّ بحتٌ، وما دورُ الْجَسَدِ إلّا إطاعَةُ الرّوحِ وإظهارُ المحبّةِ، الاحترامُ والصّبرُ للطرَفِ المُخالِفِ. أيُّ مخالَفَةٍ لهذا النّسَقِ مِنَ الانتقادِ سيكونُ لإبليسَ دورٌ فيه، وهنا تبدَأُ الإساءَةُ لِاسمِ المسيحِ الذي دُعِيَ علينا.
بولسُ الرسولُ تعرّضَ للكثيرِ مِنَ الانتقادِ والتّجريحِ وبعضُ المُقَرَّبينَ له تركوهُ لاحِقاً، ولكِنّه غَنّى نشيدَ المحبَّةِ الذي لو طبَّقَهُ كُلُّ مسيحِيٍّ فلن يَبقَى هناك أيُّ مجالٍ للنّقدِ الْجارِحِ. لِنَستَمِعْ للأصحاحِ الثالِثَ عَشرَ مِن رسالَةِ بولُسَ الرّسولِ الأولى إلى أهلِ كورنثوس:
إِنْ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ بِأَلْسِنَةِ النَّاسِ وَالْمَلاَئِكَةِ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَقَدْ صِرْتُ نُحَاساً يَطِنُّ أَوْ صَنْجاً يَرِنُّ. وَإِنْ كَانَتْ لِي نُبُوَّةٌ وَأَعْلَمُ جَمِيعَ الأَسْرَارِ وَكُلَّ عِلْمٍ وَإِنْ كَانَ لِي كُلُّ الإِيمَانِ حَتَّى أَنْقُلَ الْجِبَالَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلَسْتُ شَيْئاً. وَإِنْ أَطْعَمْتُ كُلَّ أَمْوَالِي وَإِنْ سَلَّمْتُ جَسَدِي حَتَّى أَحْتَرِقَ وَلَكِنْ لَيْسَ لِي مَحَبَّةٌ فَلاَ أَنْتَفِعُ شَيْئاً. الْمَحَبَّةُ تَتَأَنَّى وَتَرْفُقُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَحْسِدُ. الْمَحَبَّةُ لاَ تَتَفَاخَرُ وَلاَ تَنْتَفِخُ وَلاَ تُقَبِّحُ وَلاَ تَطْلُبُ مَا لِنَفْسِهَا وَلاَ تَحْتَدُّ وَلاَ تَظُنُّ السُّؤَ وَلاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ. وَتَحْتَمِلُ كُلَّ شَيْءٍ وَتُصَدِّقُ كُلَّ شَيْءٍ وَتَرْجُو كُلَّ شَيْءٍ وَتَصْبِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. اَلْمَحَبَّةُ لاَ تَسْقُطُ أَبَداً. وَأَمَّا النُّبُوَّاتُ فَسَتُبْطَلُ وَالأَلْسِنَةُ فَسَتَنْتَهِي وَالْعِلْمُ فَسَيُبْطَلُ. لأَنَّنَا نَعْلَمُ بَعْضَ الْعِلْمِ وَنَتَنَبَّأُ بَعْضَ التَّنَبُّؤِ. وَلَكِنْ مَتَى جَاءَ الْكَامِلُ فَحِينَئِذٍ يُبْطَلُ مَا هُوَ بَعْضٌ. لَمَّا كُنْتُ طِفْلاً كَطِفْلٍ كُنْتُ أَتَكَلَّمُ وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْطَنُ وَكَطِفْلٍ كُنْتُ أَفْتَكِرُ. وَلَكِنْ لَمَّا صِرْتُ رَجُلاً أَبْطَلْتُ مَا لِلطِّفْلِ. فَإِنَّنَا نَنْظُرُ الآنَ فِي مِرْآةٍ فِي لُغْزٍ لَكِنْ حِينَئِذٍ وَجْهاً لِوَجْهٍ. الآنَ أَعْرِفُ بَعْضَ الْمَعْرِفَةِ لَكِنْ حِينَئِذٍ سَأَعْرِفُ كَمَا عُرِفْتُ. أَمَّا الآنَ فَيَثْبُتُ الإِيمَانُ وَالرَّجَاءُ وَالْمَحَبَّةُ هَذِهِ الثَّلاَثَةُ وَلَكِنَّ أَعْظَمَهُنَّ الْمَحَبَّةُ. ١ كورنثوس ١٣
ما أعظَمَ القلبَ المُفعَمَ بالمحَبَّةِ. إلى أن يحينَ موعِدُ لقائِنا المُقبِلِ، لكم مِنّي كُلُّ الحُبِّ.
لتحميل نسخة من المقال يرجى الضعط هنا