فحص الامور

Hits: 1892

 فحصُ الأمورِ - بقلم ليث مقادسي

الإنسانُ المسيحِيُّ اِكتَسَبَ منذُ طُفولَتِهِ أخلاقَ المَسيحِ وتأثّرَ ببعضِها، ولكِن بسبَبِ اختلاطِهِ بأقوامٍ لم تعرِفِ الرّبَّ يسوعَ فإنَّ التّأثُّرَ بها سيكونُ شيئاً طبيعِيّاً، فتبدأً السّلوكيّاتُ الغيرُ مسيحيّةٍ تتسلّلُ لحياتِهِ مِن دونِ أن يِعرِفَ، وفَجأةً يجِدُ نفسَهُ قد وقَعَ في مطَبٍّ، كونُ مصدَرِ هذِهِ الشّرورِ هو إبليسُ، وهو يُلقي الطُّعمَ لغرَضِ اصطيادِ المتلَذِّذينَ بالخَطيئَةِ.

نقرأُ في سِفرِ مَراثي إرمِيا قولَه: "لِنَفْحَصْ طُرُقَنَا وَنَمْتَحِنْهَا وَنَرْجِعْ إِلَى الرَّبِّ". مراثي ٣: ٤٠. كلامٌ جميلٌ. ولكِن كيفَ يمكِنُ فحصُ طُرُقِنا؟ هلِ المَريضُ يستطيعُ أن يشَخِّصَ مَرَضَهُ؟ بالتّأكيدِ كلا، بل هو بحاجَةٍ للطّبيبِ. يمكِنُني فحصُ بعضَ الطُّرُقِ مِن خِلالِ كلمَةِ الإنجيلِ المقدّسِ حينما أقرأُ وأفهَمُ وأقارِنُ بينَ المَكتوبِ وسُلوكيّاتِي، وأحتاجُ الرّوحَ القدُسَ كي يُعينَني في مِشوارِ فحصِ بعضِها الآخَرِ.


تحدّثَ بولسُ الرّسولُ قائِلا: "فَأَعْلَنَهُ اللهُ لَنَا نَحْنُ بِرُوحِهِ. لأَنَّ الرُّوحَ يَفْحَصُ كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى أَعْمَاقَ اللهِ". ١ كورنثوس ٢: ١٠. إننا نغامِرُ بأبدِيّتِنا إنْ لَم نستعن بالرّوحِ القُدُسِ لفحَصِ ذواتِنا فحصاً مُتواصِلاً لمعرِفَةُ المَرَضِ، ومِن ثَمَّ الاهتمامِ بأخذِ العِلاجِ المُناسِبِ.

للأسَفِ، الكثيرُ مِنَ الذينَ سافَروا لبلادِ الغربِ اكتَسَبوا سُلوكِيّاتٍ خاطِئَةً نتيجَةَ تبَنّي التّيّارِ العامِّ للْجالياتِ العربِيّةِ. من تلكَ السّلوكياتِ مثلا، العمَلُ بالأسوَدِ (كما يدعونَهُ) وهو العمَلُ عند أشخاصٍ قد تمّ الاتفاقُ معهُم مُسبَقاً على عدَمِ إخبارِ الدّولَةِ لغرَضِ التهَرُّبِ مِن دفعِ الضرائِبِ، وبالتالي استلامُ كامِلِ مُستحَقّاتِهِم ومستَحَقّاتِ أولادِهِم مِنَ الدّولَةِ. تصَرُّفٌ غيرُ مسيحِيٍّ بالمَرّةِ ولكنّه مُتَفَشٍّ بشكلٍ كبيرٍ بينَ الْجالياتِ العربِيّةِ والمؤسِفِ المسيحيّةِ.


قبلَ عدةِ أسابيعَ التَقَيتُ أحدَ القادمينَ الْجُدَدِ إلى كندا وكانَ يحَدِّثُني كيف كانَ يعملُ في أحدِ الأماكنِ، وكانَ يُعيلُ عائلَتَهُ ولكِن مِن دونِ أن يستطيعَ توفيرَ الكثيرِ، ففرِحَ جِدّا بنصيحَةِ أحَدِ أصدقائِهِ بالعمَلِ بالأسوَدِ لكي يستطيعَ تحقيقَ حُلُمِهِ وشراءَ سيارَتِهِ المفَضَّلَةِ. هكذا أشخاصٌ لم يهتَمّوا بفحصِ سُلوكيّاتِهِم بسبَبِ ابتِعادِهِم عَنِ الكنيسَةِ وعدَمِ وُجودِ الرّغبَةِ بمعرِفَةِ مصدَرِ النّورِ، فيكونونَ مستوجِبينَ الدّينونَةِ، إذ قالَ الرّبُّ: "وَهَذِهِ هِيَ الدَّيْنُونَةُ: إِنَّ النُّورَ قَدْ جَاءَ إِلَى الْعَالَمِ وَأَحَبَّ النَّاسُ الظُّلْمَةَ أَكْثَرَ مِنَ النُّورِ لأَنَّ أَعْمَالَهُمْ كَانَتْ شِرِّيرَةً". يوحنا ٣: ١٩"


ولكنك قد تتساءَلُ، ما الضّرَرُ أن يعمَلَ أحدُهُم مِن دونِ دفعِ الضريبَةِ؟ الضّرَرُ أنّه يسرُقُ أموالَ دافِعِي الضَرائِبِ ممن يدفَعونَ لهُ مُستَحَقَّاتِهِ والدّولَةُ توصِلُها له بأمانَةٍ معتقِدَةً أنّه عاطِلٌ عن العملِ ومحتاجٌ للمساعدَةِ، بينما هذهِ المستَحَقّاتُ يجِبُ أن تكونَ أقلَّ وتنتَهي إن كانَ له عمَلُهُ الخاصُّ، كما أنّهُ انزَلَقَ للكَذِبِ والخِداعِ كونُه يجِبُ أن يُخبِرَ الدّولَةَ بأيِّ مَدخولٍ يحصَلُ عليهِ، هو يخونُ عهدَهُ معَ حُكومَتِهِ التي استقبَلَتهُ ووَفَّرَت لهُ الأمانَ والخدماتِ وأعلَمَتهُ بأنَّها تستَحصِلُ الضرائِبَ مِن المُواطِنينَ لتأمينِ الخدماتِ،. فنلاحِظُ أنَّ الموضوعَ كبيرٌ ولكنّه غيرُ محسوسٍ كونُ إبليسَ يُجَمِّلُه للكثيرينِ.

بعضُ المسيحيّينَ انزَلَقوا لحياةِ الرّذيلَةِ فباتُوا يرتادونَ النّوادِيَ اللّيليّةِ لقضاءِ أوقاتٍ ممتِعَةٍ مِن وَجهَةِ نظرِهِم. قبل أيامٍ كنتُ جالِسًا مع مجموعَةٍ مِنَ القادمينَ الْجُدَدِ إلى كندا وقد أخذَهُم أقارِبُهُم لأحَدِ النّوادي الليليّةِ، فانتابَني حزنٌ شديدٌ وسألتُهُم، ما هي غايَتُكُم من الذَّهابِ لهذِهِ الأماكِنِ؟ فقالوا لا شيءَ فقط لقضاءِ بعضِ الأوقاتِ الممتِعَة وشُربِ بعضِ المُسكِرِ. فسألتُهُم هل تعلَمون أنَّ الروحَ القدسَ يسكُنُ فيكُم فهل يليقُ أن تأخُذوهُ لتلكَ الأماكِنِ؟

بالتأكيدِ كلامي معهُم جاءَ نتيجَةَ الاستياءِ للحالِ الذي وصلَ إليه الكثيرُ مِن مسيحِيّي اليومِ وهُم يعتَقِدونَ أنَّ كُلَّ شيءٍ يتِمُّ على ما يُرامُ. المشكلةُ تكمُنُ بعدَمِ القراءَةِ لأنّهم لو قرأوا لتعلَموا أنَّ "كَلِمَةَ اللهِ حَيَّةٌ وَفَعَّالَةٌ وَأَمْضَى مِنْ كُلِّ سَيْفٍ ذِي حَدَّيْنِ، وَخَارِقَةٌ إِلَى مَفْرَقِ النَّفْسِ وَالرُّوحِ وَالْمَفَاصِلِ وَالْمِخَاخِ، وَمُمَيِّزَةٌ أَفْكَارَ الْقَلْبِ وَنِيَّاتِهِ". عبرانيين ٤: ١٢

في المجتمعاتِ الشّرقيّةِ هناكَ أخلاقٌ معيّنةٌ يتّبِعُها الشّخصُ حينما يكونُ مع أبيهِ فهو مثلا لا يُدَخِّنُ السّجائرَ أمامَ أبيهِ ولا يُقَبّحُ ويُعَلّي صوتَه، فكم بالحَرِيِّ حينَما نكونُ مُلتَصِقينَ مع الآبِ السّماوِيّ؟ ولكنَّ المشكلَةَ تكمُنُ بإدراكِ ذلك الالتصاقِ، إذ غالبيّةُ مسيحِيّي اليومِ لم يَفهَموا سِرَّ المَعموديّةِ وباتَ حُلولُ الرّوحِ القدُسِ في كِيانِهم شيئًا ضبابِيّاً غيرَ مُدرَكٍ وغيرَ مفهومٍ.

بسبَبِ عدَمِ الإدراكِ فأِنَّ الإنسانَ سيبقى يتصرّفُ وفقَ الفِطرَةِ الإنسانيّةِ المولودَةِ بالخطيئَةِ الخاضعَةِ لبعضِ الضوابط الاجتماعيّةِ ولكنّها تُنتِجُ الشّرورَ بشكلٍ تلقائِيٍّ كما قالَ الربُّ: "«إِنَّ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ ذَلِكَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. لأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ تَخْرُجُ الأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً فِسْقٌ قَتْلٌ سِرْقَةٌ طَمَعٌ خُبْثٌ مَكْرٌ عَهَارَةٌ عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ تَجْدِيفٌ كِبْرِيَاءُ جَهْلٌ. جَمِيعُ هَذِهِ الشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الإِنْسَانَ». مرقس ٧: ٢٠-٢٣


ما الذي يحتاجُهُ المسيحِيُّ؟ الْجوابُ أن يعودَ إلى المبادِئِ، أن يجلِسَ مع كاهِنِ الكنيسَةِ ويفهمَ سِرَّ المعمودِيّةِ إن كانَ مُنتَمِياً للطوائِفِ التي تعَمِّدُ الأطفالَ وأن يفهَمَ زمنِيّةَ هذِهِ الحياةِ وأبدِيّةَ الحياةِ القادمَةِ والخطواتِ الواجِبِ اتّباعُها للتميُّزِ في تلكَ الحياةِ. تحدّثَ بولسُ الرسولُ عن أهمِّ تلكَ الخطوات إذ قال: "وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ". رومية ١٢: ٢.


أحيانا يجبُ الانعزالُ عن المجتمعاتِ الموبوءَةِ بسُلوكِيّاتِ الخَطيئَةِ لكي يتمَّ تجديدُ الذِّهنِ. هذا ما صنعَهُ اللهُ مع إبراهيمَ حينَما أخرجَهُ مِن أورِ الكَلدانيينَ إذ قالَ لَهُ: «أَنَا الرَّبُّ الَّذِي أَخْرَجَكَ مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيُعْطِيَكَ هَذِهِ الأَرْضَ لِتَرِثَهَا» تكوين ١٥: ٧ نلاحظُ أنَّ الانعزالَ وتجديدَ الذِّهنِ يقودُنا لوراثَةٍ على النّطاقِ الرّوحِيِّ، كونُ بقائِنا وسطَ أقوامٍ مستمتِعَةٍ بالشّرِّ والخَطيئَةِ سيجُرُّنا تلقائيا لسلوكيّاتِهِم.


ولكن يسألُ سائِلٌ، يتجدّدُ ذِهني لماذا؟ الْجَوابُ أنّه يتجدَّدُ لفكرِ المسيحِ، ذاك الذي قال: "طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ". يوحنا ٤: ٣٤. فكرُ المسيحِ كان مبنِيًّا على الخُضوعِ الكامِلِ لمشيئَةِ الآبِ السّماوِيِّ. ذلك الخضوعُ والانقيادُ المُطلَقُ بروحِهِ القدّوسِ سيجعلُني أجِدُ إرادَةَ اللهِ الصّالحةَ المُرضيَةَ وتكونُ هي طعامي ومحورَ حياتي.

تحدّثَ إشعياءُ النبيُّ عن بعضِ مواصفاتِ المسيحِ وهي أنّهُ أعمى عن رؤيَةِ القبائِحِ وأصمُّ عن سَماعِ كُلِّ ما لا يُمَجِّدُ اللهَ، إذ قال: "مَنْ هُوَ أَعْمَى إِلاَّ عَبْدِي وَأَصَمُّ كَرَسُولِي الَّذِي أُرْسِلُهُ؟ مَنْ هُوَ أَعْمَى كَالْكَامِلِ وَأَعْمَى كَعَبْدِ الرَّبِّ؟ نَاظِرٌ كَثِيراً وَلاَ تُلاَحِظُ. مَفْتُوحُ الأُذُنَيْنِ وَلاَ يَسْمَعُ. الرَّبُّ قَدْ سُرَّ مِنْ أَجْلِ بِرِّهِ. يُعَظِّمُ الشَّرِيعَةَ وَيُكْرِمُهَا. اشعياء ٤٢: ١٩-٢١"


هذه هي المواصفاتُ التي أحتاجُ التّغيُّرُ إليها، وهي السيرُ عكسَ تيارِ العالَمِ وعدَمُ مشاكَلَتِهِ. بالإمكانِ التمعّنُ بنسَقِ حياةِ الآمِشِ في هذه الأيامِ للتعرُّفِ على الْجِدِّيّةِ في التّعامُلِ مع كلمَةِ اللهِ. قد لا نتّفِقُ مع هؤلاءِ بطريقةِ عيشِهِم ولكنَّ تحدّيَهُم لمُغرِيَاتِ الحياةِ وإدراكَهُم بأنَّ كُلَّ ما يصنعونَهُ يجبُ أن ينبَعَ مِن قلبٍ نقِيٍّ يجعلُنا نقفُ باحترامٍ لهذه الشّريحَةِ المميّزَةِ في المجتمَعِ.


في أيّامِ يوشِيّا الملِكِ، ذلك الملكُ التَّقِيُّ الذي جاءَ محمَّلاً بغَيرَةٍ كبيرَةٍ على مُقَدَّساتِ الربِّ، يُخبِرُنا النّصُّ في سِفرِ المُلوكِ الثاني الأصحاحِ الثاني والعشرين، أنَّ سكانَ أورشليمَ كانوا قد وصلوا إلى مرحَلَةٍ متقدّمَةٍ مِنَ السّلوكيّاتِ الخاطِئَةِ مستوجِبَةً الدّينونَةَ. كيف عرفَ الملكُ بذلك؟ حينَما فحصَ ناموسَ موسى الذي وجدَهُ بالصّدفَةِ في بيتِ الرّبِّ، حيث نقرأُ أنَّ الملكَ يوشيا مزَّقَ ثيابَهُ حينَما فحصَ وقارنَ بين سُلوكِيّاتِ شعبِهِ وكلمَةِ اللهِ.


الفحصُ في الأمورِ الرّوحيّةِ يتطلّبُ التأكيدَ، إذ نلاحِظُ يوشيا الملكَ أرسلَ لإحدى نساءِ الربِّ وهي خَلدَةُ النبيّةُ يسألُها عن كلامِ الرّبِّ لتلكَ الأمةِ وهل سيحِلُّ عليهِم غضَبُهُ الوارِدُ في سِفرِ الشّريعَةِ. لذلك، فالفحصُ الدّقيقُ مهِمٌّ، كونُ هذا الملِكِ خلَّصَ نفسَهُ من تلكَ الدّينونَةِ نتيجَةَ اهتمامِهِ بنتائِجِ الفحصِ، إذ لاحظَ اللهُ قلبَهُ التّائبَ والحزينَ على نسَقِ حياةِ الخَطيئَةِ فقال لهُ "لِذَلِكَ هَئَنَذَا أَضُمُّكَ إِلَى آبَائِكَ فَتُضَمُّ إِلَى قَبْرِكَ بِسَلاَمٍ، وَلاَ تَرَى عَيْنَاكَ كُلَّ الشَّرِّ الَّذِي أَنَا جَالِبُهُ عَلَى هَذَا الْمَوْضِعِ. ٢ ملوك ٢٢: ٢٠"


تحدّثَ الرّبُّ يسوعُ المسيحُ قائلا: "قَدْ سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ لِلْقُدَمَاءِ: لاَ تَزْنِ. وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ. فَإِنْ كَانَتْ عَيْنُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْلَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ. وَإِنْ كَانَتْ يَدُكَ الْيُمْنَى تُعْثِرُكَ فَاقْطَعْهَا وَأَلْقِهَا عَنْكَ لأَنَّهُ خَيْرٌ لَكَ أَنْ يَهْلِكَ أَحَدُ أَعْضَائِكَ وَلاَ يُلْقَى جَسَدُكَ كُلُّهُ فِي جَهَنَّمَ". متى ٥: ٢٧-٣٠


هنا الربُّ يدعونا أوّلاً لفحصِ عُمقِ كلامِهِ ومِن ثَمَّ فحصِ كيفيّةِ نظرِنا للْجِنسِ الأخَرِ بل وفَحصِ تصرّفِ كُلِّ عُضوٍ مِن أعضاءِ جسَدِنا. مَنِ الذي يُعينُنا في هذا الفحصِ؟ الرّوحُ القُدُسُ المُبَكِّتُ على خطيئَةٍ وعلى بِرٍّ.
إذ يُخبِرُنا بولسُ الرسولُ قائلا: "وَكَذَلِكَ الرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. وَلَكِنَّ الَّذِي يَفْحَصُ الْقُلُوبَ يَعْلَمُ مَا هُوَ اهْتِمَامُ الرُّوحِ لأَنَّهُ بِحَسَبِ مَشِيئَةِ اللهِ يَشْفَعُ فِي الْقِدِّيسِينَ. رومية ٨: ٢٦-٢٧"


لذلك أحِبّائي دَعونا نفحَصُ دوماً إنسانَنَا الْجَديدَ بقُوّةِ الرّوحِ القُدُسِ ونختَبِرُ بِرَّهُ وقَدَاسَتَهُ ونقارِنُها مع مُواصَفاتِ الرّبِّ يسوعَ لأنَّنا مدعُوّينَ للتّحليقِ عالِياً كالنُّسورِ. نحنُ في المسيحِ ملوكٌ وكهَنَةٌ، نحنُ شركاءُ للطّبيعَةِ الإلهيّةِ ونحنُ أولادُ اللهِ، وهذهِ الألقابُ تجعَلُنا دائِمِي الفَحصِ والتّدقيقِ بمدَى نُمُوِّنا إليها لكي نُفرِحَ قلبَ اللهِ الآبِ بثمرِنا الغزيرِ المتزايِدِ لحسابِ المَلَكوتِ.


هل نُصَلّي معاً .... يا أبانا السَّماوِيَّ، أنا أشكُرُكَ مِن أجلِ كُلِّ إنسانٍ قرّرَ الالتفاتَ لكَ مِن هذا العالَمِ وباتَ حريصاً جدّاً على نُمُوِّهِ الرّوحِيِّ السّليمِ مِن خِلالِ فحصِهِ لسُلوكِيّاتِهِ ومقارَنِتَها مع كلِمَةِ الإنجيلِ المقدَّسِ. أسألُكَ يا ربُّ أن تشمَلَ بنِعمَتِكَ حياةَ كُلِّ مَن يستَمِعُ لنا في هذا الوقتِ، وأن تملأَهُ مِن روحِكَ القُدّوسِ وأن تَمنَحَ له استنارَةً روحِيّةً أعمقَ وتكليفاً جديداً باسمِ الرّبِّ يسوعَ وبركَةِ وصَلاةِ سائِرِ القِدّيسينَ الأطهارِ.

إلى أن يَحينَ موعِدُ لقائِنا المُقبِلِ ... لكم مني خالِصَ المحَبّةِ والتّقديرِ.

 

لتحميل نسخة المقال, يرجى الضغط هنا