-
Hits: 507
تكريماتُ الربِّ - بقلم ليث مقادسي
مرحَلَةُ التّكريمِ - اِستِشعارُ البَرَكاتِ الأرضِيَّةِ
تَحدَّثْنَا في الحَلقَةِ الماضِيَةِ عَن حَمْلِ الصَّليبِ وتَعَرَّفنا على مَفهومِ الكَمالِ والِاستقامَةِ وشاهَدْنا أنَّ مفهومَ الكَمالِ في العَهدِ القَديمِ يَعني تَقوَى اللهِ، وِالِاستِقامَةَ تَعني الحَيدانَ عَنِ الشّرِّ، أمّا الكمالُ في الْعَهدِ الْجَديدِ فهُوَ اتِّباعُ الرّبِّ يسوعَ المسيحِ، إذْ قالَ لِلشَّابِّ الْغَنِيِّ "إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي. متى ١٩: ٢١"
في هذِهِ الحَلقَةِ سنتعَرَّفُ على بَرَكاتِ الرّبِّ لِلَّذينَ قَرَّرُوا تَركَ كُلِّ شيءٍ واتِّباعَهُ، إذ قالَ الربُّ لبُطرُسَ: "كُلُّ مَنْ تَرَكَ بُيُوتاً أَوْ إِخْوَةً أَوْ أَخَوَاتٍ أَوْ أَباً أَوْ أُمّاً أَوِ امْرَأَةً أَوْ أَوْلاَداً أَوْ حُقُولاً مِنْ أَجْلِ اسْمِي يَأْخُذُ مِئَةَ ضِعْفٍ وَيَرِثُ الْحَيَاةَ الأَبَدِيَّةَ. متى ١٩: ٢٩" الذي تَرَكَ هذِهِ الأمورَ هُوَ تَرَكَها بإرادَتِهِ وهو لَم يَعُدْ راغِبًا بِها كونُهُ أدركَ أنَّ خِدمَةَ الكَلِمَةِ تتطَلَّبُ الخِفَّةَ مِنَ العوائِقِ الأرضِيّةِ، ولكِنَّ اللهَ لَن يَحرِمَ هذا الشَّخصَ مِنَ الاِستِمتاعِ بِبَركاتِ هذِهِ الأمورِ.
فالّذِي تَخَلَّى عَن حنانِ وعِنايَةِ الأبِ الأرضِيِّ سَيُعَوَّضُ بِحنانِ الآبِ السَّماوِيِّ الّذي يفوقُ التّصَوُّرَ، والشّخصُ الذي تَرَكَ حُقولًا كانَ مُطمَئِنًّا بِها، فإنَّ اطْمِئنانَهُ باتَ أعمقَ بِميراثِهِ في المَلَكوتِ. كُلُّ هذِهِ الأمورِ ستكونُ محسوسَةً ونحنُ لا نَزالُ في الْجَسَدِ، إذ أنَّ الآبَ السَّماوِيَّ سَيعتَنِي بأدَقِّ تَفاصيلِ حياةِ خادِمِ الكَلِمَةِ بِشَكلٍ يَومِيٍّ ولَن يكونَ هناكَ عَوَزٌ بل وَفرَةٌ، إذ يَقولُ دَاوُدُ الملِكُ "25أَيْضاً كُنْتُ فَتىً وَقَدْ شِخْتُ وَلَمْ أَرَ صِدِّيقاً تُخُلِّيَ عَنْهُ وَلاَ ذُرِّيَّةً لَهُ تَلْتَمِسُ خُبْزاً. 26الْيَوْمَ كُلَّهُ يَتَرَأَّفُ وَيُقْرِضُ وَنَسْلُهُ لِلْبَرَكَةِ. مزمور ٣٧: ٢٥-٢٦
كانَ لدَيَّ أصدِقاءٌ شبابٌ يَعمَلونَ في اِحدَى القَنواتِ الفَضائِيَّةِ المَسيحِيَّةِ وكانوا قد كَرَّسُوا وقتَهُم وجَهدَهُم لخِدمَةِ الكلِمَةِ وباتَ مِنَ الصَّعبِ بِمَدخولِهِمِ المَحدودِ شِراءَ بيوتٍ، ولكِنَّ اللهَ أحدَثَ تَغييرًا بِسوقِ العَقارِ في المَدينَةِ الّتي كانوا يَسكُنونَها مِمّا مَكَّنَهُم مِن اقتِناءِ بُيوتٍ وتأمينِ حاجَتِهِم للاستقرارِ العائِلِيِّ ومِن ثَمَّ خِدمَةِ الكلمَةِ بفاعِلِيَّةٍ أكبَرَ. اللهُ يَنظُرُ لِقَلبِ الخادِمِ ويقرَأُ احْتياجَهُ فيُؤَمِّنُهُ لَه في الوقتِ المُناسِبِ.
بالتأكيدِ نحنُ هنا نتحدَّثُ عنِ الحاجَةِ وليسَ الرّغبةِ، فإنسانُ اللهِ باتَت رغَباتُهُ مَحصورَةً بالسَّماوِيّاتِ وباتَ مُطمَئِنًّا مِن تَسديدِ احتِياجاتِهِ اليَومِيَّةِ، إذ وَعَدَ الرّبُّ قائِلًا: "31فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ 32فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ كُلِّهَا. 33لَكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. متى ٦: ٣١-٣٣
أيَّةُ بَركَةٍ أرضِيَّةٍ هِي بالحقيقَةِ تَكريمٌ على جَهدٍ لِحسابِ المَلكوتِ، مِن هنا ستكونُ فَرحَةُ المُؤمِنِ مضاعَفَةً كونُهُ استشَعرَ رِضَى الرّبِّ على أعمالِهِ التي تُرجِمَتْ بِتَأمينِ احتياجٍ بطريقَةٍ مُعجِزِيَّةٍ، لماذا مُعجِزِيَّةٌ؟ لأنَّ الذي تَرَكَ العالَمَ وتَبِعَ الرّبَّ ويُفاجِئُهُ الرّبُّ بِبَرَكَةٍ لا يَحصَلُ عَليها إلّا الذي يَكِدُّ ويُثابِرُ على الصّعيدِ الأرضِيِّ، فإنَّهُ سيتَلَمَّسُ عَمَلاً إلهِيًّا مُمَيَّزًا.
في العَهدِ القَديمِ صَنعَ الرّبُّ بُيوتًا للقابِلتَينِ المِصرِيّتَينِ بسبَبِ تَقواهُمَا حينَما أمَرَ فِرعَونُ بقَتلِ كُلِّ مَولودٍ ذَكَرٍ مِنَ العِبرانِيّينَ، لنستَمِعْ للنّصِّ:
15وَكَلَّمَ مَلِكُ مِصْرَ قَابِلَتَيِ الْعِبْرَانِيَّاتِ اللَّتَيْنِ اسْمُ إِحْدَاهُمَا شِفْرَةُ وَاسْمُ الأُخْرَى فُوعَةُ 16وَقَالَ: «حِينَمَا تُوَلِّدَانِ الْعِبْرَانِيَّاتِ وَتَنْظُرَانِهِنَّ عَلَى الْكَرَاسِيِّ - إِنْ كَانَ ابْناً فَاقْتُلاَهُ وَإِنْ كَانَ بِنْتاً فَتَحْيَا». 17وَلَكِنَّ الْقَابِلَتَيْنِ خَافَتَا اللهَ وَلَمْ تَفْعَلاَ كَمَا كَلَّمَهُمَا مَلِكُ مِصْرَ بَلِ اسْتَحْيَتَا الأَوْلاَدَ. 18فَدَعَا مَلِكُ مِصْرَ الْقَابِلَتَيْنِ وَقَالَ لَهُمَا: «لِمَاذَا فَعَلْتُمَا هَذَا الأَمْرَ وَاسْتَحْيَيْتُمَا الأَوْلاَدَ؟» 19فَقَالَتِ الْقَابِلَتَانِ لِفِرْعَوْنَ: «إِنَّ النِّسَاءَ الْعِبْرَانِيَّاتِ لَسْنَ كَالْمِصْرِيَّاتِ فَإِنَّهُنَّ قَوِيَّاتٌ يَلِدْنَ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَهُنَّ الْقَابِلَةُ». 20فَأَحْسَنَ اللهُ إِلَى الْقَابِلَتَيْنِ وَنَمَا الشَّعْبُ وَكَثُرَ جِدّاً. 21وَكَانَ إِذْ خَافَتِ الْقَابِلَتَانِ اللهَ أَنَّهُ صَنَعَ لَهُمَا بُيُوتاً. خروج ١: ١٥-٢١
المؤمِنُ لا يَحتاجُ تَذكيرَ الرّبِّ ولا يَهتَمُّ لهذِهِ الأمورِ لكونِ عِبادَتِهِ باتَت مَحصورَةً بِعَلاقَتِهِ الحَميمَةِ مَعَهُ، لذلك مَحَبَّةُ الآبِ ستتعامَلُ مع هذِهِ الِاحتياجاتِ أوِ التَّكريماتِ بينَ الحينِ والآخَرِ "7وَحِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ. 8فَلاَ تَتَشَبَّهُوا بِهِمْ. لأَنَّ أَبَاكُمْ يَعْلَمُ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ قَبْلَ أَنْ تَسْأَلُوهُ. متى ٦: ٧-٨
هناك طوائفٌ مسيحِيَّةٌ تؤمِنُ أنَّ المُؤمِنَ يجِبُ أن يكونَ غنِيًّا كونُهُ ابنُ أو بِنتُ ملكِ الكونِ، ومِن هنا فإنَّهُم يجِبُ أن يَظهَرُوا في أفضَلِ حالٍ مِن ناحيَةِ السَّكَنِ والمَلبَسِ والمَأكَلِ، وهم بهذا الفِكرِ يُحارِبونَ النُّسكِيَّةَ وَتَرْكَ كُلِّ شَيءٍ واتِّباعَ الرّبِّ. ولكِن ماذا عنِ اللهِ وما هِيَ وَجهَةُ نَظَرِهِ؟ اللهُ ينظُرُ إلى توَجُّهِ قلبِ الإنسانِ وهو يَرغَبُ أن يترُكَ الإنسانُ كُلَّ شَيءٍ ويتبَعَهُ لكي تكونَ حياتُهُ عبارَةً عنِ اختباراتٍ يَومِيَّةٍ لِجُودِ الرّبِّ، هذا الْجُودُ هو نِسبِيُّ، فهناكَ خُدَّامٌ قد أعدَّهُمُ اللهُ ليوصِلُوا بِشارَةَ الإنجيلِ لِلعالَمِ، مِن هنا ستُلاحِظُهُ يُؤْمِّنُ لهُمُ البناياتِ الكبيرَةَ، الأموالَ الطّائِلَةَ للإنفاقِ على الخِدمَةِ وغيرِها، هذِهِ مِن جِهَةِ الرّبِّ، ولكِنْ هل جميعُ الخُدّامِ نَزيهونَ؟ هنا الموضوع يكونُ بينَ الخادِمِ والرّبِّ، وهو الذي يتعامَلُ معَهُ إن كانَ سيُسِيءُ استخدامَ أموالِ الرّبِّ أو كانَ في قلبِهِ حُبٌّ للمالِ وتَعَظُّمِ المَعيشَةِ.
رغبَةُ اللهِ هي مُبارَكَتُنا وتكريمُنا بينَ الحينِ والآخَرِ كونُهُ مَلِكًا كريمًا ولكِنْ هل فَكَّرنا بِكَيفِيَّةِ إكرامِنا لَهُ؟ صحيحٌ أنَّنا نَعمَلُ مَعَهُ على النِّطاقِ الرّوحِيِّ ولكِنَّ جميعَنا يَعلَمُ أنَّ هذِهِ الأرضَ كانت قَد لُعِنَت بسبَبِ سُقوطِ أبينا آدمَ في فَخِّ العِصيانِ، مِن هنا طَلَبَ اللهُ العُشورَ كَي نُزيلَ تِلكَ اللَّعنَةَ عن مَدخولِنا. العُشورُ يَجِبُ أن تُقَدَّمَ للرَّبِّ قبلَ إنفاقِ أيِّ شَيءٍ لتُمَثِّلَ أوائِلَ مَحاصِيلِنا كونِنا نُكرِمُ مَلِكًا.
غايَةُ العُشورِ هي أن يَكونَ هناكَ وَفرَةٌ في الغِذاءِ للفُقَراءِ في الكَنيسَةِ وَوَفرَةٌ لخِدمَةِ الكَلِمَةِ. مِن هنا بَارَكَ بولُسُ الرّسولُ أهلَ كورِنثوسَ قائِلًا:
1فَإِنَّهُ مِنْ جِهَةِ الْخِدْمَةِ لِلْقِدِّيسِينَ هُوَ فُضُولٌ مِنِّي أَنْ أَكْتُبَ إِلَيْكُمْ. 2لأَنِّي أَعْلَمُ نَشَاطَكُمُ الَّذِي أَفْتَخِرُ بِهِ مِنْ جِهَتِكُمْ لَدَى الْمَكِدُونِيِّينَ، أَنَّ أَخَائِيَةَ مُسْتَعِدَّةٌ مُنْذُ الْعَامِ الْمَاضِي. وَغَيْرَتُكُمْ قَدْ حَرَّضَتِ الأَكْثَرِينَ. 3وَلَكِنْ أَرْسَلْتُ الإِخْوَةَ لِئَلاَّ يَتَعَطَّلَ افْتِخَارُنَا مِنْ جِهَتِكُمْ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ، كَيْ تَكُونُوا مُسْتَعِدِّينَ كَمَا قُلْتُ. 4حَتَّى إِذَا جَاءَ مَعِي مَكِدُونِيُّونَ وَوَجَدُوكُمْ غَيْرَ مُسْتَعِدِّينَ لاَ نُخْجَلُ نَحْنُ - حَتَّى لاَ أَقُولُ أَنْتُمْ - فِي جَسَارَةِ الاِفْتِخَارِ هَذِهِ. 5فَرَأَيْتُ لاَزِماً أَنْ أَطْلُبَ إِلَى الإِخْوَةِ أَنْ يَسْبِقُوا إِلَيْكُمْ، وَيُهَيِّئُوا قَبْلاً بَرَكَتَكُمُ الَّتِي سَبَقَ التَّخْبِيرُ بِهَا، لِتَكُونَ هِيَ مُعَدَّةً هَكَذَا كَأَنَّهَا بَرَكَةٌ، لاَ كَأَنَّهَا بُخْلٌ. 6هَذَا وَإِنَّ مَنْ يَزْرَعُ بِالشُّحِّ فَبِالشُّحِّ أَيْضاً يَحْصُدُ، وَمَنْ يَزْرَعُ بِالْبَرَكَاتِ فَبِالْبَرَكَاتِ أَيْضاً يَحْصُدُ. 7كُلُّ وَاحِدٍ كَمَا يَنْوِي بِقَلْبِهِ، لَيْسَ عَنْ حُزْنٍ أَوِ اضْطِرَارٍ. لأَنَّ الْمُعْطِيَ الْمَسْرُورَ يُحِبُّهُ اللهُ. 8وَاللَّهُ قَادِرٌ أَنْ يَزِيدَكُمْ كُلَّ نِعْمَةٍ، لِكَيْ تَكُونُوا وَلَكُمْ كُلُّ اكْتِفَاءٍ كُلَّ حِينٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ، تَزْدَادُونَ فِي كُلِّ عَمَلٍ صَالِحٍ. 9كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ: «فَرَّقَ. أَعْطَى الْمَسَاكِينَ. بِرُّهُ يَبْقَى إِلَى الأَبَدِ». 10وَالَّذِي يُقَدِّمُ بِذَاراً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلأَكْلِ، سَيُقَدِّمُ وَيُكَثِّرُ بِذَارَكُمْ وَيُنْمِي غَلاَّتِ بِرِّكُمْ. 11مُسْتَغْنِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ لِكُلِّ سَخَاءٍ يُنْشِئُ بِنَا شُكْراً لِلَّهِ. 12لأَنَّ افْتِعَالَ هَذِهِ الْخِدْمَةِ لَيْسَ يَسُدُّ إِعْوَازَ الْقِدِّيسِينَ فَقَطْ، بَلْ يَزِيدُ بِشُكْرٍ كَثِيرٍ لِلَّهِ 13إِذْ هُمْ بِاخْتِبَارِ هَذِهِ الْخِدْمَةِ يُمَجِّدُونَ اللهَ عَلَى طَاعَةِ اعْتِرَافِكُمْ لِإِنْجِيلِ الْمَسِيحِ، وَسَخَاءِ التَّوْزِيعِ لَهُمْ وَلِلْجَمِيعِ. 14وَبِدُعَائِهِمْ لأَجْلِكُمْ، مُشْتَاقِينَ إِلَيْكُمْ مِنْ أَجْلِ نِعْمَةِ اللهِ الْفَائِقَةِ لَدَيْكُمْ. 15فَشُكْراً لِلَّهِ عَلَى عَطِيَّتِهِ الَّتِي لاَ يُعَبَّرُ عَنْهَا. ٢ كورنثوس ٩
بولُسُ هُنا لَم يَذكُرْ كلِمَةَ عُشورٍ لأنّها وَرَدَتْ في العَهدِ القَديمِ بِفَمِ الرّبِّ القائِلِ: "8أَيَسْلُبُ الإِنْسَانُ اللَّهَ؟ فَإِنَّكُمْ سَلَبْتُمُونِي. فَقُلْتُمْ: بِمَ سَلَبْنَاكَ؟ فِي الْعُشُورِ وَالتَّقْدِمَةِ. 9قَدْ لُعِنْتُمْ لَعْناً وَإِيَّايَ أَنْتُمْ سَالِبُونَ هَذِهِ الأُمَّةُ كُلُّهَا. 10هَاتُوا جَمِيعَ الْعُشُورِ إِلَى الْخَزْنَةِ لِيَكُونَ فِي بَيْتِي طَعَامٌ وَجَرِّبُونِي بِهَذَا قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ إِنْ كُنْتُ لاَ أَفْتَحُ لَكُمْ كُوى السَّمَاوَاتِ وَأُفِيضُ عَلَيْكُمْ بَرَكَةً حَتَّى لاَ تُوسَعَ. ملاخي ٣: ٨-١٠
أمّا في العَهدِ الْجَديدِ فالرَّبُّ لم يُحَدِّدْ كَمِّيَةَ العَطاءِ ولكِنْ يَبقَى الحَدُّ الأدنَى هُو العُشورُ. الشيءُ الْجَميلُ أنَّ الرّبَّ يُكرِمُ مُقَدِّمِي العُشورِ بِبَرَكاتٍ مادِّيَّةٍ عَظيمَةٍ لأنَّهُ كما سَبقَ وقلتُ إنَّ اللهَ يَرغَبُ بِمُبارَكَتِنا على كافَّةِ الأصعِدَةِ، ولكِنَّكَ قَد تَتساءَلُ أينَ يُمكِنُنِي إعطاءُ العُشورِ؟ المكانُ المِثالِيُّ هو الكنيسَةُ، ولكِنْ أقتَرِحُ الصَّلاةَ والصَّومَ للحُصولِ على إرشادٍ إلهِيٍّ للمكانِ الّذِي يَرغَبُ لكَ اللهُ بإعطاءِ التَّقدِماتِ.
العالَمُ يَعمَلُ بمبدَإِ التَّوفيرِ لغرَضِ إكثارِ الثّروَةِ، بينَما مبدَأُ المَلكوتِ يقولُ "يُوجَدُ مَنْ يُفَرِّقُ فَيَزْدَادُ أَيْضاً وَمَنْ يُمْسِكُ أَكْثَرَ مِنَ اللاَّئِقِ وَإِنَّمَا إِلَى الْفَقْرِ. أمثال ١١: ٢٤ لذلِكَ ونحنُ نسيرُ معَ الرّبِّ خادِمينَ الكلِمَةَ، مُنقادِينَ بروحِهِ القُدّوسِ علينا عدَمَ إهمالِ إكرامِ الرّبِّ بِشكلٍ مُتَواصِلٍ، إذ نُلاحِظُ هذا المبدَأَ موجودًا منذُ تَأسيسِ النّاموسِ والشَّريعَةِ، إذْ أفرَزَ اللهُ سِبْطَ لاوي لِخِدمَةِ الرّبِّ، ولكِنْ حتى هؤلاءِ كانَ يجبُ أن يُعَشِّرُوا "لِلاوِيِّينَ تَقُولُ: مَتَى أَخَذْتُمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيل العُشْرَ الذِي أَعْطَيْتُكُمْ إِيَّاهُ مِنْ عِنْدِهِمْ نَصِيباً لكُمْ تَرْفَعُونَ مِنْهُ رَفِيعَةَ الرَّبِّ: عُشْراً مِنَ العُشْرِ.عدد ١٨: ٢٦"
من أكثرِ الأمورِ التي يُحارَبُ بِها إنسانُ اللهِ وهو يسيرُ نحو قامَةِ مِلءِ المَسيحِ هي العطاءُ المادِّيُ، كونُنا نتَعَثَّرُ بِنَزاهَةِ المُؤتَمَنينَ في الكنيسَةِ وعوامِلَ كثيرَةٍ أخرَى. أنا تعثّرتُ كثيرًا لحينِ أعلَنَ لِيَ اللهُ نفسُهُ بِشكلٍ شَخصِيٍّ عن أهمِيَةِ العُشورِ فكانَتْ مُفتَرَقَ طُرُقٍ في حياتِيَ الشّخصِيَّةِ قادَني لاستِشعارِ تَكريماتِ الرّبِّ بشكلٍ مُستَمِرٍّ ومُتَزايِدٍ.
ولكِنْ هل تَكريماتُ الرّبِّ مَحصورَةٌ بالّتي نَحسِبُها بَرَكاتٍ أم هناكَ تكريماتٌ مِن نَوعٍ آخَرَ؟
نَقرأُ في سِفرِ أعمالِ الرّسُلِ الأصحاحِ الخامِسِ عَنِ التَّلاميذِ وكيفَ أنَّهُمُ اسْتَشعَرُوا تكريمًا مِن نَوعٍ آخَرَ حينَما جُلِدُوا وأُهينوا إذ يقولُ الكتابُ: "وَأَمَّا هُمْ فَذَهَبُوا فَرِحِينَ مِنْ أَمَامِ الْمَجْمَعِ لأَنَّهُمْ حُسِبُوا مُسْتَأْهِلِينَ أَنْ يُهَانُوا مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ اعمال ٥: ٤١" هذا هو تَكريمٌ نفِسِيٌّ للتَّلاميذِ مِن قِبَلِ الرّبِّ عَن تِلكَ الإهاناتِ.
كما نقرَأ ُعنِ التّكريمِ مِن خِلالِ مَواهِبِ وقُوّاتِ الرّوحِ القُدُسِ، حيثُ أكرَمَ الرّبُّ أليشَعَ بِضِعفِ ما كانَ لدَى إيلِيَّا النّبِيِّ وأكرَمَ التّلاميذَ بالتَّكَلُّمِ بِأَلسِنَةٍ وَمَواهِبَ شِفاءٍ، وفِي العهدِ القديمِ أكرَمَ الملِكَ حِزَقيا بإعطائِهِ خمسَ عَشْرَةَ سنَةً إضافِيَّةً لِحَياتِهِ وأكرَمَ المُطَوَّبَةَ العَذراءَ مَريمَ بِجَعلِها والِدَةِ الإلَهِ، فهَلِ اسْتَشعَرْتَ تكريمَ الرّبِّ لِحياتِكَ؟
إنْ كنتَ بِحاجَةٍ لِصَلاةٍ لِغَرَضِ اسْتِقبالِ إعلانٍ إلَهِيٍّ فَصَلِّ مَعِي إن أَرَدتَ: يا إلَهِيَ الحَبيبَ أنا أرغَبُ بِالتّقَرُّبِ مِنكَ، فأَعْلِنْ لِي عن مَشيئَتِكَ لِحياتِيَ، اجْعَلْنِي اَستَثْمِرُ الوقتَ للنُّمُوِّ لِقامَةِ مِلءِ المسيحِ لِكَي أتَغَيَّرَ فأكونَ سببَ بَرَكَةٍ لِلكثيرينَ، ساعِدْني على فَهمِ وصاياكَ كي أستطيعَ تَطبيقَها على حياتي فأحضَى بِتَكريماتِكَ المُتَنَوِّعَةِ.
أصَلّي أن تَكونَ حلقَةُ هذا اليومِ سببَ بَرَكَةٍ لكُم وللكثيرينَ ودُمتُمْ في أمجادِ المَلكوتِ.