Hits: 506
Twin-with-Jesus-arabic-christian-articles

 

ماذا لو كُنتَ توأمَ المسيحِ

مقدمة:

يمتازُ التوائِمُ بالتّشابُهِ الكبيرِ، إذ يصعُبُ التّفريقُ بينَهُم، تشابهًا ليسَ بالشّكلِ فحسبُ بل بالطباعِ والعواطِفِ، حيث يَجمَعُ التّوأمَ رباطٌ روحِيٌ مميَّزٌ، وغالباً ما يرتبطُ التوائِمُ ارتباطا عاطفيا ونفسياً يجعلُهُم يشعرونَ بآلامِ بعضِهِم بعضًا، يصلُ أحياناً لحدِّ وجودِ حالةٍ منَ التّخاطُرِ، حيثُ يشعُرُ كلٌّ منهُما بمشاعِرِ الآخَرِ عن بُعدٍ، مما يدفَعُهُ لأن يشارِكَهُ في الألَمِ والفرحِ. ويبدو دورُ الأسرةِ صعباً في المعادلَةِ بينَهما، فكلّما عاقبَتِ الأسرَةُ أحدَهُما تذمَّرَ الآخَرُ تعاطُفاً، وكلّما كافأت أحدَهُما كان عليها لِزامًا مُكافأةَ الآخَرِ...

منَ المواقِف التي تؤكِّدُ على قُوّةِ العِلاقَةِ بينَ التَّوائِمِ ما قام به أحدُهُما عندما حصلَ على 99% في نتيجةِ الثانويّةِ العامّةِ وحصلت أختُهُ التّوأمُ على 95% فخاطبَ وزيرَ التربيَةِ والتّعليمِ في رسالةٍ قال فيها: أتنازَلُ عن 2% من مَجموعِي لأُختِي التوأَمِ حتّى تدخُلَ مَعي الكليّةَ المرشَّحَ لَها "كليةُ الطبِّ"، وأنهى الرسالةَ برجاءِ الاستجابَةِ حتى لا يُحرَمَ في دراستِهِ مِن توأَمِهِ.

كما تقولُ فوزية، مدرّسَةٌ وأمٌّ لتوأَمَينِ: مِن المُفارقاتِ العَجيبَةِ لبناتي أنني كلّما عاقَبتُ إحداهُما وجدتُ الأخرى تبكي وتتألّمُ لبكاءِ توأمِها، والغريبُ أن كُلَّ واحدَةٍ منهُما عندما كانت تريدُ "طلبًا" تُوَسِّطُ أختَها التَّوأَمَ، فغالباً ما تقضِيانِ الوقتَ مع بَعضِهِما.

وتضيفُ قائلةً: "إنهُمَا أصبَحَتا نُسخَةً مًكَرَّرَةً؛ فما تُحِبُّهُ أو تكرهُهُ إحداهما في الطَّعامِ ينطبقُ على الأخرى، حتى أنني كنتُ ألاحِظُ عليهِما الاتفاقَ في الاستيقاظِ والنّومِ حتى وإنْ كانَتا في مكانَينِ مُختَلِفَينِ".

والأعجبُ مِن ذلك، كما تقولُ والدتُهُما، إنهما كانتا تَعترضان عند شراءِ بعضِ الملابِسِ "المختلفَةِ" لكلِّ منهما فكانَتا تُحَبِّذانِ الملابسَ المتشابِهَةَ وكانتا تَفخران بذلك.

اللهُ شابَهَنا في صورَتِنا الإنسانيَّةِ عندما لَبِسَ الْجَسَدَ، إذ أنهُ بهذا العمَلِ باتَ يُحِسُّ بأنينِنا وعاشَ إحساسَنا وقُبَيلَ صَلبِهِ وقِيامَتِهِ قدَّمَ لنا جسَدَهُ ودَمَهُ مِن خِلالِ الخُبزِ والخَمرِ لكيما نتَّحِدُ بهِ بعدَ أن أخَذْنا عطيّةَ الرّوحِ القُدُسِ في المعمودِيَّةِ لنُدرِكَ ونتغيَّرَ لصورَةِ الذي افْتَدانَا.

توأمُ المسيحِ هُمُ الذينَ قَبِلوا دعوَةَ اللهِ لِحياتِهِم واسْتَثمَروها مِن خلالِ رَفضِهِم للعالَمِ وتَسليمِ كافَّةِ تَفاصيلِ حياتِهِم للهِ الآبِ، إذ يقولُ بولسُ الرسولُ عن هؤلاءِ "لأَنَّ الَّذِينَ سَبَقَ فَعَرَفَهُمْ سَبَقَ فَعَيَّنَهُمْ لِيَكُونُوا مُشَابِهِينَ صُورَةَ ابْنِهِ لِيَكُونَ هُوَ بِكْراً بَيْنَ إِخْوَةٍ كَثِيرِينَ.. رومية ٨: ٢٩"

دَعني أسألُكَ عزيزي المستمِعَ، ماذا لو كانَ هذا الكلامُ موجّهًا إليك؟ أي أن تكونَ مَدعُوًّا للتّشَبُّهِ بصورةِ المسيحِ، ما الذي كانَ سيتغيّرُ في نسَقِ حياتِكَ، هل ستكونُ لكَ طِباعُ المسيحِ؟ أيِ اللطفُ، التواضُعُ، المحبّةُ، طولُ الأناةِ والغفرانُ غيرُ المشروطِ وغيرُها الكثيرُ؟ بالنسبةِ للتّوائِمِ، هذِهِ الطّباعُ ستكونُ مُكتَسَبَةً، أمّا توائِمُ المسيحِ فإنَّ الروحَ القدسَ يعمَلُ على تَنمِيتِهِم للوصولِ لذلكَ الهدفِ.

هل ستتمَتَّعُ بعواطِفَ جياشَةٍ نحوَ توأَمِكَ، أيِ الربِّ يسوعَ المسيحِ؟ هل سيتغيّرُ محوَرُ صلاتِكَ مِنَ الطِّلْباتِ إلى الأشواقِ الْجامِحَةِ لِلقاءِ الحبيبِ؟ هل ستتألَّمُ حينَما تَرى العالمَ الشّريرَ يُؤْذِي المُؤمنينَ ويَتحَنَّنُ قلبُكَ كما يتحنَّنُ قلبُ المسيحِ على المُضطَهَدينَ؟ هل ستشعُرُ بَأنكَ والمسيحُ واحِدٌ في كلِّ شيءٍ وكُلُّ ما لَكَ هو لَهُ أيضًا؟

كونُ الموضوعِ يتِمُّ تدريجيًّا فإنّهُ يأخُذُ وقتاً لكي يَمتَلِئَ التوأَمُ بالقامَةِ والنّعمَةِ. الذي يُعيقُ الامتلاءَ هو التّشتيتُ، حيثُ مكتوبٌ عنِ الرّبِّ أنّه كانَ خاضِعًا لِمَشيئَةِ الآبِ منذُ نُعومَةِ أظفارِهِ، يمتازُ بالطّاعَةِ لوالِدَتِهِ العذراءِ مَريَم وبعِلاقَتِهِ الحَميمَةِ معَ اللهِ الآبِ.

دَاوُدُ الملِكُ كانَ يمتازُ بقَلبِ توأَمٍ مَع قلبِ الرّبِّ إذ يُخبِرُنا كاتِبُ سِفرِ الأعمالِ: "ثُمَّ عَزَلَهُ وَأَقَامَ لَهُمْ دَاوُدَ مَلِكاً الَّذِي شَهِدَ لَهُ أَيْضاً إِذْ قَالَ: وَجَدْتُ دَاوُدَ بْنَ يَسَّى رَجُلاً حَسَبَ قَلْبِي الَّذِي سَيَصْنَعُ كُلَّ مَشِيئَتِي. أعمال ١٣: ٢٢". الجميلُ أنَّ التّوأَمَ سيُحَقِّقُ مَشيئَةَ اللهِ بشكلٍ دقيقٍ وهذا يَعني عَظَمَةَ الوِراثَةِ وأكاليلَ الملكوتِ.

نحنُ مدعُوّونَ لِنكونَ مُسَحاءَ أي توائِمَ، فالذي يقبلُ الدّعوَةَ يُصبِحُ تلميذًا للربِّ وبالتالي يختَبِرُ التّغَيُّرَ لصورَةِ المسيح،ِ إذ يقولُ بولسُ الرسولُ "وَنَحْنُ جَمِيعاً نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ". ٢ كورنثوس ٣: ١٨

في كُلِّ تَفاصيلِ حياتِنا يوجَدُ الأصيلُ والتّقليدُ، فَكما يوجَدُ المسيحُ قيلَ إنّه سيكونُ هناكَ مُسَحاءٌ كذَبَةٌ، وكمُحصِّلَةٍ فيجِبُ أن نتوقَّعَ توائِمَ كذَبَةٍ، حيثُ يُعرَفُ التّوأَمُ غيرُ المُتشابِهِ بأسماءٍ مُتَعَدّدَةٍ كالتّوأَمِ المُختَلِفِ أو التّوأَمِ الكاذِبِ، وأيضاً التوأمِ غيرِ المُتماثِلِ كذلك التوائِمِ الأخَوِيَّةِ.

هذا النوعُ منَ التّوائِمِ لا تظهَرُ عليهِ ظاهرَةُ التّشابُهِ التّامِّ التي تكونُ في التّوأَمِ المُتَطابِقِ، إذْ يكونُ القاسِمُ المُشتَرَكُ في التّشابُهِ ما هو موجودٌ بينَ الإخوةِ، ويكونُ التّوأمانِ مِن جنسٍ مُختلِفٍ في أغلَبِ الحالاتِ كوَلَدٍ وفتاةٍ مثلاً أو وَلدَينِ أو بِنتَينِ غيرِ مُتَشابِهتَينِ على الإطلاقِ، وتكونُ أيضاً فئةُ الدَّمِ مختلفَةً.

أمّا الأسبابُ المؤدّيَةُ إلى حُدوثِ حَمْلٍ بتوأَمٍ مُختَلفٍ فهي استخدامُ بعضِ الأدويَةِ التي تُنَشِّطُ المبايِضَ، الأمرُ الذي يُسبّبُ إفرازَ أكثرَ مِن بُويضةٍ خلالَ الدّورةِ الواحدَةِ ويؤدي ذلك إلى حُدوثِ الحَمْلِ بأكثرَ مِن جَنينٍ. ومنَ الأسبابِ أيضًا نذكر التلقيحَ الاصطناعِيَّ وعامِلَ الوِراثَةِ.

هناكَ أشخاصٌ لهم صورةُ التّقوى ويتكلَّمونَ بكلامِ المسيحِ ولكنَّ أفعالَهُم تكشِفُ زَيفَهُم، إذ هُم غيرُ متشابِهينَ معَ المسيحِ في القول ِوالفِعلِ، فهم أوّلُ مَن لا يُطبِّقُ أفعالَهُ، بينَما التّوأمُ المتطابِقُ يكرّسُ كلَّ حياتِهِ للتّغيّرِ لصورَةِ المسيحِ بحزمٍ وجِدّيةٍ عاليَةٍ.

هناك نوعٌ آخرُ منَ التّوائمِ وهو التّوأَمُ المُلتَصِقُ: روحانِ في جَسَدٍ واحِدٍ، وهذا هو النوعُ الذي يرغَبُهُ الرّبُّ لنا وهو إدراكُ أنَّنا لسنا مُتشابِهِينَ معَهُ فحسبُ بَل مُلتصقِينَ معه على الدّوامِ، حيثُ نجِدُ التّوأمَ الأمريكِيَّ المشهورَ أبيجيل وبريتاني هينسيل Abigail and Brittany Hensel لا تُعتَبرانِ كأيِّ توأَمٍ طبيعِيٍّ، فهُما وُلِدَتَا مُلتَصِقَتَينِ conjoined twins وواجَهَتا الكثيرَ مِنَ الصُّعوباتِ في حياتِهِما، واستَطاعَتا إذهالَ الأطباءِ الذينَ توقّعُوا وفاتَهُما بعُمرٍ قصيرٍ بِبُلوغِهِمِ الخامِسَةَ والعِشرينَ.

 

أبيجيل وبريتاني يتشاركانِ الْجَسَدَ نفسَهُ منذُ الوِلادَةِ مع رأسَينِ وعُنُقَينِ مُنفَصِلَينِ، حيثُ يميلُ رأسُ أبيجيل حوالي خمسَ درجاتٍ إلى اليمينِ، في حينِ أن رأسَ بريتاني يميلُ إلى الْجِهَةِ المُقابلِةِ بخمسَ عشرةَ درجةً تقريباً مما يجعَلُها أقصرَ مِن أبيجيل.

تملِكانِ أبيجيل وبريتاني صدراً أوسَعَ من الطّبيعِيِّ، بالإضافَةِ إلى يَدَينِ وقَدَمَينِ، إلّا أنَّ قَدَمَ بريتاني (القدمِ اليُسرى) أقلَّ طولاً من قدمِ أبيجيل بحوالي خمسةِ سنتيميتراتٍ مما يَضطرُّها إلى الوقوفِ والمشي على أطرافِ أصابِعِها. وخَضَعَتا إلى عملية جِراحِيَّةٍ عند بلوغِهما الثانيةَ عَشرةَ مِن عمرهِما لتصحيحِ الجنفِ scoliosis وهو عبارةٌ عن التواءٍ في العمودِ الفقاري بالإضافةِ إلى توسيعِ منطقةِ الصّدرِ لتَجَنُّبِ مصادَفَةِ إي صُعوباتٍ تنفُّسيّةٍ مُستَقبلاً.

ابيجيلُ تتحكَّمُ في الْجُزءِ الأيمنِ منَ الْجِسمِ، في حينِ أنَّ بريتاني تتحكّمُ بالْجُزءِ الأيسَرِ، وبالرّغمِ مِن ذلكَ فهما تستطيعانِ التّحكّمَ والسيطرةَ على قدمَيهِما ويَدَيهِما بالشكلِ السّليمِ والمطلوبِ، ويظهرُ ذلك جَلِيًّا في قُدرَتِهِما على المشي والرّكضِ والسّباحَةِ وحتى رُكوبِ الدّراجَةِ الهوائِيَّةِ، كما بإمكانِهما استخدامُ الكمبيوترِ وقيادةُ السيارةِ!

وللأسَفِ منَ الصّعبِ أن تبقَى هذِهِ التوائِمُ المُلتَصِقَةِ على قَيدِ الحَياةِ لعدَمِ قُدرَةِ أعضائِهِما الدّاخليّةِ على تَحَمُّلِ دَعمِهِما بالشّكلِ المُناسِبِ والمطلوبِ، حيثُ أنّ 40% من التوائِمِ المُلتَصِقَةِ تكونُ متوفِّيَةً عندَ الوِلادَةِ في حين أنّ 35% منهُم يَموتونَ بعدَ يومٍ منَ الوِلادَةِ. وبالرّغمِ مِن ذلكَ فإنَّ التّوائِمَ المُلتَصِقَةَ تعيشُ فترَةً أطولَ منَ الماضي بسببِ تطوُّرِ الطِّبِّ والعلمِ.

ويختار ُالعديدُ مِنَ الوالِدِينَ أن يخضَعَ أطفالُهُمُ الملتصِقينَ إلى عمليَّةِ فَصلٍ، والتي تكون في السّنَةِ الأولى من حياتِهِما، إلا أنَّ نجاحَ هذه العمليَّةِ يعتمدُ بشكلٍ أساسيٍّ على مكانِ الالتصاقِ والأعضاءِ التي يتشاركونَهَا، بالتّالي تكونُ هناكَ فُرَصٌ لبقاءِ الطّفلَينِ على قيدِ الحياةِ، أو طِفلٍ واحدٍ، أو حتى وفاةِ الاثنينِ في بعضِ الحالاتِ.

ويواجِهُ التوائِمُ المُلتصِقينَ العديدَ مِنَ العَقَباتِ في حياتِهِما وأثناءَ المَراحِلِ المُختَلِفَةِ، وصولاً إلى الحبِّ والزّواجِ، والتي لم يستطِع الباحثونَ والعلماءُ الاتفاقَ عليها حتى الآنَ، نظراً إلى قِلّةِ التّوائِمِ المُلتَصِقينَ الذين يَصِلونَ لهذِهِ المرحلَةِ في حياتِهِم. مما يُثيرُ العديدَ مِنَ التّساؤلاتِ التي تَبقَى عالِقَةً بلا أجوِبَةٍ: هل بإمكانِ التوأمَينِ الزّواجُ وإنجابُ أطفالٍ؟ كيفَ ستكونُ حياتُهما الزّوجيّةُ؟ وهل بالإمكانِ أن يتزوَّجا شخصَينِ مُختَلِفِينَ؟

كذلك الذي يلتَصِقُ مع الربِّ نجِدُ أنَّ إنسانَهُ القديمَ لا يعيشُ طويلاً بل ينتَقِلُ سريعًا ويُصبِحُ إنسانًا أبديًّا كونُهُ أصبحَ شريكاً للطّبيعَةِ الإلهِيّةِ وحامِلًا للحُضورِ الإلهِيِّ أينَما حَلَّ، هكذا كانَ المسيحُ الذي قالَ عن نفسِهِ "أنا والآبُ واحِدٌ". يوحنا ١٠: ٣٠

مثلُ هؤلاءِ يُعَدّونَ عُملَةً نادِرَةً، كونُ العالَمِ قد وضع  في الشّرير، وتشتيتُ إبليسَ يعمَلُ ليلًا ونهاًرا لإبعادِ أكبَرَ عدَدٍ منَ التّلاميذِ عنِ الوُصولِ لهذا المستوى الرفيعِ. فركّزْ نظرَكَ على الربِّ وَاسْعَ للالتِصاقِ والتَشَبُّهِ بهِ بجِدّيَةٍ عاليَةٍ كي يُضِئَ نورُكَ قُدّامَ النّاسِ فيُمَجِّدونَ أباكَ السَّماوِيَّ.

ودُمتُم في أمجادِ المُلُكوتِ.