Hits: 300
walking-in-the-valley-of-death-shadow-arabic-christian-articles-2

 

السّيرُ في وادي ظِلِّ الموتِ

 

رنَّمَ دَاوُدُ النبيُّ في مزمورِهِ الثالثِ والعشرينَ قائلا: "اَلرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ. أَيْضاً إِذَا سِرْتُ فِي وَادِي ظِلِّ الْمَوْتِ لاَ أَخَافُ شَرّاً لأَنَّكَ أَنْتَ مَعِي. عَصَاكَ وَعُكَّازُكَ هُمَا يُعَزِّيَانِنِي. تُرَتِّبُ قُدَّامِي مَائِدَةً تُجَاهَ مُضَايِقِيَّ. مَسَحْتَ بِالدُّهْنِ رَأْسِي. كَأْسِي رَيَّا. إِنَّمَا خَيْرٌ وَرَحْمَةٌ يَتْبَعَانِنِي كُلَّ أَيَّامِ حَيَاتِي وَأَسْكُنُ فِي بَيْتِ الرَّبِّ إِلَى مَدَى الأَيَّامِ."

وادي ظِلِّ الموتِ هو هذِهِ الحياةُ بحروبِها وضِيقاتِها، وآخرُ عدُوٍّ لنا وأصعبُ ضيقَةٍ هي الموتُ، ولكنَّه يُسمّيهِ هنا ظِلُّ الموتِ، إذ لم يَعُدْ للموتِ سلطانٌ علينا، فلم يَعُدِ الموتُ موتًا أبدِيًّا، بل هو انتقالٌ كما وعدَ الربُّ يسوعُ قائلا: "مَنْ آمَنَ بي وَلَو ماتَ فَسَيَحيَا". بما أن الموتَ هو أسوأُ الشُّرورِ في نَظَرِ النّاسِ، فإنَّ ظِلَّهُ يُشيرُ إلى زمانِ الحُزنِ العظيمِ والظُّلمَةِ والتّجارِبِ، أو قد يَعني ظِلُّ الموتِ المعاناةَ مِنَ الآلامِ. فالمتاعِبُ مهما اشتدَّت لا توقِفُ مسيرتَنا نحو الأبديّةِ، ولا تُرْهِبُنا، ولا تحكُمُ رجاءَنا بالخوفِ، مادُمنا نتمتّعُ بالمَعيّةِ مع المخلِّصِ.

لديّ صديقٌ هو خادِمٌ للرّبِّ في حقلِ الوعظِ والتّبشيرِ، يسيرُ في وادٍ مليءٍ بالحُروباتِ الرّوحيّةِ تُجاهَ مَسحَةِ الكَلِمَةِ التي على حياتِهِ، ولكونِهِ يسيرُ بثقَةٍ وثباتٍ بالرّبِّ المتّحِدِ بهِ فإنّه يُقلِقُ الأرواحَ الشّرّيرَةَ، مما قادَ إبليسَ ليأتيهِ ويكلِّمَهُ مِن خلالِ امرأةٍ آسيويةٍ غريبَةٍ، إذ قالت له: "أنتَ لا تملِكُ مَسحَةَ التّأثيرِ ولَم أرَ بِكَ أيَّ روحانِيّةٍ" مع العلم أنّهُ يلتَقي تلكَ المرأةَ للمرّةِ الأولى ولَم يسأَلْها إن كانت تراهُ مؤثِّرًا أم لا.

هنا يتحدّثُ المرتّلُ بدقّةٍ عجيبَةٍ، فهو في حالةِ "سَيْرٍ"، لا يعرِفُ التّوقُّفَ... إنه دائمُ التقدُّمِ بخَطىً ثابتَةٍ في الطّريقِ الملوكِيِّ، مهما اشتدّتِ الضّيقاتُ. هو يسيرُ في "وادٍ" وليس على قِمَمِ الْجِبالِ... فالسيرُ في الوادي هو عُبورٌ في هدوءٍ... إذ يشعرُ المؤمِنُ بنوعٍ مِنَ الهُدوءِ والسّلامِ مع الأمانِ.

هذا الهدوءُ والسّلامُ انسكبَ على قلبِ صديقي في اليومِ التّالي، إذ كان في زيارَةٍ لإحدى العوائلِ الصّديقَةِ. أثناءَ الْجَلسَةِ أُثيرَت بعضُ الأسئلَةِ التي تخُصُّ الإيمانَ المسيحِيَّ، فبادرَ بالإجابَةِ عنها بأسلوبِهِ السّلِسِ والمريحِ، مما قادَ ربَّ أسرةِ ذلك المنزلِ بدعوتِهِ لعمَلِ جَلساتٍ مستقبليّةٍ لتعليمِ الكتابِ المقدّسِ، فضحِكَ هو، ومجَّدَ اللهَ على الفورِ، لأنه أعطاهُ تأكيدَا على قوةِ مَسحَةِ الكلمَةِ على حياتِهِ.

يُدعى الوادي "ظلُّ الموتِ" وليسَ "موتًا"، إذ بَطُلَ سلطانُ الموتِ. ما يُشغِلُ قلبَ المؤمنِ هو معِيّةُ اللهِ أو الحضرَةِ الإلهيّةِ كعربونٍ للّقاءٍ مع اللهِ وجهًا لوجهٍ بعد عُبورِهِ الحياةَ الزّمنيّةَ. حديثُ المرتِّلِ يُشيرُ إلى نوعٍ من التحالُفِ بين المؤمنِ والموتِ نفسِهِ، فهو لا يَهابُهُ بل يتحالَفُ معهُ أو يدخُلُ معهُ في عَهدٍ كي يَعْبُرَ خلالَهُ إلى الحياةِ الأبديّةِ؛ يحسِبُهُ طريقًا للتّمتُّعِ بالحياةِ الأخرى.

عمليًّا... ما معنى أن نكونَ في معيّةِ اللهِ؟ الجوابُ، هو إدراكُ قيادَتِهِ لحياتِنا وأنّهُ الممسِكُ بكافّةِ التّفاصيلِ، وكونُهُ معنا فلن يكونَ هناكَ شيءٌ قادِرٌ علينا بل حتّى اللّعنَةَ سيُحَوّلُها إلى بركَةٍ. ولكنَّ قيادَةَ الربِّ لحياتِنا لا تقتَصِرُ بالمحسوساتِ، بل سيمتدُّ مدَى تأثيرِنا للحياةِ الأبديّةِ، ذلك التأثيرُ الناتِجُ عن إنجازِ أعمالِ اللهِ على الأرضِ. لذلك عزيزي ... فإنَّ معِيّةَ اللهِ لكَ هو امتيازٌ عظيمٌ، والذينَ سَعَوا لَهُ مِن كُلِّ القلبِ حصَلُوا على مراكِزَ متقدِّمَةٍ جدًّا في الملكوتِ كأبينا إبراهيمَ.

يفشَلُ الكثيرونَ بإدراكِ معيّةِ اللهِ أثناءَ التّحدّياتِ الحياتيّةِ اليوميّةِ، كونُ تركيزِهِم موجّهًا نحو المرئيّ الوقتيِّ المحسوسِ، بينما يدعونا الربُّ يسوعُ قائّلا: «اِعْمَلُوا لاَ لِلطَّعَامِ الْبَائِدِ بَلْ لِلطَّعَامِ الْبَاقِي لِلْحَيَاةِ الأَبَدِيَّةِ الَّذِي يُعْطِيكُمُ ابْنُ الإِنْسَانِ لأَنَّ هَذَا اللَّهُ الآبُ قَدْ خَتَمَهُ يوحنا» ٦: ٢٧. أي حينما تتعرّضُ لِضيقَةٍ معيّنَةٍ، فانظُرْ إلى الأمجادِ المعَدَّةِ للّذينَ يتخطُّونَها بثباتٍ وإيمانٍ راسِخٍ.

أمّا تلاميذُ الربِّ المركِّزينَ على مُعَلِّمِهِم أثناءَ مسيرهِم في وادي ظلِّ الموتِ فإنَّهُم لن يعبُروهُ بسلامٍ واطمِئنانٍ فحسبُ، بل مُنتصرينَ بالرّبِّ السّائِرِ معهُم الذي سيجلِبُ آخَرينَ معهم للملكوتِ. هذا ما اخْتَبرَهُ بولسُ وسيلا في السّجنِ مِن خلالِ النّصِّ الآتي:

"وَنَحْوَ نِصْفِ اللَّيْلِ كَانَ بُولُسُ وَسِيلاَ يُصَلِّيَانِ وَيُسَبِّحَانِ اللهَ وَالْمَسْجُونُونَ يَسْمَعُونَهُمَا. فَحَدَثَ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عَظِيمَةٌ حَتَّى تَزَعْزَعَتْ أَسَاسَاتُ السِّجْنِ فَانْفَتَحَتْ فِي الْحَالِ الأَبْوَابُ كُلُّهَا وَانْفَكَّتْ قُيُودُ الْجَمِيعِ. وَلَمَّا اسْتَيْقَظَ حَافِظُ السِّجْنِ وَرَأَى أَبْوَابَ السِّجْنِ مَفْتُوحَةً اسْتَلَّ سَيْفَهُ وَكَانَ مُزْمِعاً أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ ظَانّاً أَنَّ الْمَسْجُونِينَ قَدْ هَرَبُوا. فَنَادَى بُولُسُ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ قَائِلاً: «لاَ تَفْعَلْ بِنَفْسِكَ شَيْئاً رَدِيّاً لأَنَّ جَمِيعَنَا هَهُنَا». فَطَلَبَ ضَوْءاً وَانْدَفَعَ إِلَى دَاخِلٍ وَخَرَّ لِبُولُسَ وَسِيلاَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ ثُمَّ أَخْرَجَهُمَا وَقَالَ: «يَا سَيِّدَيَّ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ أَفْعَلَ لِكَيْ أَخْلُصَ؟» فَقَالاَ: «آمِنْ بِالرَّبِّ يَسُوعَ الْمَسِيحِ فَتَخْلُصَ أَنْتَ وَأَهْلُ بَيْتِكَ». وَكَلَّمَاهُ وَجَمِيعَ مَنْ فِي بَيْتِهِ بِكَلِمَةِ الرَّبِّ. فَأَخَذَهُمَا فِي تِلْكَ السَّاعَةِ مِنَ اللَّيْلِ وَغَسَّلَهُمَا مِنَ الْجِرَاحَاتِ وَاعْتَمَدَ فِي الْحَالِ هُوَ وَالَّذِينَ لَهُ أَجْمَعُونَ. وَلَمَّا أَصْعَدَهُمَا إِلَى بَيْتِهِ قَدَّمَ لَهُمَا مَائِدَةً وَتَهَلَّلَ مَعَ جَمِيعِ بَيْتِهِ إِذْ كَانَ قَدْ آمَنَ بِاللَّهِ". أعمال ١٦: ٢٥-٣٤

قوةُ تركيزِ بولُسَ وسيلا جاءَت مِن خلالِ الفَرَحِ بالرّبِّ وهم ينتظرونَ الموتَ في أيّةِ لحظَةٍ إذ أنَّ تسبيحَهُم وصلاتَهُم بهذِهِ الرّوحيّةِ تُشبِهُ أشخاصًا يسيرونَ مع مَلِكِهِم ويهتِفونَ له بأهازيجِ الفرحِ والامتنانِ، هؤلاءِ التّلاميذُ أعرَبُوا عن مشاعِرِ اعتزازِهِم بالربِّ حتى قبلَ تدخُّلِهِ الـمُعجِزِيِّ في إخراجِهِم منَ السِّجنِ وجعْلِ السّماءِ تفرَحُ بالسّجّانِ بعدَ مَعمودِيَّتِهِ.

بعضُهُم يسيرونَ في وادِي ظلِّ الموتِ مِن خلالِ المرَضِ، فهُم في كلِّ يومٍ يستَمِعونَ لأصواتِ الشّكِّ والحَيْرَةِ والخوفِ مِنَ الموتِ، ويبدأُ فُقدانُ الأملِ بالتّعاظُمِ مع الوقتِ فيستشعرونَ كلامَ دَاوُدَ الملكِ بخصوصِ وادي ظلِّ الموتِ. إن كنتَ مِن هؤلاءِ فَاعلَمْ عزيزي المستمِعَ أنَّ الربَّ يسوعَ حملَ أسقامَكَ وأوجاعَكَ على الصّليبِ وباتَ مُتّحِدًا بكيانِكَ مِن خلالِ روحِهِ القُدّوسِ، فقط عليك بإدراكِ اتّحادِهِ معكَ، وَاعلَمْ أنَّهُ سيفتقِدُكَ بالوقتِ المناسِبِ كونِكَ دائِمَ التّواجُدِ في محضَرِهِ.

يُشيرُ ظِلُّ الموتِ إلى شركَتِنا في موتِ المسيحِ، إذ نقبَلُه بفرحٍ لنوالِنا قوةَ قيامَتِهِ ومجدَهَا. بقولِه: "إذا سِرتُ" يقصِدُ سلوكَ المؤمِنِ أو مَسَارَ حياتِهِ كزمَنٍ قصيرٍ. فالسيدُ المسيحُ الراعي الصالِحُ سارَ بنفسِهِ في ظلِّ الموتِ في أيامِ تجسُّدِهِ، ودخلَ القبرَ ذاتَهُ حتى نقبلَ أن نسلُكَ معَهُ ذاتَ الطّريقِ.

إدراكُ شركَتِنَا بالمسيحِ هو مواجَهُةُ الضّيقاتِ بفكرِ القيامَةِ، كونُ القيامَةِ أبطلَتِ الموتَ، فلم يَعُدْ للموتِ الأبَدِيِّ مكانٌ في قانونِ المسيحِيِّ المؤمِنِ، إذ يعلِّقُ بولسُ الرسولُ قائلا: "وَإِنَّمَا أُظْهِرَتِ الآنَ بِظُهُورِ مُخَلِّصِنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي أَبْطَلَ الْمَوْتَ وَأَنَارَ الْحَيَاةَ وَالْخُلُودَ بِوَاسِطَةِ الإِنْجِيلِ". ٢ تيموثاوس ١: ١٠.

هذا الإدراكُ يجعَلُكَ تتصرّفُ مع العالمِ الأرضِيِّ بمستوىً روحِيٍّ عالٍ يحذو حَذوَ الربِّ يسوعَ المسيحِ الذي دعانا كاتِبُ سِفرِ العِبرانيينَ للنظر إليهِ قائلا: "نَاظِرِينَ إِلَى رَئِيسِ الإِيمَانِ وَمُكَمِّلِهِ يَسُوعَ، الَّذِي مِنْ أَجْلِ السُّرُورِ الْمَوْضُوعِ أَمَامَهُ احْتَمَلَ الصَّلِيبَ مُسْتَهِيناً بِالْخِزْيِ، فَجَلَسَ فِي يَمِينِ عَرْشِ اللهِ. فَتَفَكَّرُوا فِي الَّذِي احْتَمَلَ مِنَ الْخُطَاةِ مُقَاوَمَةً لِنَفْسِهِ مِثْلَ هَذِهِ لِئَلاَّ تَكِلُّوا وَتَخُورُوا فِي نُفُوسِكُمْ". عبرانيين ١٢: ٢-٣.

لأنّه كما سارَ الربُّ في وادي ظِلِّ الموتِ حيثُ وُجِدَتْ نُفوسُ الموتى؛ لكنه قامَ بالْـجَسَدِ بعدَ ذلكَ؛ ومِن بعدِ القيامَةِ صعِدَ بها إلى السّمواتِ، فمِنَ الْـجَلِيِّ أنَّ نُفوسَ تلاميذِهِ أيضًا التي لحسابِها عانَى الربُّ كلَّ ما عاناهُ، سوفَ تنطَلِقُ إلى ذات الموضِعِ غيرِ المنظورِ الذي عَيَّنَهُ لهُمُ اللهُ. وهناكَ تبقى حتى القيامَةِ تنتَظِرُ ذلكَ الحدَثَ. ثم تَسْتَلِمُ أجسادَهم، وتقومُ بكُلِّيَّتِها، أيْ بالْجَسَدِ، كما قامَ الربُّ، وهكذا يأتي التلاميذُ إلى حَضرَةِ الله.

الخوفُ هو أمرٌ طبيعِيٌّ جدًّا، ونحنُ نسيرُ في ذلك الوادي إذ أنَّ الربَّ يسوعَ المسيحِ في الْجَسَدِ خافَ أيضًا، ولكنَّ الذي رافَقَ خوفَهُ، هو السّعيُ بالسَّهَرِ للحُصولِ على إرادَةِ الآبِ. وما هي إرادَةُ الآبِ؟ أن يُقيمَنَا مِن بينِ الأمواتِ مُكَلَّلينَ بالمجدِ ويتمجَّدَ من خلالِنا الكثيرون. هذانِ الشّيئانِ يُعطِيانِ التّعزيَةَ والفرحَ كونَنا سنُفرِحُ السَّماءَ بخُطاةٍ يتوبونَ وسننتَصِرُ على شوكَةِ الموتِ.

هذا من ناحِيَتِنا، فما بالُكَ بالربِّ يسوعَ المسيحِ الذي كانَ باكورةَ القائمينَ وخلاصُهُ جاءَ للعالمِ أجمعَ؟ بالتأكيدِ أحسَّ بسُرورٍ عظيمٍ حينَما كلَّمَهُ الآبُ في النصِّ الآتي:

«حِينَئِذٍ جَاءَ مَعَهُمْ يَسُوعُ إِلَى ضَيْعَةٍ يُقَالُ لَهَا جَثْسَيْمَانِي فَقَالَ لِلتَّلاَمِيذِ: «ﭐجْلِسُوا هَهُنَا حَتَّى أَمْضِيَ وَأُصَلِّيَ هُنَاكَ». ثُمَّ أَخَذَ مَعَهُ بُطْرُسَ وَابْنَيْ زَبْدِي وَابْتَدَأَ يَحْزَنُ وَيَكْتَئِبُ. فَقَالَ لَهُمْ: «نَفْسِي حَزِينَةٌ جِدّاً حَتَّى الْمَوْتِ. امْكُثُوا هَهُنَا وَاسْهَرُوا مَعِي». ثُمَّ تَقَدَّمَ قَلِيلاً وَخَرَّ عَلَى وَجْهِهِ وَكَانَ يُصَلِّي قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». ثُمَّ جَاءَ إِلَى التَّلاَمِيذِ فَوَجَدَهُمْ نِيَاماً فَقَالَ لِبُطْرُسَ: «أَهَكَذَا مَا قَدَرْتُمْ أَنْ تَسْهَرُوا مَعِي سَاعَةً وَاحِدَةً؟ ﭐِسْهَرُوا وَصَلُّوا لِئَلَّا تَدْخُلُوا فِي تَجْرِبَةٍ. أَمَّا الرُّوحُ فَنَشِيطٌ وَأَمَّا الْجَسَدُ فَضَعِيفٌ». فَمَضَى أَيْضاً ثَانِيَةً وَصَلَّى قَائِلاً: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ تَعْبُرَ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ إِلاَّ أَنْ أَشْرَبَهَا فَلْتَكُنْ مَشِيئَتُكَ». ثُمَّ جَاءَ فَوَجَدَهُمْ أَيْضاً نِيَاماً إِذْ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ ثَقِيلَةً. فَتَرَكَهُمْ وَمَضَى أَيْضاً وَصَلَّى ثَالِثَةً قَائِلاً ذَلِكَ الْكَلاَمَ بِعَيْنِهِ. ثُمَّ جَاءَ إِلَى تَلاَمِيذِهِ وَقَالَ لَهُمْ: «نَامُوا الآنَ وَاسْتَرِيحُوا. هُوَذَا السَّاعَةُ قَدِ اقْتَرَبَتْ وَابْنُ الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي الْخُطَاةِ. قُومُوا نَنْطَلِقْ. هُوَذَا الَّذِي يُسَلِّمُنِي قَدِ اقْتَرَبَ». متى ٢٦: ٣٦-٤٦

حينما نجمَعُ كُلَّ هذِهِ المفاهيمِ، نجِدَ أنَّ الثّقَةَ الرّاسِخَةَ بالسّائِرِ معَنا واستخدامَ وسائِطِ النِّعمَةِ كالحمدِ والشّكرِ والتّرنيمِ وطَلَبَ صَوتِ الرّبِّ في أيِّ موقِفٍ صعبٍ هي مفاتيحٌ تُساعدُنا لا على عبورِ الوادي فحَسْبُ بل عبورِهِ مُنتَصرينِ، أي إحداثِ تغييرٍ في حياةِ الكثيرٍ مِنَ الّذينَ لا يزالونَ نائِحينَ في ذلك الوادي، أيِ الّذينَ يمرّونَ بنفسِ تجرِبَتِنا ولكِن بلا رجاءٍ أو سلامٍ، إذ أنَّ شهاداتِ المنتصرينَ على الخوفِ مِن قبولِ المسيحِ واضطهادِ المقرّبينَ والمنتَصِرينَ على الأمراضِ المستعصيَةِ باتَت سببَ تَعزِيَةٍ وتشجيعٍ للكثيرينَ.

أعرِفُ امرأةً انتصرَت على مرَضٍ عُضالٍ قبلَ أكثرَ مِن عشرِ سَنواتٍ، بل وساهم العِلاجُ الكيماوِيُّ بشفائِها مِن أمراضٍ جانبيَّةٍ،. انتصارُها كانَ بالايمانِ الرّاسِخِ. فكانت سببَ برَكَةٍ لكُلِّ مَن يُعاني من هذا المرَضِ، ولكنّها بعدَ فترَةً أُصيبَت بمرَضٍ خَطيرٍ قادَها للشّلَلِ، ولكِنّي في كُلِّ مَرَّةٍ ألتقيها أجِدُ فيها العُنفُوانَ والثِّقَةَ الرّاسخَةَ بالشِّفاءِ والانتِصارِ على المرَضِ.

وهي تصَلّي باستمرارٍ. أرشدَهُمُ اللهُ إلى طبيبٍ يُعالِجُ هذا المرضَ بتقنِيَّاتٍ حديثَةٍ ولكنّها لا تزالُ تحتَ التّجرِبَةِ، ولكنَّها سافَرَت وحَصلَت على ذلكَ العِلاجِ وابتَدَأَ جسدُها يتعامَلُ معَه إيجابيا وباتَ تحسُّنُ صِحَّتِها يَسيرُ بشكلٍ سريعٍ.

ما الذي يُقلِقُكَ في هذا اليومِ؟ يجيبكُ عن هذا الموضوعِ بولسُ الرسولُ قائلا: "مَنْ سَيَفْصِلُنَا عَنْ مَحَبَّةِ الْمَسِيحِ؟ أَشِدَّةٌ أَمْ ضِيْقٌ أَمِ اضْطِهَادٌ أَمْ جُوعٌ أَمْ عُرْيٌ أَمْ خَطَرٌ أَمْ سَيْفٌ؟ كَمَا هُوَ مَكْتُوبٌ «إِنَّنَا مِنْ أَجْلِكَ نُمَاتُ كُلَّ النَّهَارِ. قَدْ حُسِبْنَا مِثْلَ غَنَمٍ لِلذَّبْحِ». وَلَكِنَّنَا فِي هَذِهِ جَمِيعِهَا يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بِالَّذِي أَحَبَّنَا. فَإِنِّي مُتَيَقِّنٌ أَنَّهُ لاَ مَوْتَ وَلاَ حَيَاةَ وَلاَ مَلاَئِكَةَ وَلاَ رُؤَسَاءَ وَلاَ قُوَّاتِ وَلاَ أُمُورَ حَاضِرَةً وَلاَ مُسْتَقْبَلَةً وَلاَ عُلْوَ وَلاَ عُمْقَ وَلاَ خَلِيقَةَ أُخْرَى تَقْدِرُ أَنْ تَفْصِلَنَا عَنْ مَحَبَّةِ اللهِ الَّتِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ رَبِّنَا". رومية ٨: ٣٥-٣٩.

أصَلّي أن يكونَ تأمُّلُنا سببَ برَكَةٍ لحياتِكَ وحياةِ الكثيرينَ. ودُمتُم في أمجادِ الملكوتِ.