Hits: 594
The-comfort-of-christ-arabic-christian-articles-3

ما أحوجَنَا لِراحَةِ المسيحِ في عالَمِ اليومِ المُضطَرِبِ، ليسَ فقط بالحُروبِ والنِّزاعاتِ العالميَّةِ بل حتى في تفاصيلِ حياتِنا اليوميةِ التي باتَت مليئَةً بالقلَقِ والخوفِ، القلقُ على الأولادِ مِن شرورِ العالَمِ، بل إنَّ بعضَهُم قد باتَ نسقُ حياتِهِم مليئاً بالخوفِ مِن أمورٍ متنوّعَةٍ كالخوفِ مِن رُكوبِ الطّائرَةِ، الخوفِ مِن قيادَةِ السّيارةِ في الطُّرُقِ السّريعَةِ، والكثيرِ منَ الأمورِ التي تُقلِقُ حياتَنا بشكلٍ يومِيٍّ.

اليومَ كان عليَّ الذَّهابُ بمهمّةٍ إنسانيّةٍ، وكانَ مطلوباً مني الحضورُ في ساعَةٍ معينَةٍ. في الليلَةِ السّابقَةِ للموعِدِ، اتّصلَ بي أحدُ الأشخاصِ طالباً خِدمَةً أخرى، فتمّ الاتفاقُ على لقائِهِ قُبَيلَ موعدِي الآخَرِ، ولكنّه لأسبابٍ خاصّةٍ تأخّرَ في مجيئِه وباتَ الموعِدُ الآخَرُ يقترِبُ، فابتدَأ القلَقُ يراوِدُني والرغبَةُ بالاتصالِ به بينَ الحينِ والآخَرِ لمعرِفَةِ موعِدِ مجيئِهِ، ولكني قررتُ وضْعَ ثقتِي التّامّةِ بالربِّ وأنَّ كلَّ شيءٍ سيكونُ على ما يُرامُ، وعدمَ الاتصالِ وإزعاجِ ذلكَ الشّخصِ. الموقفُ ليسَ سَهلاً ولكِنْ ما أنْ صلّيتُ ووضعتُ كلَّ شيءٍ بيدَي القادِرِ على كُلِّ شيءٍ إلّا ومنَحِني سَلاماً جَعَلَني مُطمَئِنًّا، وفعلا تمَّ كلُّ شيءٍ بحسَبِ الذي آمَنتُ بِهِ.

لماذا الراحَةُ مميّزَةٌ في المسيحِ؟ لقَد أظهَرَ المسيحُ لنا محبَّتَهُ الفائقَةَ الوصفِ، أظهَرَها بأقصى طاقَةٍ، إذ وهُوَ على الصّليبِ والجنودَ يقتَرِعونَ على ثِيابِهِ صلّى مِن أجلِهِم غافِرًا لهم جَهالاتِهِم. هذا التصرّفُ يُظهِرُ حجمَ السّلامِ الذي كانَ يملأُ قلبَهُ وهو في هذا الحالِ المأساويِّ. فحينَما أطلُبُ المسيحَ متذكِّرًا أقوالَهُ وأنا في وَسَطِ العاصِفَةِ، فإنّه سيملَأُ قلبي بنفسِ نوعِيَّةِ ذلكَ السّلامِ. إنَّ تأثيرَ ذلك السّلامِ ونتائِجَهُ تعتمدُ اعتمادًا مباشِرًا على قوَّةِ الإيمانِ.

هناك شخصٌ كانَ قائِدَ مِئةٍ في أيّامِ خدمَةِ الربِّ يسوعَ الأرضيَّةِ، هذا الشخصُ لم يحصلْ على راحَةِ المسيحِ فحسبُ بلِ الطّوبى أيضاً، لماذا؟ لأنَّ إيمانَهُ كانَ عالياً جدًّا. لنستَمِعْ لاختبارِ هذا الشَّخصِ.

"وَكَانَ عَبْدٌ لِقَائِدِ مِئَةٍ مَرِيضاً مُشْرِفاً عَلَى الْمَوْتِ وَكَانَ عَزِيزاً عِنْدَهُ. فَلَمَّا سَمِعَ عَنْ يَسُوعَ أَرْسَلَ إِلَيْهِ شُيُوخَ الْيَهُودِ يَسْأَلُهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَشْفِيَ عَبْدَهُ. فَلَمَّا جَاءُوا إِلَى يَسُوعَ طَلَبُوا إِلَيْهِ بِاجْتِهَادٍ قَائِلِينَ: «إِنَّهُ مُسْتَحِقٌّ أَنْ يُفْعَلَ لَهُ هَذَا لأَنَّهُ يُحِبُّ أُمَّتَنَا وَهُوَ بَنَى لَنَا الْمَجْمَعَ». فَذَهَبَ يَسُوعُ مَعَهُمْ. وَإِذْ كَانَ غَيْرَ بَعِيدٍ عَنِ الْبَيْتِ أَرْسَلَ إِلَيْهِ قَائِدُ الْمِئَةِ أَصْدِقَاءَ يَقُولُ لَهُ: «يَا سَيِّدُ لاَ تَتْعَبْ. لأَنِّي لَسْتُ مُسْتَحِقّاً أَنْ تَدْخُلَ تَحْتَ سَقْفِي. لِذَلِكَ لَمْ أَحْسِبْ نَفْسِي أَهْلاً أَنْ آتِيَ إِلَيْكَ. لَكِنْ قُلْ كَلِمَةً فَيَبْرَأَ غُلاَمِي. لأَنِّي أَنَا أَيْضاً إِنْسَانٌ مُرَتَّبٌ تَحْتَ سُلْطَانٍ لِي جُنْدٌ تَحْتَ يَدِي. وَأَقُولُ لِهَذَا: اذْهَبْ فَيَذْهَبُ وَلِآخَرَ: ائْتِ فَيَأْتِي وَلِعَبْدِي: افْعَلْ هَذَا فَيَفْعَلُ». وَلَمَّا سَمِعَ يَسُوعُ هَذَا تَعَجَّبَ مِنْهُ وَالْتَفَتَ إِلَى الْجَمْعِ الَّذِي يَتْبَعُهُ وَقَالَ: «أَقُولُ لَكُمْ: لَمْ أَجِدْ وَلاَ فِي إِسْرَائِيلَ إِيمَاناً بِمِقْدَارِ هَذَا». وَرَجَعَ الْمُرْسَلُونَ إِلَى الْبَيْتِ فَوَجَدُوا الْعَبْدَ الْمَرِيضَ قَدْ صَحَّ. لوقا ٧: ٢-١٠

ما الّذي أدركَهُ قائِدُ المِئَةِ؟ أدركَ أنّهُ مُقبِلٌ على ملاقاةِ ملِكِ المُلوكِ وربِّ الأربابِ بينما الشعبُ كان مُرتَبِكاً بهُوِيَّةِ المَسيحِ، شَعَر بسُلطانِ المسيحِ المُطلَقِ بينما الشعبُ كان متحيراً بمصدَرِ سلطانِهِ، مِن هنا لم يَحسِبْ نفسَهُ أهلاً لامتيازِ مَجِيءِ المسيحِ إليه بل نَطَق بما يَجولُ في قلبِهِ مُعلِنًا إيماناً عاليَ الْجَودَةِ. هل تتعثّرُ عزيزي المسيحِيَّ بقوّةِ وسُلطانِ المسيحِ؟ أينَ يميلُ ميزانُ إيمانِكَ؟ بالقوّةِ الأرضيَّةِ أم قوّةِ المَلَكوتِ؟ لو كنتَ مكانَ قائِدِ المئةِ هل كنتَ ستبحَثُ عن طبيبِ مميَّزٍ أم تطلبُ راحَةَ المسيحِ؟

الدخولُ لراحَةِ المسيحِ تأتي حينَما نقرأُ وصايا الربِّ، نفهمُها ونقرّرُ تطبيقَها على حياتِنا. إذاً مطلوبٌ رغبةٌ صادقةٌ باختبارِ هذِهِ الرّاحةِ. كيف يتِمُّ الموضوعُ عمليّاً؟ الغالبيةُ الساحقةُ تفكّرُ بالتوجّهِ للربِّ في وقتَ الشّدّةِ فحينَما يقرَأونَ الانجيلَ المقدّسَ وهم يطلُبونَ تعزيَةَ الرّبِّ مِن خلالِ كلمَتِهِ، فإنَّ الربَّ سيتجاوَبُ معَهُم ويمنحُهُم تلكَ التّعزيَةَ التي تُدخِلُهُم إلى راحتِهِ فيَغمُرُهُمُ الشّعورُ بسلامِهِ العَجيبِ.

هذا الشّعورُ في أغلبِ الأحيانِ يُحدِثُ رغبَةً صادقَةً لمعرفَةِ وصايا الربِّ كونِها مليئَةً بالتّعزياتِ المشجِّعَةِ، فالذي يوفّرُ القلبَ المؤمِنَ سيشعرُ بالراحَةِ بشكلٍ أعمقَ. للحِفاظِ على استمرارِيَّةِ الإيمانِ علينا بالتركيزِ على الربِّ مِن خلالِ تذَكُّرِ تعاملاتِهِ السابقَةِ مَعنا، مِن خلالِ اللّهجِ اليومِيِّ بكلمَةِ الإنجيلِ المقدّسِ بحيثُ تكونُ الكلمَةُ في فِكرِنا باستمرارٍ، كما أنَّ الإيمانَ يتعزّزُ حينَما نُدركُ أنَّ اللهَ لا يتغيّرُ، أي محبّتُهُ ثابتَةٌ تُجاهَنا.

هناكَ شخصٌ قرّرَ الدّخولَ لراحَةِ المَسيحِ على النّطاقِ المالِيِّ إذ كانَ لديهِ عملٌ خاصٌّ، وواقِعُ الحالِ كانَ يُقلِقُهُ بينَ الحينِ والآخَرِ مِن جهَةِ انخِفاضِ المَدخولِ. فقَرَأ إنجيلَ متّى وركّزَ على قولِ الربّ في النّصِّ الآتي:

«لاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْدِمَ سَيِّدَيْنِ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يُبْغِضَ الْوَاحِدَ وَيُحِبَّ الآخَرَ أَوْ يُلاَزِمَ الْوَاحِدَ وَيَحْتَقِرَ الآخَرَ. لاَ تَقْدِرُونَ أَنْ تَخْدِمُوا اللَّهَ وَالْمَالَ. لِذَلِكَ أَقُولُ لَكُمْ: لاَ تَهْتَمُّوا لِحَيَاتِكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَبِمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ لأَجْسَادِكُمْ بِمَا تَلْبَسُونَ. أَلَيْسَتِ الْحَيَاةُ أَفْضَلَ مِنَ الطَّعَامِ وَالْجَسَدُ أَفْضَلَ مِنَ اللِّبَاسِ؟ اُنْظُرُوا إِلَى طُيُورِ السَّمَاءِ: إِنَّهَا لاَ تَزْرَعُ وَلاَ تَحْصُدُ وَلاَ تَجْمَعُ إِلَى مَخَازِنَ وَأَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ يَقُوتُهَا. أَلَسْتُمْ أَنْتُمْ بِالْحَرِيِّ أَفْضَلَ مِنْهَا؟ وَمَنْ مِنْكُمْ إِذَا اهْتَمَّ يَقْدِرُ أَنْ يَزِيدَ عَلَى قَامَتِهِ ذِرَاعاً وَاحِدَةً؟ وَلِمَاذَا تَهْتَمُّونَ بِاللِّبَاسِ؟ تَأَمَّلُوا زَنَابِقَ الْحَقْلِ كَيْفَ تَنْمُو! لاَ تَتْعَبُ وَلاَ تَغْزِلُ. وَلَكِنْ أَقُولُ لَكُمْ إِنَّهُ وَلاَ سُلَيْمَانُ فِي كُلِّ مَجْدِهِ كَانَ يَلْبَسُ كَوَاحِدَةٍ مِنْهَا. فَإِنْ كَانَ عُشْبُ الْحَقْلِ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ وَيُطْرَحُ غَداً فِي التَّنُّورِ يُلْبِسُهُ اللَّهُ هَكَذَا أَفَلَيْسَ بِالْحَرِيِّ جِدّاً يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ فَلاَ تَهْتَمُّوا قَائِلِينَ: مَاذَا نَأْكُلُ أَوْ مَاذَا نَشْرَبُ أَوْ مَاذَا نَلْبَسُ؟ فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا الأُمَمُ. لأَنَّ أَبَاكُمُ السَّمَاوِيَّ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ كُلِّهَا. لَكِنِ اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللَّهِ وَبِرَّهُ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي اليَوْمَ شَرُّهُ. متى ٦: ٢٤-٣٤

بعد أن ركّزَ، قامَ بتوليدِ إيمانٍ جعلَهُ يُلقي رِزقَهُ عندَ قدَمَي الربِّ ولم يعُد يفكِّرُ فيهِ بل يتذكّرُ على الدّوامِ قولَ الربّ الواردِ في هذا النصِّ. اَلّذي يختبِرُ راحَةَ المسيحِ ويعيشُها فإنّه لن يستطيعَ السّكوتَ، بل سيقرّرُ تكثيفَ قراءَتِهِ للتّعرّفِ على واجباتِهِ في تلك الراحَةِ وهي حَملُ نيرِ المسيحِ: "اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ.. متى ١١: ٢٩" كونُهُ باتَ يعيشُ حقوقَ تلكَ الرّاحَةِ، فإنّهُ سيشعُرُ بالرّغبَةِ بردِّ الْجَميلِ.

يحتاجُ بعضُ الناسِ لتدخُّلٍ إلهِيٍّ وصلاةِ القِدّيسينَ كي يدخُلُوا راحَةً من نَوعٍ معيَّنٍ، هذا الشيءُ اختبَرَهُ خادِمُ اليشَعَ النّبيِّ في النّص الآتي:

فَبَكَّرَ خَادِمُ رَجُلِ اللَّهِ وَقَامَ وَخَرَجَ وَإِذَا جَيْشٌ مُحِيطٌ بِالْمَدِينَةِ وَخَيْلٌ وَمَرْكَبَاتٌ. فَقَالَ غُلاَمُهُ لَهُ: [آهِ يَا سَيِّدِي! كَيْفَ نَعْمَلُ؟] فَقَالَ: [لاَ تَخَفْ، لأَنَّ الَّذِينَ مَعَنَا أَكْثَرُ مِنَ الَّذِينَ مَعَهُمْ]. وَصَلَّى أَلِيشَعُ وَقَالَ: [يَا رَبُّ، افْتَحْ عَيْنَيْهِ فَيُبْصِرَ]. فَفَتَحَ الرَّبُّ عَيْنَيِ الْغُلاَمِ فَأَبْصَرَ، وَإِذَا الْجَبَلُ مَمْلُوءٌ خَيْلاً وَمَرْكَبَاتِ نَارٍ حَوْلَ أَلِيشَعَ. ٢ ملوك ٦: ١٥-١٧

ما هو الفرقُ بين الحُصولِ على الراحَةِ بإيمانِنا الشّخصِيِّ وبينَ حُصولِنا عليها مِن خِلالِ مُعجِزَةٍ؟ إنَّ راحَةَ الإيمانِ تمتَدُّ معنا وتُثمِرُ للحياةِ الأبديّةِ، ولكِنَّ الذي يحصَلُ على شيءٍ جاهِزٍ في أغلبِ الأحيانِ يكونُ وقتيًّا، لأنَّ الأيمانَ الراسِخَ غيرُ مُتوفِّرٍ، فنلاحِظُ غَضبَ اللهِ لاحقاً على خادِمِ اليشَعَ مقارَنَةً مع إعجابِهِ بقائِدِ المِئةِ والمرأةِ الكنعانيةِ.

ونحنُ نعيشُ في عالَمٍ باتَ خَطَرًا على أولادِنا، ليسَ على نطاقِ الْجِنسِ والمخدّراتِ فحسبُ، بل على النّطاقِ الرّوحِيِّ أيضاً، إذ باتَ العالَمُ مليئاً بالتّعاليمِ التي قد تبدو صحيحَةً، ولكنَّ أغلَبَها منقادَةٌ بروحِ ضِدِّ المَسيحِ. كيفَ نحصَلُ على راحَةِ المسيحِ في هذا النّطاقِ كأهلٍ؟ حينَما نُصَلّي لهم بِانفِرادٍ مِن جِهَةٍ ومُتّحِدينَ معَ قِدّيسي أورشليمَ المُنتَصِرَةِ مِن جهَةٍ أخرى، بأن نكونَ قُدوَةً في طلبِ اللهِ مِن كلِّ القلبِ والانقيادِ بروحِهِ القُدّوسِ وأن نَعكِسَ محبَّتَهُ للآخَرينَ.

أمّا في نِطاقِ خدمَةِ الربِّ فنحنُ بحاجةٍ لراحةِ المسيحِ في إيصالِنا إلى مكانِ دعوَتِنا، لأنَّ حربَ إبليسَ ستكونُ شعواءَ لمنعِ وُصولِنا لذلكَ الهدَفِ النّبيلِ. مارِ أفرامَ السّريانِي اختبَرَ راحةَ الربِّ حينَما كانَ إبليسُ يتطاولُ عليهِ بالإغراءاتِ الْجِنسيّةِ، نفسُ التّطاوُلِ الذي شنّهُ على يوسفَ ابنِ يعقوبَ، ولكنّهُما كلاهما عاشا راحةَ المسيحِ مِن خلالِ تركيزِهما على الربِّ ووضعِ الإغراءاتِ الوقتيّةِ بكفَّةٍ، والأمجادِ الأبديّةِ في الكفّةِ الأخرى للميزانِ فنجحَا نجاحاً باهراً في تلك الاختباراتِ.

حينما تهجَّرَ مسيحيّو الموصِلِ وسهلِ نينَوى، قمتُ بزيارَةٍ للعوائلِ المُهجَّرَةِ التي كانت تسكنُ الخيَمَ والمنازل المتنقِّلَةِ. أثناءَ حديثي مع احَدِ المُهَجَّرينَ الذي فقدَ منزلَهُ الفخمَ، سألتُه، هل تستطيعُ الغُفرانَ للعدُوِّ، فقال نعم أنا أغفِرُ لهُم ... فانذهلتُ مِن عفَوِيَّتِهِ وسألتُ نفسي، هل هذا العمَلُ سهلٌ؟ بالتأكيد كلا، ولكنّه يحتاجُ لنمُوٍّ روحِيٍّ عالِي الْجَودَةِ، ذلكَ النمُوِّ الذي يحصلُ مِن خِلالِ التّمارينِ الحياتيّةِ اليوميّةِ التي يضَعُها اللهُ في حياتِنا فتساعدُنا على النمُوِّ إنْ تعامَلْنا معَها بشكلٍ إيجابِيٍّ. هل تستطيع غفرانَ إساءاتِ زميلِكَ في العمَلِ؟ هل تستطيعينَ غفرانَ إساءَةِ حماتِكِ؟ إن كانَ الجوابُ كلا فأرجو منكُمُ التّمَعُّنَ في كلِّ كلمَةٍ وأنتُم تُصَلّونَ الصّلاةَ الربّانيَّةَ، حينَها ستعلَمونَ خطورَةَ عدَمِ الغُفرانِ.

كونُ إبليسَ يرغَبُ بتقليدِ اللهِ بِاستمرارٍ فإنّهُ يُعطي أتباعَهُ راحَةً سمّاها الكتابُ "راحةَ الْجُهَّالِ" تلكَ الراحَةُ التي تقودُ للهدمِ والدّمارِ على كافّةِ الأصعدَةِ، كونِها مبنيّةً على تعميقِ الْجَهْلِ. فهو لا يَرغَبُ لأتباعِهِ فهمَ وتحليلَ كلامِهِ لغرَضِ التّطبيقِ، بل حِفظَهُ وتطبيقَهُ بروحِ الْجَهلِ لتقودَهُم معَهُ للهاويَةِ؛ إذ يُخبِرُنا كاتِبُ سِفرِ الأمثالِ، "لأَنَّهُمْ أَبْغَضُوا الْعِلْمَ وَلَمْ يَخْتَارُوا مَخَافَةَ الرَّبِّ. لَمْ يَرْضُوا مَشُورَتِي. رَذَلُوا كُلَّ تَوْبِيخِي. فَلِذَلِكَ يَأْكُلُونَ مِنْ ثَمَرِ طَرِيقِهِمْ وَيَشْبَعُونَ مِنْ مُؤَامَرَاتِهِمْ. لأَنَّ ارْتِدَادَ الْحَمْقَى يَقْتُلُهُمْ وَرَاحَةَ الْجُهَّالِ تُبِيدُهُمْ. أَمَّا الْمُسْتَمِعُ لِي فَيَسْكُنُ آمِناً وَيَسْتَرِيحُ مِنْ خَوْفِ الشَّرِّ". أمثال ١: ٢٩-٣٣

الذي يُزعِجُ تلكَ الراحَةَ ليسَ بالضرورَةِ إبليسُ، بل إنسانُنا القديمُ ومُتراكِماتُ الماضِي. مِن هنا دعانا الإنجيلُ المقدّسُ للامتدادِ للأمامِ وعدَمِ النّظَرِ للوراءِ، وأن نتغيَّرَ لصورَةِ المسيحِ بشكلٍ يومِيٍّ طارحينَ الخوفَ والحسَدَ والخِصامَ وكلَّ ما يُثقِلُ أرواحَنا كي نمتلِئَ أكثرَ بروحِ اللهِ القُدّوسِ التي ستجعلُنا نحلِّقُ كالنُّسورِ على النّطاقِ الرّوحِيِّ.

المرتاحُ في المسيحِ سيجِدُ اللهَ مرتاحاً في هيكَلِ جسدِهِ، كونِهِ باتَ هيكلاً ينمو نحوَ قداسَةِ الربِّ، وحينَما يكونُ اللهُ مرتاحاً فالمُعجزاتُ ستتبعُ ذلكَ الإنسانَ. اللهُ الآبُ كانَ مرتاحاً جدّاً في المسيحِ الإنسانِ، فَلْنَسعَ باجتهادٍ لجعلِ اللهِ مرتاحاً في هياكِلِنا مِن خلالِ سرعةِ التغَيُّرِ لصورَةِ المسيحِ، فيكونُ لنا الطّوبى والبركاتُ على كافّةِ الأصعِدَةِ.

أصلّي أن يكونَ تأمُّلُنا سببَ بركةٍ لحياتِكُم ودمتُم في أمجادِ الملكوتِ.