الثقةُ الغيرُ المتزعزِعَةُ - بقلم: ليث مقادسي
إيمانُنا وعلاقَتُنا بالربِّ تكونُ مَحفوفَةً بالمخاوِفِ التي يَضَعُها إبليسُ في أفكارِنا، نقرَأ عن أيّوبَ إنَّهُ كانَ مَرعوبًا وهو يعيشُ حياةَ الرّخاءِ كونُهُ قد تَبنَّى فِكرَةَ زوالِ تِلكَ البَركاتِ في أيِّ وقتٍ، فنلاحِظُ ذلكَ الخوفَ قَدِ انْعَكَسَ على تَعامُلِه مع تجَمُّعاتِ أولادِهِ حيثُ كان بعدَ انْتهاءِ تلكَ الولائِمِ أنَّهُ يُسرِعُ لتقديسِهِم ويُبْكِرُ في الغَدِ ليُصعِدَ مُحرَقاتٍ على عَدَدِهِم كُلِّهِمْ. لأنَّ أيّوبَ كانَ يقولُ ربما أخطأَ بَنِيَّ وجَدَّفُوا على اللهِ في قلوبِهِم. هكذا كان أيّوبُ يفعَلُ كلَّ الأيامْ.
حينما كنتُ في المرحَلَةِ الجامِعِيَّة، كانتِ الدّراسَةُ صَعبَةً نِسبِيًّا، وحيثُ أنَّ نسبَةَ الفَشلِ عندَ باقي الطَّلَبَةِ عاليَةٌ نِسبِيًّا, فكانَ يَنتابُني شعورٌ مُتواصِلٌ بِأنّني سأفشلُ مثلَهُم، هذا الشعورُ يتزايدُ أيامَ الامتحاناتِ فيصيبُ كياني بالقلقِ والتّوتُّرِ فينعكسُ على عَطائِي في الامتِحانِ, سببُ فشَلِ بعضِهِم هو تَبَنّيهِم لأفكارِ الفَشَلِ مِن دونِ مُواجَهَةٍ. السيدُ المسيحُ بيَّنَ لنا بِأنَّ اليومَ الذي نعيشُهُ مَليءٌ بالشرورِ حينَ قال: "فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي ايَوْمَ شَرُّهُ" متى ٦: ٣٤,أي أنَّ مواجَهَةَ الشّرورِ بِشَكلٍ يَومِيٍّ هو شَيءٌ طبيعِيٌّ كونُنا نعيشُ في مملكَةِ إبليسَ, ولكنَّ السؤالَ "ما هو ردُّ فِعلِنا تُجاهَ تلكَ الشّرورِ؟"
نقرأُ في سِفرِ القُضاةِ الأصحاحِ الرابعِ عنِ امرَأَةٍ قاضِيَةٍ اسْمُهُا دَبّورةُ أعلَنَ لها اللهُ بأنّهُ سيصنَعُ خلاصًا للشّعبِ العِبرانِي من يَدِ مُضايِقِيهِم. فأرسلَتْ لشَخصٍ يُدعى باراقَ بأنْ يجمَعَ عَشَرَةَ آلافِ شَخصٍ ويصَعَدَ للقاءِ جيشِ العدُوِّ فَيَنصُرْهُمُ الربُّ. باراقُ كانَ مؤمِنًا بالربِّ ولكنَّ ثِقَتَهُ بالنّصرِ كانتْ مُتَزَعزِعَةً، فاشْتَرَطَ أن تُرافِقَهُ دَبّورَةُ لتلكَ المعرَكَةِ كي يَشعُرَ بالاطمئنانِ، دَبّورةُ كانت رَمزًا للسّيدِ المسيحِ في تِلكَ الحُقبَةِ الزّمَنِيّةِ وَمُرافَقَتُها لباراقَ كانَ له تأثيرًا إيجابِيًّا على أجواءِ المعركَةِ فَحَصَلُوا على وَعدِ الرّبِّ.
الخوفُ هو الحافِزُ الرّئيسيُّ لِتَزَعزُعِ الثّقَةِ، يَتَوَلَّدُ حينَما نَتَبَنَّى أفكارَ إبليسَ ونجعَلُها تتجَذَّرُ في كِيانِنا. فأيّوبُ لم يَتَّخِذْ إجراءً حاسِمًا لاقْتِلاعِ تلكَ الوَسوَساتِ بَل حاوَلَ التَّعايُشَ مَعَها. كانَ مُهتَمًّا لِتَقديسِ الْجَسَدِ وليسَ الرّوحِ بينَما اللهُ حثَّ الشّعبَ العِبرانِيَّ على التَّخلُّصِ مِن كُلِّ الأقوامِ التي كانتْ تَسكُنُ أرضَ الموعِدِ كي لا يتأثَّرُوا بِعباداتِهِمِ الوَثَنِيَّةِ. لذلك لا مجالَ للتّعايُشِ معَ أفكارِ الفَشَلِ التي يُوسوِسُ بها إبليسُ على طولِ الخَطِّ، بل اقْتِلاعِها مِنَ الجَذرِ.
نقرأُ عن داودَ الملِكِ بأنّهُ نامَ واضْطَجَعَ بِسَلامٍ في البَرِّيَّةِ على الرَّغمِ مِن مُطارَدَةِ أعدائِهِ، ليسَ هذا فحسبُ بل إبليسُ كانَ ساعِيًا بكُلِّ جَهدِهِ لِتَحطيمِهِ على النّطاقِ النّفسِيّ، فكانَ يُوسوِسُ لَهُ: "لَيسَ لكَ خَلاصٌ بإلَهِكَ" وَلَكِنَّ الْجَميلَ أنَّ داوُدَ لَم يَدَعْ أفكارَ إبليسَ تَتَجَذَّرُ في كِيانِهِ بَل كانَ يَقتَلِعُها بِقَولِهِ: "أَمَّا أَنْتَ يَا رَبُّ فَتُرْسٌ لِي. مَجْدِي وَرَافِعُ رَأْسِي. بِصَوْتِي إِلَى الرَّبِّ أَصْرُخُ فَيُجِيبُنِي مِنْ جَبَلِ قُدْسِهِ. سِلاَهْ. أَنَا اضْطَجَعْتُ وَنِمْتُ. اسْتَيْقَظْتُ لأَنَّ الرَّبَّ يَعْضُدُنِي. لاَ أَخَافُ مِنْ رَبَوَاتِ الشُّعُوبِ الْمُصْطَفِّينَ عَلَيَّ مِنْ حَوْلِي. قُمْ يَا رَبُّ. خَلِّصْنِي يَا إِلَهِي. لأَنَّكَ ضَرَبْتَ كُلَّ أَعْدَائِي عَلَى الْفَكِّ. هَشَّمْتَ أَسْنَانَ الأَشْرَارِ. لِلرَّبِّ الْخَلاَصُ. عَلَى شَعْبِكَ بَرَكَتُكَ. " مزمور ٣ ,لذلكَ، التّسبيحُ والتَّرنيمُ وتمجيدُ الرّبِّ وإعلانُ نُصرَتِنا بِهِ هو سلاحُنا لإسكاتِ صوتِ العَدُوِّ.
ما الذي كنتُ أفعلُهُ في المرحلَةِ الْجَامِعِيَّةِ وأنا أتَعَرَّضُ لِهَجَماتِ إبليسَ أوقاتَ الامتِحاناتِ؟ كنتُ أعلِنُ النُّصرَةَ أيْ أنطُقُ بِها، لا أكتَفي بالتّفكيرِ بِنَجاحِيَ بَلِ النُّطقِ بِهِ لِيَخرَسَ صوتُ إبليسَ، فَلَم أفشَلْ وَلا مَرَّةً. بل في أوقاتٍ كان أمامي تحدِّيُ التّفَوُّقِ والحُصولُ على المرتَبَةِ الأولى، فاسْتَخدَمْتُ نَفسَ الثِّقَةِ بِالرَّبِّ وحصلتُ على تلكَ المرتَبَةِ في المرّتَينِ اللَّتَينِ احْتَجتُها بِها.
الثقةُ مُرتَبِطَةٌ بالشَّجاعَةِ، والرّبُّ يَتَشَدَّدُ مع أبطالِ الإيمانِ كَدَبَّورَةَ التي كانَتْ مُدرِكَةً لمركزِها بالرّبِّ فَوضَعَتِ العَدُوَّ في كَفَّةٍ والربَّ في الكفّةِ الأخرَى فساعَدَتْها شَجاعَتُها على اخْتِيارِ كَفَّةِ الرّبِّ لِتُعطِيَ مثالًا لكُلِّ امْرَأَةٍ بِأنَّ مَركزَها بالرّبِّ لا يَختَلِفُ عن الرّجُلِ بل هي قادِرَةٌ على إعانَةِ ضَعفِ الرّجالِ أحيانًا والِانْتِصارِ على قادَةٍ عسكَرِيّينَ مُتَمَرِّسينَ كَسيسرا قائِدِ جَيشِ كَنعانَ.
ما هي علاقة الثقة بالنمُوُّ اليَومِيُّ بالكَلِمَةِ؟
كثيرًا ما نَتَحَدَّثُ عَن قِراءَةِ الكتابِ المقدَّسِ، ولكنَّ القراءَةَ بصورَةٍ عامّةٍ مُرتَبِطَةٌ بالشّوقِ لِعِنوانِ الكتابِ. فالّذي يُحِبُّ اللاهوتَ الدّفاعِيِّ نلاحِظُهُ يَصرِفُ أوقاتًا طويلَةً بالقِراءَةِ عَنِ الأديانِ الأخرَى ويكونُ مُتَلَهِّفًا لقِراءَةِ المزيدِ، كذلكُ هُوَ الحالُ معَ الذينَ يُحِبّونَ قِراءَةَ القِصَصِ فَنُلاحِظُهُم يَستَثمِرونَ حتّى وقتَ التّنَقُّلِ في وَسائِطِ النّقلِ في القراءَةِ، أنا شَخصِيًّا لَدَيَّ الشَّوقُ للقِراءَةِ في اللاهوتِ الدّفاعِيِّ والكِتابِ المقدَّسِ، فتمكَّنتُ مِنَ القِراءَةِ في كُتُبِ الأديانِ الرّئيسِيَّةِ وَبَعضِ الطّوائِفِ النَّشِطَةِ..
اهتمامِي بالقِراءَةِ عَنِ الأديانِ والطّوائِفِ أعطاني ثِقَةً وَاطْمِئنانًا عن مَسيرَتي الرّوحِيَّةِ، فكنتُ دائِمَ المقارَنَةِ مع ما أؤمِنُ بِهِ فكُنتُ في أوقاتٍ أتَجَرَّدُ عنِ انْتِمائِيَ الدّينِيِّ وأكونُ مُنفَتِحًا لقُبولِ أيِّ مُعتَقَدٍ جَديدٍ, إنْ كانَ سَيُقَدِّمُ لي شيئًا إمّا جديدًا أو مُستواهُ أعلى مِنَ الّذِي أؤمِنُ بِهِ، فساهَمَ هذا التّوَجُّهُ بِتَعزيزِ ثِقَتِي التّامَّةِ لِعَلاقَتِي مَعَ الرّبِّ كونُهُ كانَ يُرشِدُني وأنا أقرَأُ.
يُخبِرُنا الرّبُّ بِفَمِ إشعياءَ النّبِيِّ "10لأَنَّهُ كَمَا يَنْزِلُ الْمَطَرُ وَالثَّلْجُ مِنَ السَّمَاءِ وَلاَ يَرْجِعَانِ إِلَى هُنَاكَ بَلْ يُرْوِيَانِ الأَرْضَ وَيَجْعَلاَنِهَا تَلِدُ وَتُنْبِتُ وَتُعْطِي زَرْعاً لِلزَّارِعِ وَخُبْزاً لِلآكِلِ 11هَكَذَا تَكُونُ كَلِمَتِي الَّتِي تَخْرُجُ مِنْ فَمِي. لاَ تَرْجِعُ إِلَيَّ فَارِغَةً بَلْ تَعْمَلُ مَا سُرِرْتُ بِهِ وَتَنْجَحُ فِي مَا أَرْسَلْتُهَا لَهُ" إشعياء ٥٥. حينما كنتُ أستَمِعُ للكتابِ المُقَدَّسِ في مكانِ العَمَلِ أوقاتَ الرّاحَةِ سَأَلَني اَحَدُ زُمَلائِيَ عَنِ الّذِي أستَمِعُ لَهُ، فقلتُ لهُ "الكتابُ المقدّسُ"، فتعَجَّبَ وأظهَرَ أشواقًا للاستِماعِ، فساعَدتُهُ باِلحُصولِ على الأجهِزَةِ اللّازِمَةِ. بعدَ بِضعِ سنينَ الْتَقَينَا فأخبَرَنِي إنَّ الرّبَّ بارَكَ تِلكَ الخَطوَةَ وَجَعَلَهُ يُدَرِّسُ في مَدرَسَةِ الاحَدِ في الكنيسَةِ التي يَنتَمِي لها فكانَ سببَ بَرَكَةٍ للكَثيرينَ. كيفَ حَصَلَ هَذا؟ كونُ ثِقَتِهِ بِنُمُوِّهِ الرّوحِيِّ قد ازْدادَتْ, فَاسْتَطاعَ أنْ يَخطُوَ تلكَ الخَطوَةَ الْجَريئَةَ.
علاقَتي بالكتابِ المقدّسِ تَمتَدُّ لأيّامِ الطُّفولَةِ ولكِنَّها كانت قراءاتٍ مُبَعثَرَةً وليست بِالتّسلسُلِ، فكانَ لدَيَّ تَصَوُّرٌ جيدٌ عن أحداثِهِ، مُعجِزاتِهِ ونُبوءاتِهِ، ولكنَّ ثِقَتِي لم تَكُنْ كامِلَةً فيما يَخُصُّ خَلاصِي، الكثيرَ مِنَ الأحداثِ ولاهوتَ السّيدِ المسيحِ، ولكِنْ ما إنْ قَرَأتُهُ بِتَسَلسُلٍ أيِ ابتِداءً مِن سِفرِ التّكوينِ وانْتِهاءً بِسِفرِ الرُّؤيَةِ إلّا وامْتَلَأَتْ كُلُّ تِلكَ الفَراغاتِ وتَعَزَّزَتْ ثِقَتي الكامِلَةِ بِكُلِّ جوانِبِ الإيمانِ.
قراءَتُنا المستفيضَةُ لأحداثِ الكتابِ المقَدَّسِ وبِالتَّحديدِ أبطالِ الإيمانِ، تُعطينا الثِّقَةَ بِتَدخُّلاتِ الرّبِّ في الأوقاتِ الصَّعبَةِ، جِدعونُ كانَ قَد قَرَأَ أو سَمِعَ عَن عجائِبِ الرّبِّ حينما أخرَجَ الشّعبَ العِبرانِيَّ مِن مِصرَ حيث قال لملاكِ الربِّ "إِذَا كَانَ الرَّبُّ مَعَنَا فَلِمَاذَا أَصَابَتْنَا كُلُّ هَذِهِ، وَأَيْنَ كُلُّ عَجَائِبِهِ الَّتِي أَخْبَرَنَا بِهَا آبَاؤُنَا قَائِلِينَ: أَلَمْ يُصْعِدْنَا الرَّبُّ مِنْ مِصْرَ؟" قضاة ٦: ١٣. تلكَ القراءَةُ أوِ الاسْتماعُ شَجَّعَتْهُ فكانَ مُستَعِدًّا لِتَكليفِ الرّبِّ.
أجملُ تعريفٍ يصِفُ بعضَ رِجالِ الكتابِ المقدَّسِ هو أنَّهُم "سارُوا مَعَ الله"، السيّدُ المسيحُ فتحَ لنا بابَ المسيرِ، العملَ والاتحادَ معَ اللهِ الآبِ مِن خلالِ روحِهِ القُدّوسِ، ولكنْ كيفَ يَتِمُّ كلُّ ذلكَ مِن دونِ التّعرّفِ عليهِ؟ مِن هنا قِراءَتُنا للكتابِ المقدّسِ سَتُهَيِّئُ لنا فرصَةَ التّعرّفِ على طُرُقِ تَفكيرِ الرّبِّ فيما يَخُصُّ علاقَتَهُ مَعَنا، ما الذي يحبُّهُ وما الذي يُبغِضُهُ، حينها سنسلُكُ بِحَسَب فِكرِهِ وهذا هو الأساسُ لأيِّ عملٍ روحِيٍّ.
قراءَتُنا يَجِبُ أنْ تَكونَ بِالتَحليلِ العميقِ والغَوصِ بالأعماقِ الرّوحِيّةِ للأحداثِ لكي نكونَ أقوياءَ أمامَ مُحارَباتِ إبليسَ، كونُ الأخيرِ قَد عاشَ أحداثَ الكتابِ وهو قادِرٌ على خِداعِنا مِن خلالِ بعضِ النّصوصِ الكتابِيّةِ إنْ كُنّا ضُعَفاءَ، فنُلاحِظُهُ حاوَلَ إسقاطَ الرّبِّ يَسوعَ مِن قِمَّةِ الْجَبَلِ حينما قال له: " إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللَّهِ فَاطْرَحْ نَفْسَكَ إِلَى أَسْفَلُ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: أَنَّهُ يُوصِي مَلاَئِكَتَهُ بِكَ فَعَلَى أيَادِيهِمْ يَحْمِلُونَكَ لِكَيْ لاَ تَصْدِمَ بِحَجَرٍ رِجْلَكَ" متى ٤: ٦. نلاحِظُهُ هُنا يُشيرُ للمزمورِ الحادي والتسعينَ، في هذهِ الأيامِ باتَ إبليسُ يَبتَكِرُ أمورًا جديدةً فصِرتُ أشاهِدُ مَسيحيينَ قَد وضعُوا صليبًا ترتبِطُ بِه خِرزَةٌ زَرقاءُ في بيوتِهِم لأجلِ طَردِ الحَسَدِ، فيجبُ علينا الحذَرُ الشّديدُ.
التعزِيَةُ تُساعِدُ في تَعزيزِ الثِّقَةِ، فَقِراءَتُنا مَثلًا لسِفرِ المزاميرِ في أوقاتِ الضّيقِ والحَيْرَةِ, يُساهِمُ كثيرًا بِتَعزِيَتِنا من اختِباراتِ داودَ الملِكِ، كما أنَّ القِراءَةَ عَن رَحمَةِ اللهِ ومَحَبَّتِهِ لِبَني البَشَرِ تَمنَحُنا التَّعزِيَةَ حينَما نكونُ قَد تلَوَّثنا بالخَطيئَةِ وباتَ إبليسُ يُوَسوِسُ في عُقولِنا بأَنَّهُ ليسَ لنا خَلاصٌ، كما إنَّ القِراءَةَ عنْ تَعَظُّمِ اللهِ مِن خِلالِ ضَعفِنا تُعَزِّي كُلَّ مَن لديهِ عوَقٌ جَسَدِيٌّ أو فِكريٌّ فيتقوَّى مِن موسَى الذي لَم يُعِقْهُ ثِقَلُ لِسانِهِ مِن إخراجِ شَعبِ اللهِ مِن أرضِ مِصرَ، مِن دَبّورَةَ القاضِيَةِ التي كانت أشجعَ مِنَ الكثيرِ مِنْ رِجالِ عَصرِها وقادَت مَعرَكَةً فانْتَصَرَتْ على جيشٍ مُنتَظَمٍ وقائِدٍ مُتَمَرِّسٍ، لذلك علينا باللَّهجِ بكلامِ الإنجيلِ المقدّسِ، فَهمِهِ ومِن ثَمَّ عَيشِهِ.
كيف تتعزز الثقة من خلال العِشرَةُ الحَميمَةُ معَ الرّبِّ؟
الكثيرُ من البَشَرِ يعلمونَ بعضَ المعلوماتِ عَن وُجودِ خالِقٍ للمَسكونَةِ، ولكِنَّ الغالِبِيَّةَ السّاحِقَةَ تَجهَلُ الكثيرَ عنهُ، نقرأً في سِفرِ أعمالِ الرّسُلِ عَن لِقاءِ بولُسَ الرّسولِ مع الأثينيين: "22فَوَقَفَ بُولُسُ فِي وَسَطِ أَرِيُوسَ بَاغُوسَ وَقَالَ: «أَيُّهَا الرِّجَالُ الأَثِينِيُّونَ أَرَاكُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ كَثِيراً 23لأَنَّنِي بَيْنَمَا كُنْتُ أَجْتَازُ وَأَنْظُرُ إِلَى مَعْبُودَاتِكُمْ وَجَدْتُ أَيْضاً مَذْبَحاً مَكْتُوباً عَلَيْهِ: «لِإِلَهٍ مَجْهُولٍ». فَالَّذِي تَتَّقُونَهُ وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ هَذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ. 24الإِلَهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ هَذَا إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي 25وَلاَ يُخْدَمُ بِأَيَادِي النَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ إِذْ هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً وَكُلَّ شَيْءٍ. 26وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ 27لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً. 28لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً: لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ" أعمال ١٧: ٢٢-٢٨
نلاحِظُ في كلامِ الرّوحِ القُدُسِ بِفَمِ بولُسَ الرّسولِ أنَّ غايَةَ اللهِ هي أنْ يَلتَفِتَ إليهِ الْجَميعُ فَيَتَلَمَّسونَهُ بعدَ أن يَجِدوهُ، أي أن يَتَعَظَّمَ في حياتِهِمْ فَيَقترِبُوا مِنهُ. عَمَلِيًّا يِتِمُّ هذا الموضوعُ حينما نُهَيِّئُ قُلوبَنا لرَفضِ الْخَطيئَةِ, حينها سيمنَحُنا اللهُ قوَّةً مِنَ العَلاءِ لِتُعينَنَا على الاقترابِ منهُ، نشكُرُ الرّبَّ يسوعَ الذي أعطانا الفرصَةَ لِنوالِ هذِهِ الْجَوهَرَةِ الثَّمينَةِ.
لِكونِ مَحبَّةِ اللهِ كاملَةً لكُلِّ إنسانٍ، فالذي يُحَدِّدُ قُوَّةَ الاقترابَ والتّلامُسِ هُوَ قلوبُنُا، حيثُ خَبَّرَنا الرّبُّ يسوعُ: "لأنَّهُ حَيْثُ يَكونُ كَنْزُكَ هُناكَ يَكونُ قَلبُكَ أيضًا" متى ٦: ٢١، لِكَي أعرِفَ مَكانَ الكَنزِ يجبُ أن أبحثَ ذلك البحثَ الذي يجبُ أن يكونَ جادًّا وصادِقًا مع الذاتِ، وما إنْ وَجَدْنا تلكَ الْجَوْهَرَةَ، سيمنَحُنا اللهُ ترقِيَةً روحِيّةً ترفَعُنا مِن مرتَبَةِ العَبيدِ إلى الأولادِ بِالتَّبَنّي، بل ووارِثينَ في الملكوتِ.
هذا المركزُ يُتيحُ لنا الْجُلوسَ على مائِدَةِ الرّبِّ أي أنْ نكونَ مِن أهلِ البيتِ وَلَنا كافَّةُ حُقوقِ وواجباتِ الأولادِ، هذا الشيءُ اخْتَبَرَهُ مَفِيبُوشَثُ ابْنُ يوناثانَ ابْنُ شاوُلَ الذي كان مَتروكًا ومُعاقًا وفَجأَةً اِفتَقَدَهُ داوُدُ الملِكُ فَرَدَّ له كُلَّ حُقولِ جَدِّهِ وجَعَلَهُ يأكُلُ على مائدَةِ الملِكِ يَومِيًّا، مثلُ هكذا شَخصٍ حَصَلَ على تَرقِيَةٍ مُهِمَّةٍ في حَياتِهِ وهي التّلامُسُ والحَديثُ مَعَ الملِكِ مِن خِلالِ عِشرَةٍ حَميمةٍ يَومِيَّةٍ وهُم يتناولونَ الطّعامَ.
مسرّةُ الربِّ هي بِدَعوَةِ أبنائِهِ إلى تِلكَ المائِدَةِ المقدَّسَةِ فيبارِكُهُمْ ويَتبادَلونَ عِباراتِ الوُّدِّ. ثِقةُ مَفِيبُوشَثُ تضاعَفَتْ بعدَ اقْتِرابِهِ مِنَ الملِكِ داوُدَ فأصبحَ طعامُهُ مؤمَّنًا بشَكلٍ يومِيٍّ وأملاكُ جَدِّهِ الملِكِ عادَتْ إليهِ، وهناكَ أشخاصٌ يعملونَ الأرضَ لصالِحِهِ، كلُّ هذهِ حَصَلَتْ بسَبَبِ نِعمَةِ الملكِ داوُدَ على هذا الشخصِ وهو لم يفعلْ شَيئًا لاقتِناءِ كُلِّ هذِهِ البركاتِ.
العِشرَةُ الحميمَةُ مع الرّبِّ تَتَخَلَّلُها أحاديثٌ عن مشاريعِ الرّبِّ المزمَعُ تنفيذُها على الأرضِ، فيُعطينا تكليفاتٍ جديدَةً حينما نفتَحُ له قُلوبَنا بشكلٍ أوسَعَ، كالذي صَنعَهُ إشعياءُ النبيُّ في الأصحاحِ السادِسِ، كما أنّنا في محضَرِهِ سَنُشارِكُ الملائِكَةَ في التَّسبيحِ والحمدِ والتَّرنيمِ، فيملأُنا بِمَحَبَّتِه التي هي مَصدرُ الثِّقَةِ والسَّلامِ.
تَلامُسُنا واقْتِرابُنا مِن أبي الأنوارِ مِن خِلالِ تِلكَ العِشرَةِ اليوميَّةِ الحَميمَةِ سيَجعَلُنا هيكلاً مُتَّقِدًا بنارِ الرّوحِ القُدُسِ, يُعطينا سلامَ الملكوتِ وينعَكِسُ للآخَرينَ بِبَرَكاتٍ ومُعجِزاتٍ متنَوِّعَةٍ، يتِمُّ هذا التّلامُسُ حينما نُدرِكُ مَركَزَنا في المسيحِ ونحنُ نُصَلّي: الذي هو "قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ" افسس ١: ٤
ودمتم في أمجادِ الملكوتْ