التلوث الروحي

Hits: 3068

التلوث الروحي - بقلم: ليث مقادسي

هل تُوافِقُني الرأيَ عزيزي المستمِعُ أنَّ الكثيرَ منَ المعَمِّرينَ هُمُ الذينَ عاشَوا بِنَسَقِ عَدَمِ الاكتراثِ؟، هؤلاءِ لم يسمحُوا لِكِيانِهِم بالتَّلوُّثِ بالأحقادِ، الحزنِ المفرَطِ، الإحباطِ، التّشاؤمِ، القلقِ، التوتّرِ، الرغبةِ بالثّأرِ والانتقامِ، لعنةِ الآخَرينَ، اشتهاءِ ما للغيرِ والحسَدِ، بل عدَمُ اكْتِراثِهِم طَردَ كلَّ هذِهِ الملوِّثاتِ. أعرِفُ شخصًا تدهورَت حالَتُهُ الصّحِّيَّةُ في العامِ المنصرِمِ وهي لا تزالُ في تَدَهوُرٍ يومِيٍّ، حينَما اَتّصِلُ بهِ للاطمِئنانِ على صِحتِهِ أجدُهُ محمَّلًا بمتراكِماتِ الماضِي مع أقارِبِهِ فيبدَأُ بالحديثِ عن اُختِهِ التي استغلّتهُ مادِّيًّا قبلَ خمسةٍ وعشرينَ عامًا وأخيهِ الذي اشتكى عليهِ في المحكمَةِ قبلَ خمسةَ عشرَ عامًا، هو يعيشُ بنَسَقٍ يُنَمِّي هذِهِ الملوّثاتِ في جَوهَرِهِ ولا يَطرُدُها للخارجِ.

 

جميعُنا يعلمُ أنَّ الكِيانَ الإنسانِيَّ مكَوَّنٌ مِنَ الْجَسَدِ والنّفسِ والرّوحِ، أيُّ عنصُرٍ مِن هؤلاءِ يُصيبُهُ التّلوّثُ سيؤثِّرُ على العناصِرِ الأخرَى. حينَما كنتُ طِفلًا، كنتُ أرافِقُ أبي إلى مكانِ عملِهِ (في المركزِ الصّحِّيِّ الذي يعمَلُ فيهِ) فكنتُ أشاهدُ بعضَ المرضَى يأتونَ بقصدِ الحُصولِ عَلى أدويةٍ لعلاجِ أسقامِهِم ولكِنْ ما إنْ تحدَّثَ إليهِم أبي قليلا وأعطاهُم جُرعَةً نفسِيَّةً إلا وشَعَرُوا بالشّفاءِ مِن دونِ استخدامِ الدّواءِ.

 

إنَّ تدهورَ الحالةِ الصّحّيَّةِ لهذا الشخصِ قد لفتَتْ انتباهي فتحدّثتُ معَهُ في اتّصالِيَ الأخيرِ عَنِ الغُفرانِ وتنفيذِ وصايا الرّبِّ يسوعَ المسيحِ التي هيَ عِلاجُهُ الوحيدُ، فقلتُ لهُ عِوَضَ تحميلِ نفسِكَ كلَّ هذا الحِقدِ على شقيقَتِكَ، لماذا لا تغفِرُ لها؟ كونُ هذا الغفرانِ سيَشفيكَ نفسِيًّا وروحِيًّا، وبالتالي ينعَكِسُ على الْجَسَدِ: نفسِيًّا لأنَّهُ استبدلَ الكَراهِيَةَ بالمحبَّةِ، وروحِيًّا لأنّهُ عملَ بكلامِ الربِّ الذي أوصانا قائلا: "فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضاً أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. 15وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَلَّاتِهِمْ لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضاً زَلَّاتِكُمْ.. متى ٦: ١٤-١٥" مثلُ هكذا شَخصٍ يجازِفُ بأبَدِيَّتِهِ لأنّهُ يفقُدُ غُفرانَ اللهِ.

 

ما الذي يُعيقُهُ عَن تَنفيذِ وصايا الربِّ؟ الْجَوابُ هو البِرُّ الذاتِيُّ. فحينما كنتُ أُكمِلُ حديثي معَهُ كنتُ أتلمَّسُ منهُ الكِبرِياءَ وإظهارَ معرفتِهِ بكُلِّ هذا الكلامِ غيرَ عالِمٍ بأنَّ المعرِفَةَ الكتابيّةَ لن تُفيدَنا بشيءٍ إن لم نَعِشْها ونطبِّقْها على حياتِنا.

داودُ الملكُ كانَ مثالًا يُحتَذَى، فهو لم يسمَحْ لإساءاتِ الملكِ شاؤولَ لَهُ أنْ تأخُذَ جذورًا في كِيانِهِ بل كان يستبدِلُها فورًا بالغُفرانِ والاحترامِ، بل وَصَلَ الحالُ أنَّ شاؤولَ كانَ يطارِدُهُ لقتلِهِ، وحيثُ كانَ شاؤولُ نائِمًا عَلِمَ داودُ بمكانِهِ فجاءَ ووقفَ بجنبِهِ وكانَ قادِرًا على التّخَلُّصِ منه. رجالُ داودَ كانوا يحُثُّونَه على التّخلّصِ منه ولكنّهُ كانَ يرفُضُ ويقولُ: "حَاشَا لِي مِنْ قِبَلِ الرَّبِّ أَنْ أَعْمَلَ هَذَا الأَمْرَ بِسَيِّدِي بِمَسِيحِ الرَّبِّ، فَأَمُدَّ يَدِي إِلَيْهِ لأَنَّهُ مَسِيحُ الرَّبِّ هُوَ.  ١صموئيل ٢٤: ٦"

 

داودُ عرَفَ أنّهُ ما دام سائِرًا مع اللهِ فإنّهُ يتحتَّمُ عليهِ البقاءُ خفيفًا لِكيما يستخدِمُهُ اللهُ بأقصَى طاقةٍ، لأنّ اللهَ خلقَنَا بالمسيحِ يسوعَ لأعمالٍ كبيرَةٍ وعظيمَةٍ أساسُها المحبّةُ. مِن هُنا علينا التدرّبُ على تَنقِيَةِ قُلوبِنا بشكلٍ يومِيٍّ كي يَفتَحَ لنا اللهُ مجالَ خِدمَةٍ جَديدٍ، هذا ما صنعَهُ الربُّ مع داوُدَ الذي أصبحَ مَلِكًا عوضًا عن شاؤولَ.

 

دورُ إبليسَ هو تَسليطُ تلكَ الملوِّثاتِ علينا لِكي لا نَصِلَ إلى مرحَلَةِ الاستخدامِ الأعظَمِ، هذا الشيءُ كانَ سيحصَلُ مع داودَ مباشرةً بعدَ أنْ غَفَرَ للملِكِ شاؤولَ الذي كانَ يطارِدُه، حيثُ نقرأُ في سِفرِ صَموئيلَ الأولِ الإصحاحِ الخامِسِ والعشرين عن شخصٍ يُدعى نابالُ أثارَ غضبَ داودَ فكادَ أن يقتُلَهُ لولا حكمةُ زوجَةِ نابالَ التي أسرعَتْ لإصلاحِ الموقِفِ. لذلكَ علينا الحذرُ الشديدُ مِن خِلالِ تنظيفِ ذواتِنا مباشَرَةً بعدَ كلِّ مُلَوِّثٍ يُصيبُنا إن كنّا راغِبينَ وجادّينَ بالعمَلِ مع اللهِ.

ما هو مدَى عطائِكَ في العملِ وأنتَ تذهبُ يوميًّا وقلبُكَ مَلِيءٌ بالأحقادِ لبعضِ الزّمَلاءِ الذينَ أساءوا لك في الماضِي، الإحباطُ مِن عَدَمِ التّرقيَةِ التي كنتَ تترقّبُها أوِ الحسدُ للذينَ يرتَقونَ السّلَّمَ الوظيفِيَّ سريعًا سَواءَ كانَ باستحقاقٍ أو بِدونِه؟ هذِهِ الملوِّثاتُ تُضعِفُنَا يومًا بعدَ الآخَرِ إن لم نتخلّصْ منها كالكمبيوتَرِ الذي يدخُلُه فايروس ويأخُذُ مكانًا في كِيانِهِ فتقِلُّ سرعتُهُ يومًا بعدَ يومٍ.. السبيلُ الوحيدُ للتخلّصِ مِن هذهِ الملوثّاتِ هو اللّقاءُ مع شخصِ الربِّ يسوعَ المسيحِ مِن خِلالِ اللّهجِ بكلمَةِ الإنجيلِ المقدّسِ التي تساعِدُنا للوصولِ إلى بابِ السّعادَةِ الحقيقيَّةِ.

 

الإنجيلُ المقدسُ سَيُريني أنَّ اللهَ قَد غَفَرَ خطايايَ الكثيرةَ، فمَن أنا كي لا أغفِرَ للمُسيئينَ؟ سيشرَحُ لي عنِ الأمجادِ المعَدَّةِ للقِدّيسينَ الذين عاشوا على خُطَى الربِّ يسوعَ المسيحِ، حينَها لَن أحقُدَ على زميلِيَ في العَمَلِ بَل أفرَحُ بنجاحِهِ إن كانَ باستحقاقٍ وأصلِّي لَهُ إنْ كانَ بلا استحقاقٍ عالِمًا أنّ هذا العالمَ فانٍ، وما نحنُ إلا بخارٌ يظهَرُ قليلًا ثم يضمحِلُّ ونحنُ نعيشُ لأجلِ حياةٍ أفضَلَ محفوظَةٍ للمتّحِدِينَ بالمسيحِ السّالكينَ ليسَ بحسَبِ الْجَسَدِ بل بحَسَبِ الرّوح. إذًا مشوارُ استِئصالِ الملوّثاتِ يبدَأُ بالرغبَةِ بتجديدِ الذِّهنِ ويبقَى مستمِرًّا لحينِ مغادَرَتِنا هذا العالَمِ.

 

ولكنّكَ ستقولُ لي: "أنتَ لا تعرِفُ مدَى الإساءَةِ التي تعرّضتُ لها مِن هذا الشّخصِ، فكيفَ أسامِحُهُ؟ عزيزي، أنتَ لا تحتاجُ لمسامَحَةِ الإنسانِ الصّالِحِ، بَلِ الغُفرانُ والسَّماحُ يجبُ أن يكونَ للّذِي أخطَأَ لكَ. حجمُ الغفرانِ يعتَمِدُ على مَدَى النّضوجِ الرّوحِيِّ. هذا النضوجُ الذي يحصَلُ حينَما نُكثِّفُ القراءَةَ اليوميَّةَ لكلمَةِ الإنجيلِ المقدّسِ بِفَهْمٍ, لأنَّ تركَ المجالَ للحَسَدِ، الكُرْهِ والنّميمَةِ يَنْمونَ في كِيانِنا سَيُوَلِّدُ رغبَةً وشَوقًا بِرُؤيَةِ الطّرَفِ الآخَرِ يفشَلُ وإنْ لم يحصَلْ هذا الشيءُ فإنّهُ سيقودُنا للإحباطِ الذي باتَ مصدَراً للكثيرِ مِنَ الأمراضِ الخَطِرَةِ.

حدّدَ الربُّ يسوعُ مَنبعَ النّجاسَةِ حينَما قال: "... لأَنْ مِنَ الْقَلْبِ تَخْرُجُ أَفْكَارٌ شِرِّيرَةٌ: قَتْلٌ زِنىً فِسْقٌ سِرْقَةٌ شَهَادَةُ زُورٍ تَجْدِيفٌ. هَذِهِ هِيَ الَّتِي تُنَجِّسُ الإِنْسَانَ. متى ١٥: ١٩"

أمّا أنقياءُ القلبِ فيقولُ عنهُمُ الرّبُّ يسوعُ المسيحِ بأنهُم يعايِنونَ اللهَ. يتِمُّ ذلكَ حينَما يسعَونَ للامتلاءِ لقامَةِ مِلْءِ المسيحِ أي أن يكونوا شُرَكاءَ للطّبيعَةِ الإلهيَّةِ حيثُ يُخبِرُنا بولُسُ الرّسولُ: "إِلَى أَنْ نَنْتَهِيَ جَمِيعُنَا إِلَى وَحْدَانِيَّةِ الإِيمَانِ وَمَعْرِفَةِ ابْنِ اللهِ. إِلَى إِنْسَانٍ كَامِلٍ. إِلَى قِيَاسِ قَامَةِ مِلْءِ الْمَسِيحِ.أفسس ٤: ١٣" كيفَ يحصَلُ الامتلاءُ بالرّوحِ القُدُسِ؟ يُكمِلُ بولسُ الرسولُ في نفسِ الإصحاحِ قائِلًا: "فَأَقُولُ هَذَا وَأَشْهَدُ فِي الرَّبِّ، أَنْ لاَ تَسْلُكُوا فِي مَا بَعْدُ كَمَا يَسْلُكُ سَائِرُ الأُمَمِ أَيْضاً بِبُطْلِ ذِهْنِهِمْ، إِذْ هُمْ مُظْلِمُو الْفِكْرِ، وَمُتَجَنِّبُونَ عَنْ حَيَاةِ اللهِ لِسَبَبِ الْجَهْلِ الَّذِي فِيهِمْ بِسَبَبِ غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ. اَلَّذِينَ إِذْ هُمْ قَدْ فَقَدُوا الْحِسَّ، أَسْلَمُوا نُفُوسَهُمْ لِلدَّعَارَةِ لِيَعْمَلُوا كُلَّ نَجَاسَةٍ فِي الطَّمَعِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَلَمْ تَتَعَلَّمُوا الْمَسِيحَ هَكَذَا. إِنْ كُنْتُمْ قَدْ سَمِعْتُمُوهُ وَعُلِّمْتُمْ فِيهِ كَمَا هُوَ حَقٌّ فِي يَسُوعَ، أَنْ تَخْلَعُوا مِنْ جِهَةِ التَّصَرُّفِ السَّابِقِ الإِنْسَانَ الْعَتِيقَ الْفَاسِدَ بِحَسَبِ شَهَوَاتِ الْغُرُورِ، وَتَتَجَدَّدُوا بِرُوحِ ذِهْنِكُمْ، وَتَلْبَسُوا الإِنْسَانَ الْجَدِيدَ الْمَخْلُوقَ بِحَسَبِ اللهِ فِي الْبِرِّ وَقَدَاسَةِ الْحَقِّ. أفسس ٤: ١٧-٢" لذلك كلُّ استِئصالٍ لملوِّثٍ جديدٍ مِن كِيانِنا سيملَأُ فراغَهُ الروحُ القدُسُ وجميعُنا يعلَمُ أنَّ الروحَ القدسَ كان يُعطَى في العَهدِ القديمِ لإتمامِ إرادَةِ اللهِ على الأرضِ، لذلكَ كُلُّ امتلاءٍ جديدٍ هناكَ إرادَةٌ جديدَةٌ واستخدامٌ أكبَرَ.

 

هل ترغَبُ أن يستخدِمَكَ اللهُ بمشاريعَ تحصَلُ على الأرضِ ومِن ثَمَّ تجني ثمارَهَا في السّماءِ حيثُ الحياةُ الأبديَّةُ؟، أي أنّكَ تستثمِرُ طاقاتِكَ وإمكانياتِكَ لحسابِ مَلَكوتِ السّماءِ؟، هذا الهدفُ يجبُ أنْ يَنبَعَ مِن رغبَةٍ جامِحَةٍ نابعَةٍ عَنِ المقارَنَةِ المنطِقِيَّةِ بينَ ما يقدّمُهُ العالَمُ والذي وَعَدَنا بِهِ الربُّ يسوعُ المسيحُ، فإن تولّدَتْ تلكَ الرّغبَةُ فإنَّ الروحَ القدسَ سيُعينُنا للتّغلُّبِ على تلكَ الملوِّثاتِ الرّوحِيَّةِ مِن خِلالِ تَبكيتِهِ لَنا عَن كُلِّ التّصرفاتِ التي تُعيقُنا مِنَ التّحليقِ عاليًا على النِّطاقِ الرّوحِيِّ.

 

دَعانَا الربُّ يسوعُ المسيحُ لعمَلٍ عظيمٍ حينَ قالَ: "فَاذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِاسْمِ الآبِ وَالاِبْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ. متى ٢٥: ١٩-٢٠" ولكِنْ كيفَ لنا أنْ نقومَ بهذا العَمَلِ الجبّارِ؟ الجوابُ هو حينَما نُدرِكُ أنَّ الذي معنَا قَد دُفِعَ إليهِ كلُّ سلطانٍ في السّماءِ وعلى الأرضِ أي أنّهُ الملكُ وقد أتمَّ كلَّ شيءٍ لهذِهِ المهمَّةِ. كلُّ المطلوبِ منّا هو الخُضوعُ التّامُّ لمشيئَتِهِ وأن نتدرّبَ على محبّةِ الآخَرِ كأنفُسِنا حتى لو كانَ عدوُّنا، حينَها سنتخلّصُ مِن كافّةِ المشاعِرِ السَّلبِيّةِ تُجاهَ الآخَرينَ معَ مُرورِ الوَقتِ.

 

عزيزي المسيحِيَّ، لم يَفْدِكَ الربُّ يسوعُ المسيحُ لتعيشَ كالآخَرين الذينَ لا رجاءَ لهُم، بل هو تنازلَ مِن أجلِكَ لتكونَ ابنًا ووارِثًا في ملكوتِ السّماءِ، بل وتجلِسُ عن يمينِ اللهِ الآبِ لأنكَ متّحِدٌ بالمسيحِ، فهل تعرِفُ ميزاتِ هذا المستَوَى؟ هو مركزٌ عظيمٌ لن تُدركَهُ إنْ لم تَعِشْهُ، فإن كنتَ راغِبًا بعَيشِهِ صَلِّ مَعي .. أبي السّماويَّ أنا أرغَبُ باختِبارِ هذا المستَوَى الرفيعِ الذي أعطيتَهُ بالمَجّانِ لكُلِّ مَن يؤمِنُ بِفِداءِ الربِّ يسوعَ المسيحِ له على الصّليبِ، أولائِكَ الذين أدرَكُوا أنهم خُطاةٌ وبحاجَةٍ إلى تبريرٍ، أنا أُسَلِّمُكَ حياتي لتعملَ بها بحسَبِ خُطَّتِكَ التي أعدَدتَها لي قبلَ إنشاءِ العالَمِ فَأحصَلَ على أكاليلَ ووراثَةِ في ملكوتِكَ. بِاسمِ الربِّ يسوعَ. آمين

 

هناكَ مواسِمٌ للحُزنِ ولكِنْ علينا تخطّيها بسُرعَةٍ والعَودَةُ لحياةِ النُّصرَةِ بالرّبِّ. ولكِنْ كيفَ لي أن اَتَخطّاها بسرعَةٍ؟ الْجَوابُ هو النّطقُ بكلامِ الإنجيلِ المقدّسِ المضادِّ للملَوِّثِ. على سبيلِ المثالِ، إن كنتَ تتعرّضُ لمضايقاتٍ في العَمَلِ وهذهِ المضايقاتُ تقودُكَ للغَضَبِ والحِقدِ والرّغبَةِ بالانتِقامِ فتذَكَّرْ وَردِّدْ كلامَ الربِّ يسوعَ المسيحِ وهو على الصّليبِ حين قال: "يا أبَتاهْ اِغفِرْ لَهُمْ لأنَّهُم لا يَعلَمونَ ماذا يَفعَلونَ. لوقا ٢٣: ٣٤" حينَها ستُسَلِّمُ الموضوعَ بالكامِلِ بيدِ الربِّ وتعيشُ سلامَ غُفرانِكَ لهم.

 

إنْ كنتَ قَلِقًا بشأنِ مستقبَلِكَ، إن كانَ الروحِيَّ أوِ الجَسَدِيَّ فاستجِبْ للربِّ يسوعَ المسيحِ الذي دعاكَ قائلاً: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ. اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ. لأَنَّ نِيرِي هَيِّنٌ وَحِمْلِي خَفِيفٌ. متى ١١: ٢٨-٣٠"، كيف تستجيبُ لهذِهِ الدّعوَةِ؟ رَدِّدْ مَعي: "أيّها الربُّ يسوعُ، أنا أفتحُ لكَ قلبِيَ بالكامِلِ، فَاملِكْ علَيهِ وَاجتَذِبْني لكَ كي أنعمَ بِسلامِكَ وأكونَ متَيَقِّنًا مِن مُستقبَلِي الأرضِيِّ والأبَدِيِّ".

ولكنّكَ قد تقولُ أنا خاطيءٌ واللهُ لن يغفِرَ لي. عزيزي ... اللهُ غَفَرَ للقاتِلِ والزّانِيَةِ، ليس هذا فحسبُ، بل وجعلَ منهُما شيئًا عظيمًا كبولسَ الرسولِ، كيفَ؟ حينما تقدَّمُوا له بتوبَةٍ حقيقيّةٍ نابِعَةٍ مِن كُلِّ القلبِ مُعتَرِفينَ بعَجزِهِم عن إيجادِ حَلٍّ. مكتوبٌ: "لأَنَّ عَيْنَيِ الرَّبِّ تَجُولاَنِ فِي كُلِّ الأَرْضِ لِيَتَشَدَّدَ مَعَ الَّذِينَ قُلُوبُهُمْ كَامِلَةٌ نَحْوَهُ. ٢اخبار ١٦: ٩" أي أنَّ اللهَ هو الذي يبحَثُ عنكَ لغرَضِ اجْتِذابِكَ والتّلامُسِ معَكَ وإنشاءِ عَلاقَةٍ حميمَةٍ معَهُ، الكثيرونَ نشَأوا في عوائِلَ مسيحيّةٍ يُؤدّونَ الفرائِضَ والطّقوسَ، وقد تعلّمُوا الكثيرَ عن الرّبِّ مِن خلالِ الإعلامِ المسيحِيِّ لذلكَ حانَ وقتُ العملِ لحسابِ الملكوتِ، ذلكَ الشيءُ الذي هو عمَلُهُ حينَما نسلّمُهُ أنفُسَنا ليعملَ مِن خلالِها للكثيرينَ.

حسابُ تبريرِ خَطاياكَ قَد دُفِعَ مقَدَّمًا وما عليكَ فِعلُ شيءٍ، فقط خُذْ ما قَد قَدَّمَهُ اللهُ مِن خِلالِ المسيحِ يسوعَ بالإيمانِ وتوجَّهْ إليهِ بأسرَعِ وقتٍ قائلا: "أرجوكَ يا ربُّ استخدِمْنِي بأقصَى طاقَةٍ ممكِنَةٍ" هذِهِ الصلاةُ التي أصلّيها أنا بِاسْتِمرارٍ، وها هو اليومَ يوصِلُ صوتِيَ لكَ وَلِلملايينِ ممّن يَحتاجونَ لِتَعزِيَةِ الإنجيلِ المقدّسِ، كيفَ تمَّ هذا، حينما هيّأتُ قلبِيَ لرفضِ الخَطيئَةِ وسَعَيتُ جاهِدًا لمحاربَتِها مِن خِلالِ الاغتِسالِ اليومِيِّ والتّخلّصِ مِنَ الملوِّثاتِ الرّوحِيَّةِ.

هناكَ أماكِنٌ في الكومبيوتر تتجمَّعُ فيها الملفاتُ التي يقومُ الكومبيوتَرُ بتخزينِها تِلقائِيًّا كمِلفّاتِ صفحاتِ الإنترنِتْ التي نتصفّحُها وحيثُ أنَّ هذِهِ الأماكِنَ تكبُرُ يومًا بعد آخَرَ فإنّها تؤثّرُ على سُرعَةِ استجابَةِ وَنَشاطِ الكومبيوتَر، مِن هُنا علينا التّخلّصُ منها بين الحينِ والآخَرِ لِكَي يعودَ النّشاطُ والحيويّةُ لذلكَ الجِهازِ.

 

الربّ يسوعُ المسيحُ جعَلَنا نرَى أنّهُ لم يُبقِ أيَّ شيءٍ في قلبِهِ تُجاهَ صالِبيهِ حتّى بدونِ توبَتِهِم، لماذا؟ لأنّهُ صلّى وقالَ قُبيلَ الصَّلبِ: "«يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». متى ٢٦: ٣٩" ثمَّ أكَّدَ لَهُ اللهُ الآبُ إنّها إرادَتُه، ولأنّهُ يُحِبُّ الآبُ فكان عليهِ التّعاوُنُ كإنسانٍ على تحقيقِ إرادتِهِ مِن خِلالِ عَدَمِ السَّماحِ للمُلَوِّثاتِ مِن إيجادِ مَكانٍ في كِيانِهِ، فيستخدِمُهُ اللهُ الآبُ بأعظَمِ صورَةٍ، لذلك، فالعِشرَةُ الحميمَةُ معَ اللهِ الآبِ مِن خِلالِ الربِّ يسوعَ المسيحِ ستكونُ كفيلَةً بإسماعِنا صوتَهُ كي نعرِفَ مشيئَتَهُ الصّالِحَةَ لحياتِنا.

اللهُ هو القاضِي فمَن أنا لأَدينَ الآخَرين؟ ... هل لا يزالُ في كِيانِكَ ضَغينَةٌ، حُزنٌ مُفرَطٌ، إحباطٌ، فشلٌ، تشاؤُمٌ، قلقٌ، توتّرٌ، كُرْهٌ ورَغبَةٌ بِالثّأرِ والانتِقامِ، لعنَةُ الآخَرينَ، طَمَعٌ، اشتِهاءُ ما للغير أوِ الحَسَدِ ...اِعلَمْ إنّكَ تعمَلُ بطاقَةٍ جُزئِيّةٍ ... تَخَلَّصْ مِنها لِتَصِلَ لطاقَتِكَ القُصوَى ... ودُمتُم في أمجادِ الملكوتِ.