الثمر لحساب الملكوت - بقلم: ليث مقادسي
يحثنا الانجيل المقدس بأن نكون مثمرين للبر والقداسة على النطاق الشخصي، ومثمرين ككنيسة لغرض إيصال بشارة الملكوت للمسكونة، هذا الثمر يتطلب تهيئة للقلب على اختبار العيش بحسب الروح، اي ان نتواجد بشكل دائم في اورشليم المنتصرة نسبح الرب باستمرار، ننظر بهاءه و نستمع لارشاداته. هذا التواجد بالروح سيجعلنا قريبين من التكليفات الإلهية، هذا ما اختبره اشعياء النبي في النص التالي:
في سنة وفاة عزيا الملك رايت السيد جالسا على كرسي عال ومرتفع واذياله تملا الهيكل. السرافيم واقفون فوقه لكل واحد ستة اجنحة باثنين يغطي وجهه وباثنين يغطي رجليه وباثنين يطير وهذا نادى ذاك وقال قدوس قدوس قدوس رب الجنود مجده ملء كل الارض فاهتزت اساسات العتب من صوت الصارخ وامتلا البيت دخانا فقلت ويل لي اني هلكت لاني انسان نجس الشفتين وانا ساكن بين شعب نجس الشفتين لان عيني قد راتا الملك رب الجنود. فطار الي واحد من السرافيم وبيده جمرة قد اخذها بملقط من على المذبح ومس بها فمي وقال ان هذه قد مست شفتيك فانتزع اثمك وكفر عن خطيتك ثم سمعت صوت السيد قائلا من ارسل ومن يذهب من اجلنا.فقلت هانذا ارسلني. فقال اذهب وقل لهذا الشعب اسمعوا سمعا ولا تفهموا وابصروا ابصارا ولا تعرفوا. غلظ قلب هذا الشعب وثقل اذنيه واطمس عينيه لئلا يبصر بعينيه ويسمع باذنيه ويفهم بقلبه ويرجع فيشفى. فقلت الى متى ايها السيد.فقال الى ان تصير المدن خربة بلا ساكن والبيوت بلا انسان وتخرب الارض وتقفر ويبعد الرب الانسان ويكثر الخراب في وسط الارض. وان بقي فيها عشر بعد فيعود ويصير للخراب ولكن كالبطمة والبلوطة التي وان قطعت فلها ساق يكون ساقه زرعا مقدسا. اشعياء ٦
أين كان اشعياء في هذا الوقت، في الجسد كان على الارض ولكنه في الروح كان في محظر الرب فحصل على فرصة التكليف الالهي فابتدأ مرحلة ثمر لحساب الملكوت، ولكنك قد تعتقد ان هذا الموضوع محصور لفئة معينة من الأنبياء والقديسين! يجيبك عن هذا الاعتقاد بولس الرسول قائلا "فلستم اذا بعد غرباء ونزلا، بل رعية مع القديسين واهل بيت الله، مبنيين على اساس الرسل والانبياء، ويسوع المسيح نفسه حجر الزاوية" افسس ٢: ١٩-٢٠
ماذا يقصد بجملة "اهل بيت الله"؟ وأين هو هذا البيت؟ الجواب هو في المكان الذي كان اشعياء متواجد فيه اي هو مكان روحي أدخلنا له ككنيسة عمل الرب يسوع المسيح. ولكن كيف لي التواجد في هذا المكان بشكل عملي، الجواب يبدأ من خلال النظر، التصديق ومن ثم التفاعل مع ذلك الواقع هذا الشئ اختبره ابطال الايمان في النص التالي:
في الايمان مات هؤلاء اجمعون، وهم لم ينالوا المواعيد، بل من بعيد نظروها وصدقوها وحيوها، واقروا بانهم غرباء ونزلاء على الارض. فان الذين يقولون مثل هذا يظهرون انهم يطلبون وطنا. فلو ذكروا ذلك الذي خرجوا منه، لكان لهم فرصة للرجوع. ولكن الان يبتغون وطنا افضل، اي سماويا. لذلك لا يستحي بهم الله ان يدعى الههم، لانه اعد لهم مدينة. عبرانيين ١١: ١٣-١٦
النظر يتم حينما اتغير عن شكلي بتجديد ذهني بمساعدة الروح القدس وقراءة الكلمة لان النظر بعيني الروح ياتي بالتمرين، تصديقي لما أراه هو ثباتي بالايمان حينها سأستطيع التفاعل مع هذا العالم وجلب اعمال الله لاستثمرها على الارض، يسأل سائل "كيف كان للأنبياء القدرة على سماع صوت الرب بسهولة" الجواب هو لكونهم متواجدين دائماً في محضره، في الجسد هم على الارض ولكن بالروح هم في الملكوت.
هل تعتقد ان هذا الموضوع معقد ويصعب ادراكه؟ الجواب نعم فهو لا يدرك بالعقل بل ابعاد روحية تاتي بنعمة من الله حينما نخافه بمحبة اي نهابه ونحن نصلي، نستشعر حظوره ونكون مستعدين لتكليفات الهية تجرى من خلالنا على الارض، لذلك الخطوات العملية للحصول على هذا المستوى والبدء بتلقي إعلانات الهية يبدأ حينما نقول للرب " يا رب أنا لا اهتم للعالم الحاضر بل لإتمام مشيئتك على الارض، استخدمني باقصى طاقة ممكنة"
شرح لنا الرب يسوع المسيح العلاقة المباشرة بين المحبة والثمر حين قال "هذه هي وصيتي ان تحبوا بعضكم بعضا كما احببتكم. ليس لاحد حب اعظم من هذا: ان يضع احد نفسه لاجل احبائه. انتم احبائي ان فعلتم ما اوصيكم به. لا اعود اسميكم عبيدا، لان العبد لا يعلم ما يعمل سيده، لكني قد سميتكم احباء لاني اعلمتكم بكل ما سمعته من ابي. ليس انتم اخترتموني بل انا اخترتكم، واقمتكم لتذهبوا وتاتوا بثمر، ويدوم ثمركم، لكي يعطيكم الاب كل ما طلبتم باسمي. بهذا اوصيكم حتى تحبوا بعضكم بعضا. يوحنا ١٥: ١٢-١٧
دور كاهن الكنيسة في ثمرنا
راعي الكنيسة له دور كبير في تحفيز رعيته للثمر ككنيسة، اذ هو يحذوا حذو الرب يسوع المسيح الذي كان قدوة لتلاميذه وكان يشرح ويعلمهم الأمور الجديدة، هو دائم التشجيع لكل من يرغب بالعمل لحساب الملكوت واضعا الرغبة بالشهرة جانبا كونه خادما أمينا للرب ولن يقلقه ان برز احد ابناء رعيته وأصبح له صيت كبير بل يكون مصدر فخر له.
واحدة من الأمور التي تحفز الرعية على الثمر هو استشعار قرب مجئ الرب، هذا الشئ استشعرته الكنيسة الاولى لذلك كانت متقدة بحرارة الايمان والتضحية لان الجميع سيستجمعون طاقاتهم واستثمار الفرص وافتداء الوقت فينتجون ثمارا مميزة وبغزارة، هذا الاستشعار دعاه الرب بالسهر حين قال "فاسهروا اذا لانكم لا تعرفون اليوم ولا الساعة التي ياتي فيها ابن الانسان" متى ٢٥: ١٣
على راعي الكنيسة الحذر من ان يكون عثرة للاخرين فيسقط كالفريسيين الذين يقولون ولا يفعلون بل ويسلك بتباين واضح بين القول والفعل، سلوكيات الفريسيين ستعثر صغار الايمان وقد تكلم الرب عن مثل هؤلاء قائلا "ومن اعثر احد الصغار المؤمنين بي فخير له لو طوق عنقه بحجر رحى وطرح في البحر" مرقس ٩: ٤٢ دور الممتلئين بالكلمة هو الصلاة من اجل هكذا راعي مدركين انه امين في خدمة الرب ولكن ثماره الروحية لم تنضج بعد.
بولس الرسول ككاهن تكلم الى اهل كورنثوس عن كيفية تمثيل المسيح في كل تصرف وان نكون رائحته الزكية فقال "ولكن شكرا لله الذي يقودنا في موكب نصرته في المسيح كل حين ويظهر بنا رائحة معرفته في كل مكان. لاننا رائحة المسيح الذكية لله في الذين يخلصون وفي الذين يهلكون. لهؤلاء رائحة موت لموت ولاولئك رائحة حياة لحياة.ومن هو كفؤ لهذه الامور. لاننا لسنا كالكثيرين غاشين كلمة الله لكن كما من اخلاص بل كما من الله نتكلم امام الله في المسيح" ٢كور ٢: ١٤-١٧
احيانا بعض ابناء الرعية الذين يعتقدوا انهم غيارا على كنيستهم وبسبب رغبتهم لكل زائر جديد ان يصبح عضوا دائم في كنيستهم فانهم يستخدمون الالحاح بالتدخل في شؤونه الخاصة فبدلا من اجتذابه يقومون بأبعاده غير عالمين ان الله هو الوحيد الذي يجتذب قاصديه لمكان تواجده وما على الرعية الا أضهار المحبة والاحترام للضيف.
يجب على الراعي ممارسة الراحة وتدريب رعيته على ممارستها حيث اوصانا الانجيل المقدس بتخصيص يوم للراحة الفكرية والجسدية لغرض التلذذ بالرب، لان التعب يفتح ابواب لابليس فتدخل ثعالبه لتفسد الكروم. اعظم راحة يتدرب عليها المؤمن هي التواجد في راحة الرب حينما يرمي أحماله الارضية عند قدمي الرب فيأخذ راحة من نوع خاص، هذه الراحة تتعزز حينما يكون محور تركيزه ملكوت الله وبره وساعيا بكل اجتهاد لحمل نير الرب الخفيف، من هنا سيؤدي صلاته بإدراك تام لتلك الراحة والحضور الالهي.
ان يشرح لرعيته مفهوم الالم والتعزية كون النشاط الروحي المثمر سيقلق ابليس واعوانه فيبدأوا بمهاجمتنا، بولس الرسول شرح لأهل كورنثوس هذا المفهوم قائلا:
مبارك الله ابو ربنا يسوع المسيح ابو الرافة واله كل تعزية الذي يعزينا في كل ضيقتنا حتى نستطيع ان نعزي الذين هم في كل ضيقة بالتعزية التي نتعزى نحن بها من الله. لانه كما تكثر الام المسيح فينا كذلك بالمسيح تكثر تعزيتنا ايضا. فان كنا نتضايق فلاجل تعزيتكم وخلاصكم العامل في احتمال نفس الالام التي نتالم بها نحن ايضا.او نتعزى فلاجل تعزيتكم وخلاصكم. فرجاؤنا من اجلكم ثابت.عالمين انكم كما انتم شركاء في الالام كذلك في التعزية ايضا. ٢كور ١: ٣-٧
دور اعضاء الكنيسة في ثمرنا
الصلاة من اجل الثمار الفردية للمؤمنين وثمار الكنيسة مجتمعه هي شئ أساسي يجب على اعضاء الكنيسة ادراكه اذ يقول كاتب سفر الأمثال "الحديد بالحديد يحدد والانسان يحدد وجه صاحبه" امثال ٢٧: ١٧ كما ان الكنيسة الاولى كانت مثالا رائعا في الصلاة من اجل ثبات وثمر الاخرين، حيث نوه بولس الرسول لهذا الموضوع في احدى رسائله قائلا "يسلم عليكم ابفراس، الذي هو منكم، عبد للمسيح، مجاهد كل حين لاجلكم بالصلوات، لكي تثبتوا كاملين وممتلئين في كل مشيئة الله. كولوسي ٤: ١٢"
دعا بطرس الرسول الكنيسة لان تكون مثمرة لمعرفة الرب والاقتراب من فكره من خلال الانتباه للنقاط التالية:
كما ان قدرته الالهية قد وهبت لنا كل ما هو للحياة والتقوى، بمعرفة الذي دعانا بالمجد والفضيلة، اللذين بهما قد وهب لنا المواعيد العظمى والثمينة، لكي تصيروا بها شركاء الطبيعة الالهية، هاربين من الفساد الذي في العالم بالشهوة. ولهذا عينه وانتم باذلون كل اجتهاد قدموا في ايمانكم فضيلة، وفي الفضيلة معرفة، وفي المعرفة تعففا، وفي التعفف صبرا، وفي الصبر تقوى، وفي التقوى مودة اخوية، وفي المودة الاخوية محبة. لان هذه اذا كانت فيكم وكثرت، تصيركم لا متكاسلين ولا غير مثمرين لمعرفة ربنا يسوع المسيح. ٢ بطرس ١: ٣-٨
يدعونا الانجيل المقدس ان نكون دائماً مملوئين بثمار الروح حين قال "مملوئين من ثمر البر الذي بيسوع المسيح لمجد الله وحمده. فيلبي ١: ١١" كيف يحصل الامتلاء الدائم؟ يرد داود الملك بالقول "طوبى للرجل الذي لم يسلك في مشورة الاشرار وفي طريق الخطاة لم يقف وفي مجلس المستهزئين لم يجلس. لكن في ناموس الرب مسرته وفي ناموسه يلهج نهارا وليلا. فيكون كشجرة مغروسة عند مجاري المياه.التي تعطي ثمرها في اوانه.وورقها لا يذبل.وكل ما يصنعه ينجح ليس كذلك الاشرار لكنهم كالعصافة التي تذريها الريح. لذلك لا تقوم الاشرار في الدين ولا الخطاة في جماعة الابرار. لان الرب يعلم طريق الابرار.اما طريق الاشرار فتهلك. مزمور ١
اصلي ان نكون مجتهدين في حياة البر والقداسة لنكون مثمرين على الدوام ببركة الله الاب ونعمة الله الابن وبركة وحلول روحه القدوس على أقوالنا وأفعالنا ... ودمتم في امجاد الملكوت