لباقَةُ الكلامِ
-
Hits: 1547
لباقَةُ الكلامِ – بقلم ليث مقادسي
لباقةُ الكلامِ تَعني التّواصُلَ معَ الآخَرينَ أوِ التّحدُّثَ إليهِم بالأسلوبِ الذي يرفَعُ مِن شأنِهِم، وفي نفسِ الوقتِ يبتَعِدُ كُلَّ البُعدِ عَنِ الاستفزازِ أو حِدّةِ الصّوتِ أو أيِّ طريقةٍ تُثيرُ الحزنَ أوِ القلَقَ في نفوسِهِم. ولباقَةُ الكلامِ هي إحدى الصفاتِ الهامّةِ المتوافرَةِ في الأشخاصِ الاجتماعيينَ الذينَ يتّخِذونَ مِنَ الحكمَةِ والهدوءِ منهجاً لهُم في الحياةِ، كما أنّها يجبُ أن تتوافَر فينا لنستطيعَ التعامُلَ مع الآخَرينَ بأريَحِيّةٍ. بالإضافةِ إلى ذلكَ يجِبُ أن تتوافَرَ في العامِلينَ في المجالاتِ الاجتماعيَّةِ مِثلَ التسويقِ ليتمَكّنوا مِنَ النّجاحِ في عملِهِم. وفي الحقيقةِ قد تختَلِطُ قليلاً بالنِّفاقِ، حيثُ أنَّ الشّخصَ المنافِقَ أوِ الشّخصَ الذي يَسعى لاكتسابِ مصلحَةٍ أوِ الحُصولِ على شيءٍ ما في الغالِبِ يكونُ لبِقاً في حديثِةِ معَ الآخَرين.
إنسانُ اللهِ يجبُ أن يمتازَ باللّباقَةِ، وحيثُ أنَّ اللّباقةَ الإنسانيّةَ مرتبطةٌ بالحكمَةِ الأرضيّةِ فهي تقودُ الكثيرَ من المسيحيينَ السّالكينَ بحسبِ الْجَسَدِ للتحزُّبِ والغيرَةِ المُرّةِ التي تحدَّثَ عنها يعقوبُ الرّسولُ قائلاً: "13مَنْ هُوَ حَكِيمٌ وَعَالِمٌ بَيْنَكُمْ فَلْيُرِ أَعْمَالَهُ بِالتَّصَرُّفِ الْحَسَنِ فِي وَدَاعَةِ الْحِكْمَةِ. 14وَلَكِنْ إِنْ كَانَ لَكُمْ غَيْرَةٌ مُرَّةٌ وَتَحَّزُبٌ فِي قُلُوبِكُمْ، فَلاَ تَفْتَخِرُوا وَتَكْذِبُوا عَلَى الْحَقِّ. 15لَيْسَتْ هَذِهِ الْحِكْمَةُ نَازِلَةً مِنْ فَوْقُ، بَلْ هِيَ أَرْضِيَّةٌ نَفْسَانِيَّةٌ شَيْطَانِيَّةٌ. 16لأَنَّهُ حَيْثُ الْغَيْرَةُ وَالتَّحَّزُبُ هُنَاكَ التَّشْوِيشُ وَكُلُّ أَمْرٍ رَدِيءٍ. 17وَأَمَّا الْحِكْمَةُ الَّتِي مِنْ فَوْقُ فَهِيَ أَوَّلاً طَاهِرَةٌ، ثُمَّ مُسَالِمَةٌ، مُتَرَفِّقَةٌ، مُذْعِنَةٌ، مَمْلُوَّةٌ رَحْمَةً وَأَثْمَاراً صَالِحَةً، عَدِيمَةُ الرَّيْبِ وَالرِّيَاءِ. 18وَثَمَرُ الْبِرِّ يُزْرَعُ فِي السَّلاَمِ مِنَ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ السَّلاَمَ". يعقوب ٣: ١٣-١٨
هذه الحالَةُ نجِدُها متفشّيَةً في الكنائسِ، فهناكَ أشخاصٌ لَبِقونَ في الكلامِ المؤسَّسِ على الحكمةِ الأرضيّةِ مِن دونِ أيِّ عمقٍ روحِيٍّ، لأنَّ اهتمامَهُم هو حاجياتُ الْجَسَدِ. هؤلاءِ يقاوِمونَ المُؤمِنينَ فيحصَلُ الخِصامُ والمنازعاتُ في جَسَدِ المسيحِ. مِن هنا على راعي الكنيسةِ الاجتهادُ بطلَبِ حكمةِ المسيحِ. بولسُ الرسولُ عايَنَ هذا الشّقاقَ في كنيسةِ كورنثوسَ فكتبَ إليهِم مقارِنا بين حكمَةِ الملكوتِ وحكمَةِ العالَمِ؛
"12وَنَحْنُ لَمْ نَأْخُذْ رُوحَ الْعَالَمِ بَلِ الرُّوحَ الَّذِي مِنَ اللهِ لِنَعْرِفَ الأَشْيَاءَ الْمَوْهُوبَةَ لَنَا مِنَ اللهِ 13الَّتِي نَتَكَلَّمُ بِهَا أَيْضاً لاَ بِأَقْوَالٍ تُعَلِّمُهَا حِكْمَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ بَلْ بِمَا يُعَلِّمُهُ الرُّوحُ الْقُدُسُ قَارِنِينَ الرُّوحِيَّاتِ بِالرُّوحِيَّاتِ. 14وَلَكِنَّ الإِنْسَانَ الطَّبِيعِيَّ لاَ يَقْبَلُ مَا لِرُوحِ اللهِ لأَنَّهُ عِنْدَهُ جَهَالَةٌ وَلاَ يَقْدِرُ أَنْ يَعْرِفَهُ لأَنَّهُ إِنَّمَا يُحْكَمُ فِيهِ رُوحِيّاً. 15وَأَمَّا الرُّوحِيُّ فَيَحْكُمُ فِي كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ لاَ يُحْكَمُ فِيهِ مِنْ أَحَدٍ. 16لأَنَّهُ مَنْ عَرَفَ فِكْرَ الرَّبِّ فَيُعَلِّمَهُ؟ وَأَمَّا نَحْنُ فَلَنَا فِكْرُ الْمَسِيحِ". ١ كورنثوس ٢: ١٢-١٦
روحُ العالمِ قد تعني الروحَ التي اتَّخَذت مَعرِفَتَها وحكمَتَها مِن هذا العالَمِ الغريبِ عنِ اللهِ. وقد تعني الروحَ التي لم تتجدَّدْ بَعدُ ويسودُ عليها الشيطانُ الذي يطمُسُ بصيرَتَها فلا يمكِنُ أن تفهَمَ أو تقبلَ البركاتِ الرّوحيَّةَ المدّخَرَةَ لنا في الصّليب (2كو 4: 4 + أف 6: 11، 12). وقد تعني روحُ العالَمِ روحَ إبليسَ الذي قيلَ عنه: "الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ" (أف 2: 2).
لذلك، إنسانُ اللهِ السالِكُ بحسَبِ الرّوحِ عليهِ بمقاوَمَةِ حكمَةِ العالَمِ التي تقودُ للرّذيلَةِ وطلَبِ حكمَةِ المسيحِ المليئَةِ بالوَداعَةِ، إذ أنَّ الروحَ القدُسَ ليسَ فقط يفتَحُ أعيُنَنَا على ما أعَدّهُ اللهُ لنا في السّماءِ، بل هو الذي يُعطينا ما نتكلّمُ بهِ. فبحكمَةٍ مِنَ الرّوحِ القدُسِ نتكلّمُ في الرّوحيّاتِ وليس بحكمَةٍ بشريّةٍ كالتى يستخدِمُها البشرُ في تعاليمِهِم. الأشياءُ التي وُهِبَت لنا مِنَ اللهِ هي التي نفتَخِرُ بها ونُعَلِّمُ بِها، ولكِنْ طالَما هي روحياتٌ فالأمرُ متروكٌ لا لِحِكمَتِنا البشريّةِ، بل لِمَا يُرشِدُنا إليهِ الرّوحُ القدُسُ ويضَعُهُ في أفواهِنا.
بالروحِ القدسِ ننعَمُ بمقاييسَ روحيّةٍ صادقَةٍ، فلا نحكُمُ على الرّوحيّاتِ بمقاييسَ بشريّةٍ زمنيّةٍ، بل نُقارِنُ الأفكارَ الرّوحيّةَ بأفكارٍ روحِيّةٍ، والحقائقَ الرّوحيّةَ نفسِّرُها بحقائقَ روحيّةٍ بإرشادِ الرّوحِ القدُسِ.
نحنُ بحاجَةٍ لِلَباقَةِ الكلامِ في بُيوتِنا أوّلاً، مع شريكِ الحياةِ، مع الأهلِ والأولادِ ... هي كالمختَبَرِ الذي نُنَمّي فيه استزادَتَنا مِن حكمَةِ الملكوتِ. أذكُرُ مرّةً كانَ هناكَ حدثٌ عائلِيٌّ كبيرٌ يحتاجُ إلى اتّخاذِ قرارٍ مِن قِبَلِ عدّةِ أشخاصٍ، وكانَ هناكَ تخوّفٌ مِن توجُّهاتِ البعضِ، ولكِن حينَما صلّينا أنا وزَوجَتِي وطلَبْنا حكمةَ المسيحِ للتّعامُلِ مع الموقِفِ اخْتَبَرنا ما قيلَ في سِفرِ أعمالِ الرّسلِ ... "لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يُقَاوِمُوا الْحِكْمَةَ وَالرُّوحَ الَّذِي كَانَ يَتَكَلَّمُ بِهِ". اعمال ٦: ١٠
أمّا في تربيةِ الأولادِ فاللّباقَةُ مهمّةٌ جدّاً لمواجهَةِ تيّارِ الإلحادِ وحكمَةِ المجتمَعِ، تلكَ اللّباقةُ التي تجلِبُهُم لحكمَةِ المسيحِ وتُعَرّي لهم حكمَةَ العالَمِ التي تبدو رائعَةً في الكثيرِ منَ الأحيانِ. موسى تهذّبَ بحكمَةِ المِصريينَ وكان مقتدِراً في الأقوالِ والأعمالِ. أعمال ٧: ٢٢. ولكِنَّ أوّلَ ثمرٍ أنتجتهُ تلكَ الحكمَةُ هو قتلُ شخصٍ والهرَبُ مِن غضَبِ فِرعَونَ. لباقَتُهُ التي تعلّمَها في قصرِ فرعونَ لم تجعَلْهُ واثِقاً مِن نفسِهِ لإتمامِ خُطّةِ اللهِ بل طلبَ العونَ، فعيّنَ اللُهُ لهُ أخاهُ هرونَ ليكونَ ناطِقاً بما ستُمليهِ حكمَةُ اللهِ.
أمّا اللّباقَةُ مع شريكِ الحياةِ فهي مِن أروَعِ ما يكونُ، لأنها قادِرَةٌ على إتمامِ خطّةِ اللهِ. هذا ما اختَبَرتْهُ عائلَةُ شمشونَ في سِفرِ القضاةِ الإصحاح الثالثَ عشَرَ، إذ يُخبِرُنا الوحيُ المقدّسُ أنَّ ملاكَ الرّبِّ جاءَ إلى زوجَةِ مَنوحَ والِدِ شمشونَ وأخبَرَها بأنها ستحبَلُ وتلِدُ بعدَ أن كانَت عاقِراً، وأنَّ المولودَ سيكونُ نذيراً للرّبِّ، ولكِنَّ لباقَةَ هذه المرأَةِ بإيصالِ الخبَرِ لزوجِها جعلَهُ يتّخِذُ الإجراءَ الصّحيحَ وهو الصّلاةُ وطلبُ زيارَةً أخرى مِنَ الرّبِّ لمعرِفَةِ المزيدِ مِنَ التّفاصيلِ، وبالتّالي إتمامِ مشيئَةِ اللهِ.
كما أنَّ اللّباقَةَ مع شريكِ الحياةِ تجلِبُ سلاماً للبيتِ كُلِّهِ لأنّها تتعاملُ بحِلْمٍ، محبّةٍ، وَداعةٍ وصبرٍ، وهذهِ هي بعضُ ثِمارِ الرّوحِ القدُسِ. اللّباقَةُ مع شريكِ الحياةِ تُحَفِّزُ على العطاءِ فتُزيلُ الأنانِيَةَ. هذا ما اختَبَرَهُ والِدَا صَموئيلَ النبِيِّ حينَما كانت حَنّةُ أمُّ صموئيلَ مُرّةَ النّفسِ كونُها عاقِراً فقالَ لها زوجُها «يَا حَنَّةُ، لِمَاذَا تَبْكِينَ وَلِمَاذَا لاَ تَأْكُلِينَ وَلِمَاذَا يَكْتَئِبُ قَلْبُكِ؟ أَمَا أَنَا خَيْرٌ لَكِ مِنْ عَشَرَةِ بَنِينَ؟» ١ صموئيل ١: ٨ لَباقَةُ ألقانَةَ زوجُ حَنّةَ جعَلَت حنّةَ تَنذُرُ ابْنَها للرّبِّ على الفورِ.
أمّا اللّباقَةُ في الكنيسَةِ فإنها تجلِبُ المجدَ والإكرامَ للرّبِّ مِن قِبَلِ الخُدّامِ الأمينينَ، إذ قال بولسُ الرسولُ: "4وَكَلاَمِي وَكِرَازَتِي لَمْ يَكُونَا بِكَلاَمِ الْحِكْمَةِ الإِنْسَانِيَّةِ الْمُقْنِعِ بَلْ بِبُرْهَانِ الرُّوحِ وَالْقُوَّةِ 5لِكَيْ لاَ يَكُونَ إِيمَانُكُمْ بِحِكْمَةِ النَّاسِ بَلْ بِقُوَّةِ اللهِ. ١ كورنثوس ٢: ٤-٥" وقالَ في مَكانٍ آخَرَ: "2وَاظِبُوا عَلَى الصَّلاَةِ سَاهِرِينَ فِيهَا بِالشُّكْرِ، 3مُصَلِّينَ فِي ذَلِكَ لأَجْلِنَا نَحْنُ ايْضاً، لِيَفْتَحَ الرَّبُّ لَنَا بَاباً لِلْكَلاَمِ، لِنَتَكَلَّمَ بِسِرِّ الْمَسِيحِ، الَّذِي مِنْ اجْلِهِ انَا مُوثَقٌ ايْضاً، 4كَيْ اظْهِرَهُ كَمَا يَجِبُ انْ اتَكَلَّمَ. 5اُسْلُكُوا بِحِكْمَةٍ مِنْ جِهَةِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَارِجٍ، مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ. 6لِيَكُنْ كَلاَمُكُمْ كُلَّ حِينٍ بِنِعْمَةٍ، مُصْلَحاً بِمِلْحٍ، لِتَعْلَمُوا كَيْفَ يَجِبُ انْ تُجَاوِبُوا كُلَّ وَاحِدٍ". كولوسي ٤: ٢-٦. نلاحِظُ أهمِيَةَ المُواظَبَةِ على الصّلاةِ بشُكرٍ مِن أجلِ جَسَدِ المسيحِ (الكنيسَةِ) كما نفعلُ في قُدّاسِ يومِ الأحَدِ حينَما نُصَلّي لآباءِ الكنيسَةِ ولِمَن هم في منصِبٍ.
كونُ الْجَسَدِ كُلِّهِ يُصَلّي فإنَّ سكيبَ النِّعَمِ السّماويّةِ سيكونُ على الكُلِّ، لذلكَ سيسهَلُ عليهِم تطبيقُ وصايا بولسَ بأن يكونَ كلامُهُم كُلَّ حينٍ بنعمَةٍ ومُصلِحًا بمِلحٍ أي يَتَّصِفَ باللّطفِ الذي مصدَرُهُ النّعمَةُ التي تعمَلُ فينا. واللّطفُ ثمرَةٌ مِن ثِمارِ الرّوحِ القدُسِ (غل 5: 22،23). وَلْيَكُنْ كلامُنا لَهُ مَذاقٌ طيّبٌ أي رقيقٌ وفي محبّةٍ، خاصّةً مع غيرِ المؤمنينَ، وبحكمَةٍ (مر49:9). وهذا لا يمنَعُ أن يُوَجِّهَ المسؤولونَ المُخطِئينَ بكلامٍ عنيفٍ لكِنْ في محبَّةٍ وأدَبٍ. والكلامُ المُصلِحُ بمِلحٍ لا يَنشُرُ فسادًا وَسَطَ النّاسِ بألفاظٍ رديئَةٍ، بل يمنَعُ الفسادَ وينشُرُ الصُّلحَ. وزيادَةُ المِلحِ في الطّعامِ أيضًا غيرُ مقبولٍ، وهذا يُشيرُ للتّزَمُّتِ وكَثرَةِ الوَعظِ مما يُثيرُ السّامعينَ.
كيفَ أُنَمّي لَباقَةَ الكلامِ؟ الْجَوابُ هو الامتلاءُ أكثَرَ مِنَ الرّوحِ القُدُسِ والخُضوعُ لِتَدريباتِهِ بعدَ توليدِ الرّغبَةِ بعَيشِ كلِمَةِ الإنجيلِ المقَدَّسِ. واحِدَةٌ مِنَ التّدريباتِ هي تطبيقُ قولِ الرّبِّ "لِيَكُنْ كَلَامُكُم: نَعَم نَعَم لا لا. وما زادَ على ذلِكَ فهُوَ مِنَ الشِّرِّيرِ". متى ٥: ٣٧ التدريبُ الآخَرُ سأحتاجُهُ وقتَ الصّلاةِ والقائِلُ: "حِينَمَا تُصَلُّونَ لاَ تُكَرِّرُوا الْكَلاَمَ بَاطِلاً كَالأُمَمِ فَإِنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّهُ بِكَثْرَةِ كَلاَمِهِمْ يُسْتَجَابُ لَهُمْ". متى ٦: ٧" لماذا كُلُّ هذا الاهتمامِ باللّباقَةِ وتحديدِ نوعِ وكمّيَّةِ الكلامِ؟ يُجيبُ الرّبُّ قائِلًا "لأنَّكَ بِكَلامِكَ تَتَبَرَّرُ وَبِكَلامِكَ تُدانُ". متى ١٢: ٣٧"
مِن هنا نحتاجُ السَّعيَ للامتلاءِ اليومِيِّ بالرّوحِ القُدُسِ كي نَجعَلَ اللهَ يتكلَّمُ مِن خِلالِنا وهو الكفيلُ بإدارَةِ لِسانِنا لِمَا يُحَقِّقُ دعوَةَ اللهِ العُليا. كلامُ الربِّ يسوعَ كانَ مَليئاً باللّباقَةِ في موقِفِ المرأةِ الزّانيَةِ، إعطاءِ الْجِزيَةِ، مجادلاتِهِ مع الفَرّيسِيّينَ وأثناءَ مُحاكَمَتِهِ، بل بولسُ الرّسولُ امتازَ كثيراً باللّباقَةِ أثناءَ حديثِهِ في الكثيرِ مِنَ المواقِفِ وحينَ كانَ في أثينا، إذ قالَ لبعضِ الفلاسفَةِ:
"22...«أَيُّهَا الرِّجَالُ الأَثِينِيُّونَ أَرَاكُمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ كَأَنَّكُمْ مُتَدَيِّنُونَ كَثِيراً 23لأَنَّنِي بَيْنَمَا كُنْتُ أَجْتَازُ وَأَنْظُرُ إِلَى مَعْبُودَاتِكُمْ وَجَدْتُ أَيْضاً مَذْبَحاً مَكْتُوباً عَلَيْهِ: «لِإِلَهٍ مَجْهُولٍ». فَالَّذِي تَتَّقُونَهُ وَأَنْتُمْ تَجْهَلُونَهُ هَذَا أَنَا أُنَادِي لَكُمْ بِهِ. 24الإِلَهُ الَّذِي خَلَقَ الْعَالَمَ وَكُلَّ مَا فِيهِ هَذَا إِذْ هُوَ رَبُّ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لاَ يَسْكُنُ فِي هَيَاكِلَ مَصْنُوعَةٍ بِالأَيَادِي 25وَلاَ يُخْدَمُ بِأَيَادِي النَّاسِ كَأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَى شَيْءٍ إِذْ هُوَ يُعْطِي الْجَمِيعَ حَيَاةً وَنَفْساً وَكُلَّ شَيْءٍ. 26وَصَنَعَ مِنْ دَمٍ وَاحِدٍ كُلَّ أُمَّةٍ مِنَ النَّاسِ يَسْكُنُونَ عَلَى كُلِّ وَجْهِ الأَرْضِ وَحَتَمَ بِالأَوْقَاتِ الْمُعَيَّنَةِ وَبِحُدُودِ مَسْكَنِهِمْ 27لِكَيْ يَطْلُبُوا اللهَ لَعَلَّهُمْ يَتَلَمَّسُونَهُ فَيَجِدُوهُ مَعَ أَنَّهُ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَّا لَيْسَ بَعِيداً. 28لأَنَّنَا بِهِ نَحْيَا وَنَتَحَرَّكُ وَنُوجَدُ. كَمَا قَالَ بَعْضُ شُعَرَائِكُمْ أَيْضاً: لأَنَّنَا أَيْضاً ذُرِّيَّتُهُ. 29فَإِذْ نَحْنُ ذُرِّيَّةُ اللهِ لاَ يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ أَنَّ اللاَّهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ نَقْشِ صِنَاعَةِ وَاخْتِرَاعِ إِنْسَانٍ. 30فَاللَّهُ الآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ. 31لأَنَّهُ أَقَامَ يَوْماً هُوَ فِيهِ مُزْمِعٌ أَنْ يَدِينَ الْمَسْكُونَةَ بِالْعَدْلِ بِرَجُلٍ قَدْ عَيَّنَهُ مُقَدِّماً لِلْجَمِيعِ إِيمَاناً إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ». 32وَلَمَّا سَمِعُوا بِالْقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ كَانَ الْبَعْضُ يَسْتَهْزِئُونَ وَالْبَعْضُ يَقُولُونَ: «سَنَسْمَعُ مِنْكَ عَنْ هَذَا أَيْضاً!». 33وَهَكَذَا خَرَجَ بُولُسُ مِنْ وَسَطِهِمْ. 34وَلَكِنَّ أُنَاساً الْتَصَقُوا بِهِ وَآمَنُوا مِنْهُمْ دِيُونِيسِيُوسُ الأَرِيُوبَاغِيُّ وَامْرَأَةٌ اسْمُهَا دَامَرِسُ وَآخَرُونَ مَعَهُمَا". أعمال ١٧: ٢٢-٣٤
نُلاحِظُ لباقَةَ بولُسَ جعَلَتْهُ يجتَذِبُ الفلاسِفَةَ وآخَرينَ ويتكلّمُ لهُم عن يسوعُ.
هناكَ لباقَةٌ مِن نوعٍ خاصٍّ تُدعى "لباقَةُ الصّمتِ" هذا النوعُ استخدَمَهُ الرّبُّ يسوعُ كثيراً، كما نقرأُ في سِفرِ المُلوكِ الثّاني وقُبَيلَ إصعادِ إيليا إلى السّماءِ أنَّ بني الأنبياءِ عَلِمُوا بالأمرِ ولكِن لنرَى رَدَّ إليشَعَ لهُم:
"فَخَرَجَ بَنُو الأَنْبِيَاءِ الَّذِينَ فِي بَيْتِ إِيلَ إِلَى أَلِيشَعَ وَقَالُوا لَهُ: [أَتَعْلَمُ أَنَّهُ الْيَوْمَ يَأْخُذُ الرَّبُّ سَيِّدَكَ مِنْ عَلَى رَأْسِكَ؟] فَقَالَ: [نَعَمْ، إِنِّي أَعْلَمُ فَاصْمُتُوا]". ٢ ملوك ٢: ٣ هذا النوعُ باتَ مطلوباً جِدّاً في هذه الأيّامِ خاصّةً وقتَ الصّلاةِ.
ولكِن ماذا عن عِلاقتِنا مع اللهِ، كيفَ نكونُ لَبِقينَ معهُ؟ الْجَوابُ هو حينما نصَلّي بالرّوحِ القدُسِ، إذ نقرأُ في رسالةِ بولسَ الرسولِ إلى أهلِ رومِيّةَ: "َكَذَلِكَ الرُّوحُ أَيْضاً يُعِينُ ضَعَفَاتِنَا لأَنَّنَا لَسْنَا نَعْلَمُ مَا نُصَلِّي لأَجْلِهِ كَمَا يَنْبَغِي. وَلَكِنَّ الرُّوحَ نَفْسَهُ يَشْفَعُ فِينَا بِأَنَّاتٍ لاَ يُنْطَقُ بِهَا. رومية ٨: ٢٦. أحيانًا الرّوحُ القدُسُ يطلُبُ مِنكَ أن تتنَبَّأَ، أحياناً يقودُكَ للصّلاةِ مِن أجلِ آخَرينَ وأحياناً الصمتُ والاستماعُ لهمساتِهِ، هو لا يُحِبُّ الصّلواتِ الرّوتينيّةَ التي بلا إدراكٍ، بل يرغَبُ لنا بإدراكِهِ أوّلاً وَمِن ثَمَّ كُلُّ شيءٍ سيسيرُ بترتيبِ الرّوحِ القُدُسِ.
سعيُكَ عزيزي للاستزادَةِ مِن حِكمَةِ الملكوتِ مِن خِلالِ امتلائِكَ المُتَزايِدِ بالرّوحِ القُدُسِ سيرفَعُ مِن مستَوَى اللّباقَةِ ويجعَلُ منكَ إنساناً متميّزاً كالذي حصلَ مع سليمانَ الّذي طلبَ حِكمَةَ اللهِ فحصَلَ عليها وأبهَرَ العالَمَ بلَباقَتِهِ. كما أنَّ لباقَةَ رجالِ اللهِ جعَلَتِ المُلوكَ يَهابونَهُم كونُهُم استشعَرُوا سلطانَ اللهِ ... وأنتَ في هذا اليومِ مبنِيٌّ على أساسِ الرّسُلِ والأنبياءِ، فَاسْعَ دوماً للتمَيُّزِ باللّباقَةِ فتكونُ مِثالاً يُرشِدُ طريقَ الكثيرينَ للملكوتِ.
ودمتُم في أمجادِ الملكوتِ
فهل لديك استفسار؟ اكتب لنا رايك على من خلال This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.
لتحميل نسخة من هذا المقال, يرجى الضغظ هنا