اللهُ يرغَبُ بِتَرقِيَتِكَ
-
Hits: 1449
اللهُ يرغَبُ بِتَرقِيَتِكَ – بقلم: ليث مقادسي
هلِ اشتَدّتِ الظُّروفُ مِن حولِكَ وأنتَ تخدِمُ الربَّ مِن كلِّ القلبِ؟ اِعلَم أنَّها مرحلَةٌ مؤقّتةٌ تسبُقُ التّرقيَةَ. قبلَ أيّامٍ كنتُ أمُرُّ بفترَةِ تعَبٍ وإرهاقٍ شديدَينِ، وكنتُ متحيِّراً بشأنِ بعضِ أمورِ الخِدمَةِ، ولكِنْ في وسَطِ هذهِ الأجواءِ كانَ صوتُ الربِّ يهمِسُ لي "توقّعْ ترقِيَةً قريبةً". وبالفعلِ لم تَمضِ أسابيعُ قليلَةٌ إلّا وَفَتحَ لِيَ الربُّ باباً جديدًا للخِدمَةِ عبرَ وسائِلِ التّواصُلِ الاجتماعِيِّ بموقِعٍ يحوي عشراتِ الأُلوفِ مِنَ المُتَعَطِّشينَ لكلمَةِ الإنجيلِ.
الربُّ يسوعُ في الْجَسَدِ أيضاً مَرَّ بهذِهِ المَرحَلَةِ قُبَيلَ تمجيدِهِ، إذ خاطَبَ اللهَ الآبَ قائلاً:
"أَيُّهَا الآبُ قَدْ أَتَتِ السَّاعَةُ. مَجِّدِ ابْنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابْنُكَ أَيْضاً إِذْ أَعْطَيْتَهُ سُلْطَاناً عَلَى كُلِّ جَسَدٍ لِيُعْطِيَ حَيَاةً أَبَدِيَّةً لِكُلِّ مَنْ أَعْطَيْتَهُ. وَهَذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلَهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ. أَنَا مَجَّدْتُكَ عَلَى الأَرْضِ. الْعَمَلَ الَّذِي أَعْطَيْتَنِي لأَعْمَلَ قَدْ أَكْمَلْتُهُ. وَﭐلآنَ مَجِّدْنِي أَنْتَ أَيُّهَا الآبُ عِنْدَ ذَاتِكَ بِالْمَجْدِ الَّذِي كَانَ لِي عِنْدَكَ قَبْلَ كَوْنِ الْعَالَمِ". يوحنا ١٧: ١-٥
نلاحظُ أنَّ الربَّ يسوعَ في تلكَ الفترَةِ كانَ يمُرُّ بأوقاتٍ عصيبَةٍ جِدّاً وهو يتهَيَّأُ لشُربِ تلكَ الكأسِ المرّةِ، ولكنّهُ كانَ مُدرِكاً في ذاتِ الوقتِ أنَّ تلكَ الكأسَ هي مرحلَةُ عبورٍ لترقِيَةٍ. ما هي تلكَ الترقيَةُ؟ الانتصارُ على رئيسِ هذا العالَمِ إبليسَ، إزالَةُ العداوَةِ بينَ النّاسِ واللهِ، شفيعُ المؤمنينَ مِن أيّامِ آدمَ إلى المُنتَهَى وإعطاؤُهُ الدينونَةَ، والكثيرُ من الأمورِ الأخرى. هذه الأمورُ حصلَتْ بعدَ الصّليبِ ومَرَّت مِن خِلالِ ضيعَةِ جَثسَيماني المؤلِمَةِ.
لذلكَ عزيزي، اللهُ يَرغَبُ بترقيَتِكَ لأنّهُ يحِبُّ كافّةَ خُدّامِهِ الأمينينَ المُنقادينَ بروحِهِ القُدّوسِ. كُلُّ مرحلَةِ انقيادٍ بالرّوحِ القدُسِ تتبَعُها ترقيَةٌ. ماذا أقصِدُ بالانقيادِ بالرّوحِ القدُسِ؟ ونحنُ نسيرُ معَ الربِّ فإنَّ الربَّ يفاجِئُنا أحياناً بمُهِمّاتٍ لا يُدرِكُها عقلُنا، ولكِنَّ الروحَ القدُسَ يحُثُّنا على إتمامِها بالإيمانِ، كأنْ يُرسِلَكَ اللهُ إلى بلدٍ معيّنٍ وأنتَ لا تعرِفُ أحدًا هناكَ وليست لديكَ دعوَةٌ مِن كنيسَةٍ أو مؤسّسَةٍ مسيحِيّةٍ، فتشعُرُ كأنَّ الموضوعَ بلا مَعنًى، ولكنَّ صوتَ الرّوحِ القدُسِ يُقنِعُكَ أنَّهُ سيعمَلُ الكثيرَ مِن خِلالِكَ هناكَ.
حينَما تذهَبُ هناكَ ستستشعرُ قوّةَ اللهِ العاملَةَ فيكَ وهي تعمَلُ بطريقَةٍ مُعجِزِيَّةٍ لتبارِكَ كلَّ مَن يلتقيكَ، بحيثُ تُنجِزُ المهِمّةَ وأنتَ مندَهِشٌ بالثّمارِ الغزيرَةِ. مثلُ هكذا انقيادٍ يقودُ إلى ترقِيَةٍ مِن قِبَلِ الربِّ. لماذا الترقِيَةُ؟ لأنَّ خادِمَ الربِّ تحدّى محدودِيَّةَ الْجَسَدِ والشّكِّ وأظهرَ إيماناً كبيراً قريباً مِن إيمانِ إبراهيمَ وهو يترُكُ بيتَهُ ويذهَبُ إلى بلدٍ لا يعرِفُ فيه أحَدًا واثِقاً أنَّ الربَّ سيُنجِزُ كُلَّ ما في قلبِهِ.
المرحَلَةُ التي تسبُقُ الترقيَةَ قد تشمَلُ تحمُّلَنا لإساءاتِ الآخَرينَ. يعقوبُ أبو الأسباطِ تَعَرَّضَ للكثيرِ مِنَ الإساءَةِ والاستغلالِ مِن قِبَلِ لابانَ حَميهِ (بالإمكانِ القراءَةُ عن هذا الموضوعِ في سِفرِ التكوينِ، الإصحاح الحادي والثلاثين)، حيثُ استغَلَّ لابانُ يعقوبَ بالخدمَةِ لأجلِ إعطائِهِ بناتَهُ زَوجاتٍ، وحيثُ أنَّ يعقوبَ كانَ أميناً وبركَةُ اللهِ ظاهرَةٌ فيهِ، كانَ لابانُ قد تباركَ كثيراً بِنِعمَةِ اللهِ على حياةِ يعقوبَ، ولكنّهُ للأسَفِ استغَلَّ الموقِفَ.
لذلكَ عزيزي لا تُفَكِّرْ بالاستغلالِ وصعوبَةِ الموقفِ الحالِيِّ، فقط اِسْعَ للاستماعِ لصوتِ الربِّ وَانْقَدْ بروحِهِ القدّوسِ لإتمامِ مُهِمَّتِهِ للمرحلَةِ القادمَةِ، اِنقَدْ بأيمانٍ راسِخٍ كأيمانِ أمِّنا العذراء التي واجَهَت تحدِّيًا لم يحصَلْ مِن قَبْلُ، وهو ولادَةُ طِفلٍ من عذراءَ! شيءٌ يعجزُ أمامَهُ العقلُ. ولكنَّها صدَّقَتِ الملاكَ وسَعَتْ وتألّمَتْ، إلّا أنَّها حصَلَت على تطويبِ جميعِ الأمَمِ كترقِيَةٍ لها على خُضوعِها وتسليمِها الكامِلِ لمشيئَةِ اللهِ.
إبليسُ يُحاوِلُ إقناعَنا في مرحَلَةِ ما قبلَ التّرقِيَةِ أنَّ هذهِ المرحَلَةَ ستكونُ طويلَةً، وهي علامَةُ فشَلٍ ويبدأً الخوفُ والشّكُّ يتسَلَّلُ إلى قلوبِ بعضِنا، لذلك نحنُ بحاجَةٍ للتّدرُّبِ على ثلاثةِ أشياءٍ: الصومُ، التوبَةُ ونِسيانُ كُلِّ كلماتِ الفشَلِ والنُّطقِ بكلامِ التعزِيَةِ الذي يضَعُهُ الربُّ في قُلوبِنا، لأنَّ الربَّ لا يُسَرُّ بالذينَ يَرمُونَ أحمالَهُم عندَ قدميهِ ومِن ثَمَّ يَبقونَ مهمومينَ، حَزانَى ومُتَحَيِّرينَ!
وحيثُ أنَّ هذهِ الأمورَ هي شهوَةُ قلبِ المُشتَكي لكي يزعزِعَ إيمانَنا بالرّبِّ، فالربُّ يدعونا لعدَمِ الإنصاتِ له، لذلك، هذهِ الأشياءُ الثلاثَةُ إن طبّقناها بعُمقٍ روحِيٍّ سنجتازُ هذهِ المرحَلَةَ وستُفيدُنا كخِبرَةٍ مُستَقبَلِيَّةٍ في صِراعاتِنا الرّوحِيَّةِ. ولكنَّكَ قد تتساءَل، قد يكونُ هناكَ إجراءٌ يجبُ أن يتِمَّ مِن قِبَلِي للحُصولِ على التّرقِيَةِ، أقولُ لكَ حسناً لذلِكَ الصّومُ والتّوبَةُ وسلامُ القلبِ ستَجعَلُكَ تستَمِعُ لصوتِ الرّوحِ القدُسِ الذي سيُوَجِّهُكَ لما تَحتاجُ فِعلَهُ.
الشّعورُ الطّبيعِيُّ أثناءَ هذه المرحلَةِ هو التّخطيطُ والاحترازُ لما هو أسوَأُ. هذا ما اختَبَرَهُ يعقوبُ حينما كانَ عائِداً مِن بيتِ خالِهِ إلى بيتِ أبيهِ، ونحنُ نعلَمُ أنَّ ذَهابَهُ لبيتِ خالِهِ كانَ هرَباً مِن وجهِ أخيهِ عيسو الذي خدَعَهُ يعقوبُ وسرَقَ مِنهُ البُكورِيّةَ. لنقرأِ النّصَّ:
"3وَأَرْسَلَ يَعْقُوبُ رُسُلاً قُدَّامَهُ إِلَى عِيسُوَ أَخِيهِ إِلَى أَرْضِ سَعِيرَ بِلاَدِ أَدُومَ 4وَأَمَرَهُمْ: «هَكَذَا تَقُولُونَ لِسَيِّدِي عِيسُوَ: هَكَذَا قَالَ عَبْدُكَ يَعْقُوبُ: تَغَرَّبْتُ عِنْدَ لاَبَانَ وَلَبِثْتُ إِلَى الْآنَ. 5وَقَدْ صَارَ لِي بَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَغَنَمٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ. وَأَرْسَلْتُ لِأُخْبِرَ سَيِّدِي لِكَيْ أَجِدَ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْكَ». 6فَرَجَعَ الرُّسُلُ إِلَى يَعْقُوبَ قَائِلِينَ: «أَتَيْنَا إِلَى أَخِيكَ إِلَى عِيسُو وَهُوَ أَيْضاً قَادِمٌ لِلِقَائِكَ وَأَرْبَعُ مِئَةِ رَجُلٍ مَعَهُ». 7فَخَافَ يَعْقُوبُ جِدّاً وَضَاقَ بِهِ الأَمْرُ. فَقَسَمَ الْقَوْمَ الَّذِينَ مَعَهُ وَالْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَالْجِمَالَ إِلَى جَيْشَيْنِ. 8وَقَالَ: «إِنْ جَاءَ عِيسُو إِلَى الْجَيْشِ الْوَاحِدِ وَضَرَبَهُ يَكُونُ الْجَيْشُ الْبَاقِي نَاجِياً». 9وَقَالَ يَعْقُوبُ: «يَا إِلَهَ أَبِي إِبْرَاهِيمَ وَإِلَهَ أَبِي إِسْحَاقَ الرَّبَّ الَّذِي قَالَ لِيَ: ارْجِعْ إِلَى أَرْضِكَ وَإِلَى عَشِيرَتِكَ فَأُحْسِنَ إِلَيْكَ. 10صَغِيرٌ أَنَا عَنْ جَمِيعِ أَلْطَافِكَ وَجَمِيعِ الأَمَانَةِ الَّتِي صَنَعْتَ إِلَى عَبْدِكَ. فَإِنِّي بِعَصَايَ عَبَرْتُ هَذَا الأُرْدُنَّ وَالْآنَ قَدْ صِرْتُ جَيْشَيْنِ. 11نَجِّنِي مِنْ يَدِ أَخِي مِنْ يَدِ عِيسُوَ لأَنِّي خَائِفٌ مِنْهُ أَنْ يَأْتِيَ وَيَضْرِبَنِي الأُمَّ مَعَ الْبَنِينَ. 12وَأَنْتَ قَدْ قُلْتَ: إِنِّي أُحْسِنُ إِلَيْكَ وَأَجْعَلُ نَسْلَكَ كَرَمْلِ الْبَحْرِ الَّذِي لاَ يُعَدُّ لِلْكَثْرَةِ»". تكوين ٣٢: ٣-١٢
نلاحِظُ في هذا النّصِّ ردَّ فِعلِ يعقوبَ التلقائِيَّ، وهو تقسيمُ عائلتِهِ إلى جيشَينِ، لأنّهُ كانَ متوقّعاً السّوءَ واللهُ ينظُرُ، فابتَدَأَ الربُّ بتذكيرِهِ بوُعودِهِ التي إن آمنَ بِها فإنّهُ يجِبُ أن يتَحَلّى بالسّلامِ، وما أنِ ابْتَدَأَ يعقوبُ باستعراضِ وترديدِ هذهِ الوُعودِ إلّا وابتَدَأَ الربُّ بالتّدَخُّلِ، فنلاحِظُهُ قد أرسَلَ مَلاكَهُ لمُعالجَةِ شيءٍ في شخصِيَّةِ يَعقوبَ قُبَيلَ ترقِيَتِهِ. لنقرَأِ النّصَّ:
"22ثُمَّ قَامَ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَأَخَذَ امْرَأَتَيْهِ وَجَارِيَتَيْهِ وَأَوْلاَدَهُ الأَحَدَ عَشَرَ وَعَبَرَ مَخَاضَةَ يَبُّوقَ. 23أَخَذَهُمْ وَأَجَازَهُمُ الْوَادِيَ وَأَجَازَ مَا كَانَ لَهُ. 24فَبَقِيَ يَعْقُوبُ وَحْدَهُ. وَصَارَعَهُ إِنْسَانٌ حَتَّى طُلُوعِ الْفَجْرِ. 25وَلَمَّا رَأَى أَنَّهُ لاَ يَقْدِرُ عَلَيْهِ ضَرَبَ حُقَّ فَخْذِهِ فَانْخَلَعَ حُقُّ فَخْذِ يَعْقُوبَ فِي مُصَارَعَتِهِ مَعَهُ. 26وَقَالَ: «أَطْلِقْنِي لأَنَّهُ قَدْ طَلَعَ الْفَجْرُ». فَقَالَ: «لاَ أُطْلِقُكَ إِنْ لَمْ تُبَارِكْنِي». 27فَسَأَلَهُ: «مَا اسْمُكَ؟» فَقَالَ: «يَعْقُوبُ». 28فَقَالَ: «لاَ يُدْعَى اسْمُكَ فِي مَا بَعْدُ يَعْقُوبَ بَلْ إِسْرَائِيلَ لأَنَّكَ جَاهَدْتَ مَعَ اللهِ وَالنَّاسِ وَقَدِرْتَ». 29وَسَأَلَهُ يَعْقُوبُ: «أَخْبِرْنِي بِاسْمِكَ». فَقَالَ: «لِمَاذَا تَسْأَلُ عَنِ اسْمِي؟» وَبَارَكَهُ هُنَاكَ". تكوين ٣٢: ٢٢-٢٩
اللهُ حاولَ تثبيتَ يعقوبَ وتشجيعَهُ برؤيا لَابانَ، ثُمَّ برؤيا جيشِ الملائِكَةِ، ولكنَّ يعقوبَ ظلَّ في رعبٍ. ونجدُ هنا أنَّ اللهَ يتعاملُ معهُ بأسلوبٍ جديدٍ ليشجِّعَهُ ويُعطيهِ ثقةً بنفسِهِ. وفي هذهِ الليلةِ التي بدأَتْ بالصَّلاةِ المذكورَةِ، منَ المؤكَّدِ أنَّ يعقوبَ، بعد أن أرسلَ هديتَهُ، استمَرَّ يجاهِدُ في صلاتِهِ. وظهرَ له إنسانٌ وصارَعَهُ حتى طُلوعِ الفجرِ. واللهُ أعطى لهُ هذهِ القوّةَ للصِّراعِ والْجِهادِ، فهو لم يكُنْ يملِكُ هذهِ القوّةَ. وكانَ هدفُ اللهِ أن يُعطِيَهُ ثقةً بذاتِهِ حينما يغلِبُ فلا يخافُ من مقابلةِ عيسو. ولكنَّ هذا الصراعَ يشيرُ لِلْجهادِ في الصَّلاةِ وثمرةِ الْجهادِ والتمسُّكِ بمواعيدِ اللهِ، لذلك بدأَ الصراعُ جسديًا وانتهى صراعًا روحيًا.
بَكَى واسترحَمَه، فهو لم يكُنْ صِراعًا جسديًا ولكنهُ بكاءٌ وطلبُ رحمَةٍ مِنَ اللهِ. هو تمسُّكٌ باللهِ ولم يُرْخِهِ. "نش 4:3" ولما رأى أنَّه لا يقدِرُ عليهِ، بمعنى أنَّ الملاكَ حينَ رأى يعقوبَ في جهادِهِ لم يستسلِمْ، بل ظلَّ يُصارِعُ طَوالَ الليلِ. الأمرُ الذي بَدَا فيه الملاكُ كَمَن هو مَغلوبٌ ويعقوبُ كغالِبٍ. ولكِن هل يُغلَبُ اللهُ؟ نرجِعُ لسِفرِ النّشيدِ فنسمَعُ: "حَوِّلِي عَنِّي عَيْنَيْكِ فَإِنَّهُمَا قَدْ غَلَبَتَانِي" نش 5:6. فاللهُ يُغلَبُ بالدُّموعِ والتّوبَةِ ويعقوبُ هنا بَكَى واستَرحَمَهُ. وحتى لا يأتِيَ انتصارُ يعقوبَ بنتيجَةٍ عكسِيّةٍ فيدخُلَ في الكبرياءِ ضَرَبَ الملاكُ حُقَّ فَخْذِهِ فَانْخَلَعَ. كما سمَحَ اللهُ لبولُسَ بشوكَةٍ في الْجَسَدِ لكيلا يرتَفِعَ مِن فَرطِ الاستعلاناتِ. وحُقُّ الفَخذِ هو مِفصَلُ الفَخذِ وكلِمَةُ ضَرَبَ في العِبرِيّةِ تأتي بمَعنى لَمسَةٍ خفيفَةٍ "لمَسَ حُقَّ فَخذِهِ" وهذا لو أدى لِخَلعِ المِفصَلِ يكونُ مَن لَمَسَ يَعقوبَ ليسَ إنسانًا عاديًّا.
لذلكَ رغبَةُ اللهِ لكَ إن كنتَ تَمُرُّ في حالَةِ مَخاضٍ وعلى حياتِكَ وَعدٌ مِنَ اللهِ هو الثّباتُ والشّجاعَةُ بالرّبِّ السّائِرِ معَكَ وتَرديدِ وُعودِهِ باستمرارٍ.
في مرحَلَةِ ما قبلَ التّرقِيَةِ نحتاجُ لإعادَةِ تَصحيحِ بعضِ المَفاهيمِ التي ليسَت بِحَسَبِ فِكرِ الرّبِّ، أحَدُها يتمَثَّلُ بإلغاءِ أيّةِ مَصلَحَةٍ شخصِيّةٍ أثناءَ الخِدمَةِ، لأنَّ البعضَ باتوا يَحلَمونَ بالمناصِبِ والتّرقِياتِ لغرَضِ الْجاهِ والتَّمَيُّزِ بينَ الآخَرينَ، لغرَضِ التّسَلُّطِ وفرضِ الآراءِ أو لأغراضٍ مصلحِيّةٍ أخرى. هذا ما حصلَ لبعضِ تلاميذِ الرّبِّ يسوعَ قُبَيلَ الصَّلبِ والقيامَةِ. أحياناً تكونُ هذهِ النِّيّاتُ غيرُ واضِحَةٍ للمؤمنِ نفسِهِ، ولكنّها مدفونَةٌ في كِيانِهِ ستظهَرُ لاحِقاً وتُؤذِي خِدمَتَهُ. نصيحَتي الّشخصيّةِ هي أن نطلُبَ مِنَ الرّوحِ القدُسِ أن يكشِفَ لنا عن تِلكَ الأمورِ لغرَضِ مُعالَجَتِها وترديدِ قولِ داوُدَ المَلِكِ دَوماً "قَلْباً نَقِيّاً اخْلُقْ فِيَّ يَا اللهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي". مز ٥١: ١٠.
ترقِياتُ الرّبِّ هي امتلاكاتٌ جديدَةٌ على النّطاقِ الرّوحِيِّ، فإنْ عُدنا إلى العهدِ القديمِ فإننا سنجِدُ ما يُسانِدُها، ولكِنْ على النّطاقِ الأرضِيِّ. فنلاحِظُ تحذيرَ اللهِ للشَّعبِ العِبرانِيِّ مِنَ التّفكيرِ بأيِّ مصلحَةٍ شخصِيّةٍ وهُم يتهَيَّؤونَ لترقِيَةِ امتلاكٍ في أرضِ المَوعِدِ. إذ يُخبِرُنا النّصُّ قائِلاً:
"وَأَمَّا أَنْتُمْ فَاحْتَرِزُوا مِنَ الْحَرَامِ لِئَلاَّ تُحَرَّمُوا وَتَأْخُذُوا مِنَ الْحَرَامِ وَتَجْعَلُوا مَحَلَّةَ إِسْرَائِيلَ مُحَرَّمَةً وَتُكَدِّرُوهَا. وَكُلُّ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَآنِيَةِ النُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ تَكُونُ قُدْساً لِلرَّبِّ وَتَدْخُلُ فِي خِزَانَةِ الرَّبِّ". يشوع 6: 18-19.
هذا الموضوعُ ينطبِقُ على الكنيسةِ أيضاً حينما يدعوها الربُّ لترقيَةٍ جديدَةٍ. مِن هنا على الكاهِنِ توعيَةُ الشّعبِ كما فعلَ يَشوعُ لكيلا يتفاخَروا وينتَفِخُوا حينما يحصَلونَ على تلكَ التّرقِيَةِ ويستغلونَها لعملِ اسمٍ لهُم، لأنَّ مثلَ هذهِ التّوَجُّهاتِ تؤْذِي الكنيسَةَ، تلكَ الأذِيّةُ التي تعرّضَت لها كنيسَةُ العَهدِ القديمِ أيّامَ يشوعَ عندَما سَرَقَ عخانُ مِنَ الغنائِمِ التي أوصاهُمُ الرّبُّ أن لا يَمَسّوها فانكَسَرُوا كشعبٍ وبدَأوا ينهزِمونَ أمامَ العَدُوِّ.
هذا ما حصَلَ لإحدَى كنائِسِ هذا العصرِ حينما تميّزَت في فترَةٍ مِنَ الزّمَنِ عن بقيّةِ الكنائسِ التي مِن نفسِ طائِفَتِها، فابتدَأَ بعضُ أبنائِها بالانتفاخِ والشّعورِ أنّهُم أفضَلُ مِنَ الآخَرينَ وباتوا يمَجِّدونَ كاهِنَهُم بشكلٍ مُبالَغٍ فيهِ وهو للأسَفِ استثمَرَ هذهِ التّرقِياتِ بشكلٍ أو بآخَرَ لإبرازِ اسمِهِ فحصَلَ سقوطٌ كبيرٌ للكاهِنِ والكنيسةِ وهُم لغايَةِ الآنَ يُحاوِلونَ النّهوضَ مِن تلكَ السَّقطَةِ.
ما هو أهمُّ مِفتاحٍ للنُّهوضِ؟ هو طلبُ مشورَةِ الرّبِّ. إذ نرى أنَّ يشوعَ حينما نظرَ الأمورَ تسيرُ بشكلٍ مُعاكِسٍ للماضي سقَطَ على وجههِ وطلبَ صوتَ الربِّ فقادَهُ اللهُ لمعرفَةِ سببِ المُشكلَةِ ومِن ثَمَّ اقتلاعِهِ مِن وَسَطِ الْجَماعَةِ. حكمَةُ اللهِ تتعامَلُ دوماً مع كنائِسِهِ ورِجالِهِ ونسائِهِ المُخلِصينَ لإرشادِهِم لطُرُقِ النُّهوضِ مِن سَقطاتِ الكِبرياءِ والمصالِحِ الشَّخصِيّةِ.
كيفَ أحافِظُ على دَيمومَةِ الإلغاءِ؟ حينما أحافِظُ على عِلاقَتِي اليوميّةِ الحميمَةِ راسخَةً مع الآبِ السّماوِيِّ وطلَبِي المستَمِرِّ لتبكيتِ الرّوحِ القدُسِ عنِ السّلوكيّاتِ التي تنمو في كِياني إن كانَت بِعلمٍ مِنّي ولم أتّخِذْ إجراءً بحَقِّها أو مِن دونِ عِلمٍ. هذا مِن جهَةٍ أمّا العامِلُ الآخَرُ المُهِمُّ والْجَوهِرِيُّ هو ديمومَةُ نُمُوِّنا لقامَةِ المَسيحِ مِن خلالِ اللَّهجِ بالكلمَةِ، تناوُلِ جَسَدِ المَسيحِ في القدّاسِ الإلهِيِّ بعدَ تقديمِ توبَةٍ حقيقيّةٍ وعميقَةٍ، وعيشِ الإيمانِ العامِلِ بالمحبّةِ الذي يشمَلُ إدامَةَ الصِّلَةِ مع المَرضَى والمُحتاجينَ لِمَن يطمَئِنُّ عليهِم، لأنَّ الرّبَّ سيُقابِلُنا مِن خِلالِهِم ويُبارِكُ مِشوارَ نُمُوِّنا نحوَهُ.
كما أنَّ للأصوامِ فضلاً كبيراً بمشوارِ الإلغاءِ لأنَّنا نُرَوِّضُ الْجَسَدَ لكي يُحَلِّقَ بالرّوحِ فيُبغِضَ الأرضِياتِ... الربُّ يسوعُ أعطانا نفسَهُ مثالاً بكيفيّةِ إلغاءِ الذّاتِ وعدَمِ التّفكيرِ بأيّةِ مصلَحَةٍ شخصِيّةٍ وهو يُتَمِّمُ عملَ اللهِ الآبِ إذ قالَ عنه بولسُ الرّسولُ:
"فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هَذَا الْفِكْرُ الَّذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضاً: الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً لِلَّهِ. لَكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذاً صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِراً فِي شِبْهِ النَّاسِ. وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذَلِكَ رَفَّعَهُ اللهُ أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِاسْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ مِمَّنْ فِي السَّمَاءِ وَمَنْ عَلَى الأَرْضِ وَمَنْ تَحْتَ الأَرْضِ، وَيَعْتَرِفَ كُلُّ لِسَانٍ أَنَّ يَسُوعَ الْمَسِيحَ هُوَ رَبٌّ لِمَجْدِ اللهِ الآبِ". فيلبي ٢: ٥-١١.
مِن هُنا أحِبّائي تحمَّلوا إساءاتِ الآخَرينَ ما دُمتُم تَخدِمونَ الربَّ بمحبَّةٍ، حارِبوا مشاعِرَ الفشلِ لأنَّ الرّبَّ هو المُمسِكُ بِزِمامِ الأمورِ وألغُوا أيّةَ مصلَحَةٍ شَخصِيّةٍ أرضيّةٍ لأنَّ الربَّ يُعِدُّ لكم إكرامًا وأكاليلَ تفوقُ ما سنحصَلُ عليهِ في هذهِ الأرضِ.
توقّعُوا الترقِيَةَ قَريبًا ... ودُمتُم في أمجادِ الملكوتِ.
هل لديك استفسار؟ اكتب لنا رايك على من خلال This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.
لتحميل نسخة من هذا المقال, يرجى الضغظ هنا