المسامحة
-
Hits: 1390
"المسامَحَةُ" – بقلم: ليث مقادسي
نسمعُ منذُ الصِّغَرِ وصايا الرّبِّ يسوعَ ونتلذّذُ بها، بل ونشارِكُها مع غيرِ المسيحيينَ مُفتَخِرينَ بها. قد ننصَحُ بها الآخَرينَ، وقد نكتُبُها على واجهَةِ صفحاتِ مواقِعِ التواصُلِ الاجتماعِيِّ، ولكن سرعانَ ما نفشلُ بتطبيقِ مُعظَمِها حينما نتعرّضُ مثلا لإساءَةٍ مِن أحدِ الأشخاصِ، حيث تنتفِضُ الكرامَةُ الإنسانيّةُ مسكِّتَتَةً صوتَ الرّوحِ القُدُسِ الذي يحاوِلُ في تلكَ الأثناءِ تبكيتَنا على البِرِّ، ولكِنْ بلا جَدوَى.
ما الذي يحصَلُ في أغلَبِ الأحيانِ؟ إننا نحصُرُ تفكيرَنَا بالإساءَةِ وليس ببركَةِ المُسامَحَةِ! إذ قد تتساءَلُ، كيف لي أن أُسامِحَ أحَدَ المقَرَّبينَ الذي جرَحَني جُرحاً عميقاً؟ كيف يمكِنُني نسيانُ تلكَ الإساءَةِ؟ كيف سيُمكِنُنِي إعادَةُ العِلاقَةِ معَهُ وأنا لا أزالُ أتذَكَّرُ ذلكَ الجُرحَ العميقَ؟ جوابي هو: حينما يتغيّرُ محوَرُ تفكيرِكَ مِنَ القِشرَةِ الخارجيّةِ لكِيانِكَ الإنسانِيِّ إلى اهْتِمامِ الرّوحِ. إذن هو تجديدٌ ذِهنِيٌّ ينبَعُ مِن رغبَةٍ بالتمَيُّزِ. إذ قالَ الربُّ يسوعُ، لَهُ المَجدُ:
"إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؟ وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ فَأَيَّ فَضْلٍ تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضاً يَفْعَلُونَ هَكَذَا؟ فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ" متى ٥: ٤٦ – ٤٨. الرّبُّ هنا يَحُثُّنا على الكمالِ حينما نسمحُ للرّوحِ بقيادَةِ زِمامِ الأمورِ، كونُ روحِنا الْجَديدَةِ باتَت مُتّحِدَةً بالرّوحِ القُدُسِ فسأبدأُ بالتّفكيرِ بحسَبِ حكمَةِ المَلَكوتِ.
فالذي سيجرَحُنِي ويُسيءُ لي، والروحُ مهتَمّةٌ بالكَمالِ، فإنّها على الفورِ ستُقنِعُني بأهْمِيَةِ الصّلاةِ من أجلِ ذلك الشّخصِ وانتهارِ الرّوحِ الشّريرَةِ التي قادَتْهُ لتلكَ الإساءَةِ. ولكنّكَ قد تتساءَلُ: ماذا قصدَ الربُّ بالكمالِ؟ هل أن نُصبِحَ كامِلينَ؟ أليسَ الكمالُ للهِ؟ شرحَ لنا الربُّ يسوعُ مفهومَ الكَمالِ في النّصِّ الآتي:
"وَإِذَا وَاحِدٌ تَقَدَّمَ وَقَالَ لَهُ: «أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ أَيَّ صَلاَحٍ أَعْمَلُ لِتَكُونَ لِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ؟» فَقَالَ لَهُ: «لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلاَّ وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ. وَلَكِنْ إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَدْخُلَ الْحَيَاةَ فَاحْفَظِ الْوَصَايَا». قَالَ لَهُ: «أَيَّةَ الْوَصَايَا؟» فَقَالَ يَسُوعُ: «لاَ تَقْتُلْ. لاَ تَزْنِ. لاَ تَسْرِقْ. لاَ تَشْهَدْ بِالزُّورِ. أَكْرِمْ أَبَاكَ وَأُمَّكَ وَأَحِبَّ قَرِيبَكَ كَنَفْسِكَ». قَالَ لَهُ الشَّابُّ: «هَذِهِ كُلُّهَا حَفِظْتُهَا مُنْذُ حَدَاثَتِي. فَمَاذَا يُعْوِزُنِي بَعْدُ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «إِنْ أَرَدْتَ أَنْ تَكُونَ كَامِلاً فَاذْهَبْ وَبِعْ أَمْلاَكَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ وَتَعَالَ اتْبَعْنِي». فَلَمَّا سَمِعَ الشَّابُّ الْكَلِمَةَ مَضَى حَزِيناً لأَنَّهُ كَانَ ذَا أَمْوَالٍ كَثِيرَةٍ. متى ١٩: ١٦-٢٢
الكمالُ ليسَ الدّخولُ للحياةِ الأبديّةِ فَحَسبُ، بَلِ الحُصولُ على مركَزٍ مُهِمٍّ فيها، هو التركيزُ على دعوَةِ اللهِ لِحَياتِنا، والتي تتحقّقُ باتِّباعِنا لِرَبِّ المجدِ يسوعَ المسيحِ. هذا التركيزُ هو اهْتِمامُ الرّوحِ الذي تحدّثَ عنهُ بولُسُ الرّسولُ في النّصِّ الآتي:
"وَإِنَّمَا أَقُولُ: اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهَذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ. وَلَكِنْ إِذَا انْقَدْتُمْ بِالرُّوحِ فَلَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ. وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ: الَّتِي هِيَ زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَامٌ غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هَذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضاً: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هَذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ. وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هَذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ. وَلَكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ فَلْنَسْلُكْ أَيْضاً بِحَسَبِ الرُّوحِ. لاَ نَكُنْ مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنَا بَعْضاً، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضاً". غلاطية ٥: ١٦-٢٦
لذلِكَ، هو سُلوكٌ يومِيٌّ يتجدَّدُ ويتدرّبُ فيه إنسانُنا الْجَديدُ مع الوقتِ فيَقْوَى على القِشرَةِ الخارِجِيّةِ أي شهوَةِ الْجَسَدِ. ما الذي يُعينُنا في مِشوارِ التَّجديدِ؟ جوابي الشخصِيُّ هو: أن نكونَ واقِعِيّينَ مع أنفُسِنا. إذ نسمَعُ الكثيرَ مِنَ القِصَصِ الحياتيّةِ عن أشخاصٍ تخاصَمُوا مع أقرِبائِهِم وعادوا وتصالَحُوا وهم يذرِفونَ الدّموعَ بعدَ سِنينَ طويلَةٍ مِنَ القَطيعَةِ. إنْ سألتَهُمُ اليومَ، لماذا لم تتصالَحُوا مباشَرَةً؟ سيقولون لكَ إنَّ الْجُرحَ كانَ عَميقاً وتطلَّبَ وقتاً للشَّفاءِ. وبعضُهُم أصلاً ليسَ لديهِم جوابٌ.
الوقتُ طالَ لأنّهُم لم يُغَيِّروا موجةَ الاستماعِ، بَلِ اسْتَمَرّوا بتغذِيَةِ وساوِسِ إبليسَ التي أبعَدَتهُم عَنِ الكمالِ، وبالتّالي، فإنّهُم خَسِرُوا الكثيرَ على النِّطاقِ الرّوحِيِّ وإبليسُ يُقنِعُهُم أنَّ هذِهِ مرحَلَةُ شَفاءٍ، بينَما واقِعُ الحالِ يقولُ إنَّكَ لو كنتَ ذَهَبتَ إلى أخيكَ وعاتَبْتَهُ بمحَبَّةٍ وغَفَرتَ له بِغَضِّ النَّظَرِ إنْ كانَ سيُسامِحُكَ أم لا، فإنّكَ ستشفَى، لأنَّ الشَّفاءَ الحقيقِيَّ يُعطيهِ الرّبُّ حَصراً لكُلِّ مَن يتبَعُ خَطَواتِهِ، بينما الإنسانُ السّالِكُ بحَسَبِ الرّوحِ فإنّه سيُلغِي الكبرِياءَ لأنّه يعلَمُ أنّهُ ألَدُّ أعداءِ نُمُوِّهِ نحوَ الكمالِ.
أعرِفُ شَخصاً تعرّضَ لإساءاتٍ شديدَةٍ وعنيفَةٍ مِن شقيقِهِ الأكبَرِ، فلم يتَمَالَكْ نفسَهُ، وهو لا يزال في مرحلَةِ النّمُوِّ الرّوحِيِّ، فضربَ أخاهُ الأكبَرَ واسترَدَّ كرامَتَهُ؛ ولكونِهِ إنساناً يَسعى بجَدٍّ للسُّلوكِ بحسَبِ الرّوحِ، فإنّه نَدِمَ في الحالِ ووقَعَ على أخيهِ وقبّلَهُ واعتذرَ مِنهُ. ولكونِ الفارِقِ في التوجُّهِ كبيراً بينَ الاثنينِ، فإنَّ أخاهُ الأكبرَ لم يُسامِحْهُ. مرّتِ الأيّامُ وهو يُحاوِلُ إرضاءَ أخيهِ، ولكِنْ بلا جَدوى. بعد سِنينَ مِنَ القَطيعَةِ تيسَّرَت فُرصَةٌ للتّواصُلِ عبرَ البريدِ الإلكترونِيِّ، فاستثمَرَ هذهِ الفُرصَةَ وعاوَدَ الاعتذارَ مِن جديدٍ لأخيهِ الأكبرِ بعد أن نَسِيَ إساءاتِ أخيهِ بالأساسِ، وبيّنَ له أنّهُ جاهِزٌ للسّفَرِ إليهِ بعد أن باتوا يسكنونَ في قارّاتٍ مُتباعِدَةٍ وتقبيلِ جَبينِهِ نادِماً عَنِ الذي بدَرَ مِنهُ، ولكِنْ للأسَفِ باءَت محاولاتُهُ بالفشَلِ، لأنَّ أخاهُ الأكبرَ لَمّا يَزَلْ منحَصِراً بالقِشرَةِ الخارجيّةِ ولم يقرَأْ ويفهَمْ رأيَ الرّبِّ يسوعَ بهذا الإطارِ.
هل تَمُرُّ بموقِفٍ مُشابِهٍ؟ هل جرحَكَ أحدُهُم؟ هل ستتعامَلُ مثلَ الأخِ الصّغيرِ الذي نسِيَ إساءاتِ أخيهِ الأكبرِ واعتذَرَ له عَن ردَّةِ فعلِهِ الغيرِ لائقَةٍ؟ أم ستبقى مَحصوراً بكرامَتِكَ الإنسانِيّةِ؟ الأخُ الصّغيرُ كانَ مُدرِكاً تماماً أنَّ عدمَ اعتِذارِهِ ومسامحَتِهِ غيرِ المشروطَةِ لأخيهِ الأكبرِ ستؤثِّرُ سَلباً على عَمَلِ اللهِ مِن خِلالِهِ، لذلِكَ لم يتردّدْ بهذا السّلوكِ؛ أمّا الأخُ الأكبرُ فإنّه لم يُدرِكْ حتى أَلِف باءَ العِلاقَةِ مَعَ اللهِ والواردَةِ في الصّلاةِ الربيَّةِ والتي تشتَرِطُ غُفرانَ اللهِ لِخَطايانا بِغُفراِننا لِخَطايا الآخَرينَ.
هذا الموضوعُ حساسٌ جِدّاً وتحدّثَ عنهُ الرّبُّ يسوعُ حينما سألهُ بُطرسُ قائلا:
"حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: «يَا رَبُّ كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟» قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لاَ أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ. لِذَلِكَ يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ إِنْسَاناً مَلِكاً أَرَادَ أَنْ يُحَاسِبَ عَبِيدَهُ. فَلَمَّا ابْتَدَأَ فِي الْمُحَاسَبَةِ قُدِّمَ إِلَيْهِ وَاحِدٌ مَدْيُونٌ بِعَشْرَةِ آلاَفِ وَزْنَةٍ. وَإِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَا يُوفِي أَمَرَ سَيِّدُهُ أَنْ يُبَاعَ هُوَ وَامْرَأَتُهُ وَأَوْلاَدُهُ وَكُلُّ مَا لَهُ وَيُوفَى الدَّيْنُ. فَخَرَّ الْعَبْدُ وَسَجَدَ لَهُ قَائِلاً: يَا سَيِّدُ تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَتَحَنَّنَ سَيِّدُ ذَلِكَ الْعَبْدِ وَأَطْلَقَهُ وَتَرَكَ لَهُ الدَّيْنَ. وَلَمَّا خَرَجَ ذَلِكَ الْعَبْدُ وَجَدَ وَاحِداً مِنَ الْعَبِيدِ رُفَقَائِهِ كَانَ مَدْيُوناً لَهُ بِمِئَةِ دِينَارٍ فَأَمْسَكَهُ وَأَخَذَ بِعُنُقِهِ قَائِلاً: أَوْفِنِي مَا لِي عَلَيْكَ. فَخَرَّ الْعَبْدُ رَفِيقُهُ عَلَى قَدَمَيْهِ وَطَلَبَ إِلَيْهِ قَائِلاً: تَمَهَّلْ عَلَيَّ فَأُوفِيَكَ الْجَمِيعَ. فَلَمْ يُرِدْ بَلْ مَضَى وَأَلْقَاهُ فِي سِجْنٍ حَتَّى يُوفِيَ الدَّيْنَ. فَلَمَّا رَأَى الْعَبِيدُ رُفَقَاؤُهُ مَا كَانَ حَزِنُوا جِدّاً. وَأَتَوْا وَقَصُّوا عَلَى سَيِّدِهِمْ كُلَّ مَا جَرَى. فَدَعَاهُ حِينَئِذٍ سَيِّدُهُ وَقَالَ لَهُ: أَيُّهَا الْعَبْدُ الشِّرِّيرُ كُلُّ ذَلِكَ الدَّيْنِ تَرَكْتُهُ لَكَ لأَنَّكَ طَلَبْتَ إِلَيَّ. أَفَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّكَ أَنْتَ أَيْضاً تَرْحَمُ الْعَبْدَ رَفِيقَكَ كَمَا رَحِمْتُكَ أَنَا؟. وَغَضِبَ سَيِّدُهُ وَسَلَّمَهُ إِلَى الْمُعَذِّبِينَ حَتَّى يُوفِيَ كُلَّ مَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِ. فَهَكَذَا أَبِي السَّمَاوِيُّ يَفْعَلُ بِكُمْ إِنْ لَمْ تَتْرُكُوا مِنْ قُلُوبِكُمْ كُلُّ وَاحِدٍ لأَخِيهِ زَلَّاتِهِ" متى ١٨: ٢١-٣٥.
الربُّ في هذا الجوابِ يشيرُ علينا بالغُفرانِ والمسامحَةِ على الدّوامِ، أي أن يكونَ نهجَنا اليومِيَّ، لأنَّ العكسَ يُؤذِينا على النّطاقِ الأبَدِي. ما هي الوسائِلُ التي تُعينُكَ في مِشوارِ تجديدِ ذِهنِكَ والسَّمَاحِ للرّوحِ بقيادَةِ دفَّةِ أُمورِ حَياتِكَ؟
-
تذكَّرْ على الدّوامِ أنَّ اللهَ، كملِكٍ للكَونِ، أحَبَّكَ وأَرسَلَ لكَ يسوعَ المسيحَ كي يموتَ عِوَضاً عنكَ وأنتَ لا تزالُ تُخطِئُ إليهِ، فَمَن نحنُ لكي لا نسامِحَ الآخَرينَ؟
-
التركيزُ على الصّلاةِ الربيَّةِ وأنتَ تُرَدِّدُها، وبالتحديدِ هذهِ الْجُملَةِ: "وَﭐغْفِرْ لَنَا خَطَايَانَا لأَنَّنَا نَحْنُ أَيْضاً نَغْفِرُ لِكُلِّ مَنْ يُذْنِبُ إِلَيْنَا". لوقا ١١: ٤.
-
الصلاةُ مِن أجلِ مَلءٍ جديدٍ بالرّوحِ القُدُسِ واستنارَةٍ جديدَةٍ وطلَبٍ يومِيٍّ لقيادَةِ الرّوحِ القُدُسِ لكِيانِكَ.
-
النَّظَرُ للرّبِّ يسوعَ كما بِمِرآةٍ، وسؤالِ نفسِكَ: "لو كانَ الربُّ يسوعُ مكاني هل كانَ سيسامِحُ؟"
لغايَةِ الآنَ قُمنا بالتّركيزِ على موقِفِ المُساءِ لهُ، ولكِنْ في أغلَبِ الأحيانِ يكونُ للاِثنَينِ دَوراً في حُصولِ ذلكَ الخِصامِ، لذلِكَ سأتطرَّقُ الآنَ لموقِفِ المُسيءِ والذي كانَ له دورٌ في حُصولِ هذه القطيعَةِ. دعني أسأَلُكَ: هل تتوفّرُ الْجُرأَةُ بالِاعتذارِ الْجَادِّ إنْ أسَأتَ بالماضي لأحَدِ الأشخاصِ أم تشعُرُ بأنّهُ قد يرفُضُ اعتذارَكَ؟ الربُّ يسوعُ يركّزُ على توجُّهِ القلبِ ويرغَبُ له أن يكونَ نقِيّاً على الدّوامِ كي يستطيعَ رؤيَةَ مَجدِ اللهِ بشكلٍ يومِيٍّ، أي أعمالِ اللهِ مِن خلالِهِ، لذلك لا تنحَصِرُ بما يقولُهُ لكَ الْجَسَدُ بَلِ الرّوحُ، الْجَسَدُ سيُشَكِّكُ بقُبولِ الآخَرِ باعتذارِكَ وسيُهَيِّجُ لديكَ الكِبرياءَ بينَما الرّوحُ ستضعُ أمامَكَ الأكاليلَ المُعَدَّةَ في الملكوتِ لكُلِّ مَنِ اجْتَهَدَ بالمُتاجَرَةِ بوزناتِهِ، أي لم يَضَعْ عائِقاً لِعَمَلِ الرّوحِ القُدُسِ مِن خِلالِهِ.
في أحيانٍ يوضَعُ البعضُ بموقِفٍ مُحرِجٍ يجُرُّهُم لمُسامَحَةِ الآخَرينَ، ولكِنَّ تلكَ المُسامَحَةَ ليست حقيقيّةً بل كانت لإرضاءِ الشّخصِ الوسيطِ، وما أنِ انْتَهَتْ تلكَ المُنَاسَبَةُ إلّا وعادَ الشّخصُ لِعِنادِ الْجَسَدِ، لا تَخضَعْ لما يَقولُهُ لكَ الْجَسَدُ والمنطِقُ البشريُّ، لأنَّ الْجَسَدَ يخضَعُ لحكمَةِ العالَمِ التي وصَفَها يعقوبُ الرّسولُ بأنَّها حِكمَةٌ شيطانِيّةٌ. كلُّ المطلوبِ هو تغييرُ موجَةِ الاستماعِ لحكمَةِ الملكوتِ الوارِدَةِ في الإنجيلِ المُقَدَّسِ. لنقرَأْ ما قالَهُ بولسُ الرّسولُ حولَ كيفِيّةِ تغييرِ طريقَةِ التَّفكيرِ:
فَأَطْلُبُ إِلَيْكُمْ أَيُّهَا الإِخْوَةُ بِرَأْفَةِ اللهِ أَنْ تُقَدِّمُوا أَجْسَادَكُمْ ذَبِيحَةً حَيَّةً مُقَدَّسَةً مَرْضِيَّةً عِنْدَ اللهِ عِبَادَتَكُمُ الْعَقْلِيَّةَ. وَلاَ تُشَاكِلُوا هَذَا الدَّهْرَ بَلْ تَغَيَّرُوا عَنْ شَكْلِكُمْ بِتَجْدِيدِ أَذْهَانِكُمْ لِتَخْتَبِرُوا مَا هِيَ إِرَادَةُ اللهِ الصَّالِحَةُ الْمَرْضِيَّةُ الْكَامِلَةُ. فَإِنِّي أَقُولُ بِالنِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لِي لِكُلِّ مَنْ هُوَ بَيْنَكُمْ: أَنْ لاَ يَرْتَئِيَ فَوْقَ مَا يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَئِيَ بَلْ يَرْتَئِيَ إِلَى التَّعَقُّلِ كَمَا قَسَمَ اللهُ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِقْدَاراً مِنَ الإِيمَانِ. فَإِنَّهُ كَمَا فِي جَسَدٍ وَاحِدٍ لَنَا أَعْضَاءٌ كَثِيرَةٌ وَلَكِنْ لَيْسَ جَمِيعُ الأَعْضَاءِ لَهَا عَمَلٌ وَاحِدٌ هَكَذَا نَحْنُ الْكَثِيرِينَ: جَسَدٌ وَاحِدٌ فِي الْمَسِيحِ وَأَعْضَاءٌ بَعْضاً لِبَعْضٍ كُلُّ وَاحِدٍ لِلآخَرِ. وَلَكِنْ لَنَا مَوَاهِبُ مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ النِّعْمَةِ الْمُعْطَاةِ لَنَا: أَنُبُوَّةٌ فَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الإِيمَانِ أَمْ خِدْمَةٌ فَفِي الْخِدْمَةِ أَمِ الْمُعَلِّمُ فَفِي التَّعْلِيمِ أَمِ الْوَاعِظُ فَفِي الْوَعْظِ الْمُعْطِي فَبِسَخَاءٍ الْمُدَبِّرُ فَبِاجْتِهَادٍ الرَّاحِمُ فَبِسُرُورٍ. اَلْمَحَبَّةُ فَلْتَكُنْ بِلاَ رِيَاءٍ. كُونُوا كَارِهِينَ الشَّرَّ مُلْتَصِقِينَ بِالْخَيْرِ وَادِّينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِالْمَحَبَّةِ الأَخَوِيَّةِ مُقَدِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فِي الْكَرَامَةِ غَيْرَ مُتَكَاسِلِينَ فِي الِاجْتِهَادِ حَارِّينَ فِي الرُّوحِ عَابِدِينَ الرَّبَّ فَرِحِينَ فِي الرَّجَاءِ صَابِرِينَ فِي الضِّيْقِ مُواظِبِينَ عَلَى الصَّلاَةِ مُشْتَرِكِينَ فِي احْتِيَاجَاتِ الْقِدِّيسِينَ عَاكِفِينَ عَلَى إِضَافَةِ الْغُرَبَاءِ. بَارِكُوا عَلَى الَّذِينَ يَضْطَهِدُونَكُمْ. بَارِكُوا وَلاَ تَلْعَنُوا. فَرَحاً مَعَ الْفَرِحِينَ وَبُكَاءً مَعَ الْبَاكِينَ. مُهْتَمِّينَ بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ اهْتِمَاماً وَاحِداً غَيْرَ مُهْتَمِّينَ بِالأُمُورِ الْعَالِيَةِ بَلْ مُنْقَادِينَ إِلَى الْمُتَّضِعِينَ. لاَ تَكُونُوا حُكَمَاءَ عِنْدَ أَنْفُسِكُمْ. لاَ تُجَازُوا أَحَداً عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ. مُعْتَنِينَ بِأُمُورٍ حَسَنَةٍ قُدَّامَ جَمِيعِ النَّاسِ. إِنْ كَانَ مُمْكِناً فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ. لاَ تَنْتَقِمُوا لأَنْفُسِكُمْ أَيُّهَا الأَحِبَّاءُ بَلْ أَعْطُوا مَكَاناً لِلْغَضَبِ لأَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «لِيَ النَّقْمَةُ أَنَا أُجَازِي يَقُولُ الرَّبُّ. فَإِنْ جَاعَ عَدُوُّكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِهِ. لأَنَّكَ إِنْ فَعَلْتَ هَذَا تَجْمَعْ جَمْرَ نَارٍ عَلَى رَأْسِهِ». لاَ يَغْلِبَنَّكَ الشَّرُّ بَلِ اغْلِبِ الشَّرَّ بِالْخَيْرِ. رومية ١٢
هل تحتاجُ صلاةً تُعينُكَ على المسامحَةِ أوِ الاعتذارِ؟ صَلِّ معي إن أردتَ. مبارَكٌ أنتَ يا أبانا السماوِيَّ. يا مَن سامَحتَنا بالمسيحِ يسوعَ وتواضَعتَ وجَلَبْتَنا لِعائِلَتِكَ المقدّسَةِ لنكونَ وارِثينَ في ملكوتِكَ مِن خِلالِ عملِكَ وثمَرِكَ فينا ونحنُ لا نزالُ على الأرضِ. ساعِدْني يا ربُّ على الانتصارِ بكَ على وَساوِسِ إبليسَ وإنسانِيَ القديمِ الّذِينَ يُحاوِلونَ إبعادي عن تلكَ الأمجادِ. أنا أسَلِّمُ لكَ حياتِي وأرغبُ بالسّيرِ معكَ على الدوامِ، وأن يكونَ قلبي نقِيّاً على الدّوامِ. أَعْطِني الْجُرْأَةَ على المسامحَةِ أوِ الاعتذارِ لكي أُظهِرَ محبَّتَكَ وتواضُعَكَ التي تَنَعَّمتَ بها على النِّطاقِ الشّخصِيِّ. آمين.
ودُمتم في أمجادِ الملكوتِ.
هل لديك استفسار؟ اكتب لنا رايك على من خلال This email address is being protected from spambots. You need JavaScript enabled to view it.
لتحميل نسخة من هذا المقال, يرجى الضغظ هنا