-
Hits: 1207
كيف يُقدَّمُ المسيحُ للعالم - بقلم ليث مقادسي
جميعُنا نتّفِقُ أنَّ العالَمَ باتَ محتاجًا لنهضَةِ أبناءِ الملكوتِ وهِمَّتِهِم لغرَضِ تقديمِ المسيحِ بشكلٍ مُعاشٍ. كيف يَتِمُّ الموضوعُ؟ يتِمُّ حينما نتذوّقُ المسيحَ نحنُ أوّلًا، أي نختبرُ فاعليّةَ تلكَ الخليقَةِ الْجَديدَةِ التي تَمَّت وقتَ المعمودِيّةِ، حينَها سيتحقّقُ قولُ بولسَ الرسولِ في كُلِّ مسيحِيٍّ جادٍّ بعيشُ المعمودِيّةَ: "مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي". غلاطية ٢: ٢٠.
ما هو دورُ الكنيسةِ في هذا الاطارِ؟ الكنيسةُ المحليةُ لها دورٌ بشرحِ عُمقِ سِرِّ المعموديّةِ وأسرارِ الكنيسةِ الأخرى، لها دورٌ بإعطاءِ الآباءِ القدّيسينَ قدوَةً للمُؤمنين وَحَثِّهِم على التّمَثُّلِ بسيرتِهِم, لها دورٌ بشرحِ كلمةِ الإنجيلِ المقدّسِ، كما أنَّ طقسَ القداسِ الالِهِّي للكنيسةِ الارثوذكسيّةِ يقدِّمُ جسدَ ودَمَ الربِّ يسوعَ مِن خِلالِ القربانِ المقدّسِ ويُصعِدُ المؤمِنَ إلى عرشِ النّعمَة ليقِفَ أمامَ اللهِ الآبِ، كما أنَّ الكاهنَ له سلطانٌ على حَلِّ المؤمنِ مِن خطاياهُ بعدَ الاعترافِ.
بعضُ الكنائسِ تُقيمُ الرياضاتِ الرّوحيّةَ للشّبابِ ومدارِسِ الأحَدِ، فنلاحِظُ أنَّ الربَّ جعلَ مِنَ الكنيسَةِ مصدرًا مُهِمّا لنُمُوِّنا الروحِيِّ، ولكنّها ليستِ المصدرَ الوحيدَ بل هناكَ جهدٌ شخصِيٌّ مطلوبٌ مِنَ المؤمنِ، عليه بتوليدِ الرغبةِ لإتمامِهِ. ما هو هذا الجهدُ؟ هو عيشُ حياةِ التّسليمِ لقيادَةِ الرّوحِ القدسِ، هو جهدٌ إيمانِيٌّ عميقٌ يتدرّبُ عليه المؤمِنُ مع الوقتِ حينَما يقرأُ حياةَ أناسِ اللهِ القِدّيسينَ ويقرّرُ السيرَ على خطاهُم.
سِفرُ أعمالِ الرسلِ يُسَمَّى أيضاً سفرَ أعمالِ الرّوحِ القدُسِ، كونُ تلاميذِ الربِّ تمَّموا أعمالَ اللهِ مُنقادينَ بالرّوحِ القدُسِ. وهذا هو المطلوبُ مِنّا في هذا اليومِ لتقديمِ المسيحِ بأبهى صورةٍ لأنَّ هذا التقديمَ سيكونُ بحسَبِ إرادَةِ الآبِ. ولكِنْ ما معنى الانقيادُ الكامِلُ بالرّوحِ القدُسِ؟ أي أن تكونَ في مكانٍ وزَمانٍ يُحَدِّدُهُ فقط الروحُ القدُسُ.
قبل أيامٍ أرسَلَني الربُّ بمهمّةٍ روحِيّةٍ إلى جزيرَتَي مالطا وقُبرُصَ، حينما دعاني، لم اهتمَّ كثيراً بمعرفَةِ تفاصيلِ المطلوبِ مِنّي كوني مؤمناً بقيادَةِ الرّوحِ القدسِ. وبالفعلِ في أَحَدِ الأيّامِ وجدتُ نَفسي في مطعَمٍ وأنا لم أكنْ قد قررتُ أن أتناوَلَ وجبةَ عشاءٍ في ذلكَ اليومِ، ولكِنَّ الروحَ القدُسَ كان راغِباً بالحديثِ مع شَخصٍ مُهاجِرٍ مِن ليبيا ولديهِ الكثيرُ مِنَ التّساؤلاتِ برغبَةٍ جادّةٍ في البحثِ، فجلَسنا لما يُقارِبُ السّاعَةَ نتحدّثُ وقمتُ بتزويدِهِ بكتابٍ للصّلاةِ ونصحتُهُ بقراءَةِ الإنجيلِ المقدّسِ.
أما على النِّطاقِ الإنسانِيِّ فقد باركَ اللهُ الكثيرَ مِنَ الأطفالِ اللاجِئينَ بحاجياتٍ مدرسِيّةٍ، كما تم وضعُ كُتَيِّباتِ الصّلاةِ التي كنتُ قد هيَّأتُها مُسبَقاً في مراكِزِ استقبالِ اللّاجِئينَ،كما سيتِمُّ توزيعُها في السُّجونِ والمستشفَياتِ، هذهِ المؤسساتُ لم أكُنْ أعرِفُها قبلَ وصولي لمالطا، ولكِنَّ الربَّ فتحَ الأبوابَ وهيّأَ قلوبَ الأشخاصِ المناسِبينَ وتمّت مشيئَةُ الروحِ القدُسِ.
هلِ اكتَفَى الربُّ بهذا المقدارِ؟ كلا بل باركَ الكثيرَ مِن سكانِ مالطا بكُتَيِّباتِ صلاةٍ باللّغَةِ الإنجليزيّةِ وحديثٍ شخصِيٍّ مع الكثيرينَ. اِحدَى النساءِ التي التقيتُها ذكَّرَتني بالمرأةِ السّامِرِيّةِ بطريقَةِ سؤالِها عَنِ الكثيرِ مِنَ الأمورِ الإيمانيّةِ واقتِناعِها لاحقاً إذ قامَت بأخذِ كُتَيِّبِ الصّلاةِ ووعدَتني بقراءَةِ الكتابِ المقدّسِ.
أمّا في قُبرُصَ فكانَ للربِّ موعدٌ مع اثنَينِ مِنَ الشّبابِ السَّعودِيّينَ الذينَ كانوا يَرومونَ زيارَةَ اِحدى الكنائسِ في لارنَكا وأنا كنتُ خارِجاً مِنها. بالتأكيدِ هذِهِ ليسَت صدفَةً، بل هو ترتيبُ الرّوحِ القُدُسِ، فقُمتُ بتعريفِ نَفسي لهم بعدَما سمِعتُهُم يتكلّمونَ العربيّةَ وتمَّت مشيئَةُ الربِّ بأن يسمَعُوا مِنَ الروحِ القدُسِ لِمَا يُقارِبُ نصفَ ساعَةٍ عن تفاصيلَ مهمّةٍ عنِ الإيمانِ المسيحِيّ.
أفرحُ كثيراً حينَما يُرسِلُني الروحُ القدُسُ لمكانٍ وأنا لم أخَطِّطْ لما سأفعلُهُ هناك لكي لا يُصيبَني الغُرورُ لاحقاً بما أنجَزتُ، بل أرى دوماً أنَّ كُلَّ تخطيطٍ مُسبَقٍ أقومُ به لا ينجَحُ بَلِ الربُّ يصنَعُ الموضوعَ بطريقتِهِ الـمُعجِزِيّةِ. مثلُ هكذا إرسالياتٍ لا تزالُ جديدَةً جدّاً على أبناءِ هذا الْجيلِ، بل وعلى كنائِسِنا للأسَفِ، بينما هي جوهَرُ إرساليّةِ كُلِّ مَسيحِيٍّ.
تقديمُنا للربِّ بهذه الطريقَةِ لا يُلغي تقديمَنا له مِن خِلالِ إظهارِ ثِمارِ الرّوحِ القدُسِ بل كُلُّ شخصٍ يقدِّمُ المسيحَ بحسَبِ الوزناتِ المؤتَمَنِ عليها، ولكنَّ التّعمُّقَ بالكلمةِ وأن نكونَ جاهزينَ لمجاوَبَةِ كُلِّ مَن يسأَلُنا عن سبَبِ الرّجاءِ الذي لدَينا هو أمرٌ يجبُ أن يتحَلّى بهِ كُلُّ مسيحِيٍّ. إذ نقرأُ عن استفانوسَ كيف كانَ يخدِمُ الموائِدَ، ولكنّه كانَ مملوءً مِنَ الإيمانِ والرّوحِ القُدُسِ ومقتَدِراً بتقديمِ الرّبِّ يسوعَ للآخَرينَ.
الحاجةُ باتت ملِحّةً لمثلِ هكذا تقديمٍ كونُ الذئابِ الخاطفَةِ باتت كثيرةً كشهودِ يهوَهَ وغيرِهِم، لأنَّ اللهَ سيُحاسِبُنا إن لم نذهَبْ ونُبَشِّرْ بكلمَةِ الإنجيلِ النقيّةِ بحسبِ ترتيبِ الروحِ القدُسِ لأنَّ الربَّ يفرحُ بهكذا أبناءٍ للملكوتِ كما فَرِحَ بِابنِهِ يسوعَ الذي كانَ يجولُ بين الناسِ يقدّمُ لهمُ المسيحَ الـمُتَّحِدَ بِه وأعطانا نفسَهُ مِثالا لكي نتبعَ خطواتِهِ. إذ يقولُ الربُّ عنِ المبشّرينَ: "مَا أَجْمَلَ عَلَى الْجِبَالِ قَدَمَيِ الْمُبَشِّرِ الْمُخْبِرِ بِالسَّلاَمِ الْمُبَشِّرِ بِالْخَيْرِ الْمُخْبِرِ بِالْخَلاَصِ الْقَائِلِ لِصِهْيَوْنَ: «قَدْ مَلَكَ إِلَهُكِ!»" اشعياء ٥٢: ٧.
ولكنّكَ قد تتساءَلُ كيف لي أن أذهَبَ للعالَمِ وأبشِّرَهُم وأنا لستُ ضَليعًا بالكلمَةِ؟ الْجَوابُ هو: لا يُمكِنُ !كونُكَ بحاجَةِ للقراءَةِ والفَهمِ والتّطبيقِ. وهذا جهدٌ ليسَ بالهَيِّنِ، ولكِنَّ أكاليلَهُ عظيمَةٌ وَاعلَمْ أنّه شيءٌ مطلوبٌ بإلحاحٍ مِن قِبَلِ الملكوتِ، إذ قال الربُّ: «ﭐلْحَصَادُ كَثِيرٌ وَلَكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ». متى ٩: ٣٧-٣٨
نشكرُ الربَّ أنَّ الكنائِسَ بصورَةٍ عامّةٍ باتَت مُدرِكَةً أهمِيَةَ تشجيعِ العِلمانِيّينَ في حقلِ تعليمِ الكلمَةِ والوعظِ كما حصلَ مع مار أفرامَ السرياني الذي لم يكُن كاهِناً بل شماسًا، ولكنّه كانَ مُنقادًا بالرّوحِ القدُسِ لإتمامِ إرادَةِ الآبِ، بل حتى قامَ بتفسيرِ الكتابِ المقدّسِ. لذلك عزيزي المستمِعَ المسيحِيَّ، لا تستَهِنْ بقُدراتِكَ، فأنتَ مشروعُ تلميذٍ لِرَبِّ المجدِ كونُ العالَمِ محتاجاً لكَ والربُّ يسوعُ يطرُقُ أبوابَ قلبِكَ ليُعطيكَ بدايَةً جديدَةً لمشوارِ العمَلِ في حقلِهِ العظيم.
باتَ الكثيرون يقضونَ أوقاتاً طويلةً وهم يتابعونَ الفيسبوك، الأخبارَ وأموراً ليست مهِمّةً كأهمِيَةِ النمُوِّ بالكلمَةِ، والعُمرُ يمضي وهُم يدفُنونَ أعظَمَ جوهرَةٍ أبدِيّةٍ. لذلك كُنْ مِنَ الحكَماءِ وابحَثْ عن كُلِّ عمَلٍ يرغَبُ الروحُ القدُسُ إتمامَهُ مِن خِلالِكَ لأنَّ الربَّ يسوعَ قالَ: "طَعَامِي أَنْ أَعْمَلَ مَشِيئَةَ الَّذِي أَرْسَلَنِي وَأُتَمِّمَ عَمَلَهُ". يوحنا ٤: ٣٤. ونحنُ مَدعُوّونَ مُسحاءَ والربُّ كانَ يجولُ يصنَعُ خيراً ويشرَحُ فِكرَ الملكوتِ ويحرّرُ ويَشفِي.
كيف سينظُرُ العالَمُ لكَ الناسُ إليكَ؟ سينظُرونَ بتعجُّبِ لأنُّهم يُشاهدونَ تلميذاً جديداً لربِّ المجدِ مِن أبناءِ هذا الْجيلِ. اليومَ كنتُ أتمشّى في لارنَكا - قُبرُصَ والتقيتُ امرأَةً فيلبينيّةً تعمَلُ في محلٍّ لبيعِ الهدايا، هذا المحلُّ يحوي شيئينِ مُتناقِضَينِ، يحوي في جِهَةٍ صُوَرَ وموادَّ مسيحيّةً ومِنَ الْجِهَةِ الأخرى الخَرَزَ الزّرقاءَ! فشرحتُ لها عن خُطورَةِ هذا الخليطِ، فاعتَذَرَت وقالت إنَّ صاحِبَ المحلِّ صنعَ هذا فطلبتُ مِنها أن تصَلِّيَ مِن أجلِهِ وحدَّثتُها عَنِ الربِّ وأعطَيتُها كُتَيِّبَ الصَّلاةِ، فطلبَت مِني وأنا أخرُجُ أن أُصَلِّيَ مِن أجلِها.
أنا متأكِّدٌ أنها لم تسمَعْ هذا الكلامَ مِن قبلُ. مِن هنا تأثَّرَت بقُوَّةِ الروحِ القدسِ المبَكِّتَةِ وطلبَت مِني أن أصلّيَ مِن أجلِها. لذلِكَ، العالَمُ مُحتاجٌ لكُم أحبّائِيَ المسيحيّينَ أبناءَ هذا الْجيلِ لأنَّ العالَمَ ينحَدِرُ بسُرعَةٍ شديدَةٍ، ونحنُ موجودونَ مِلحًا ونورًا يُحدِثُ فَرقا بقُوّةِ مَسحَةِ الرّوحِ القُدُسِ.
ما الذي سيحصَلُ إن لم نتَمِّمْ إرساليّةَ الربِّ القائلَةِ: "ﭐذْهَبُوا إِلَى الْعَالَمِ أَجْمَعَ وَاكْرِزُوا بِالإِنْجِيلِ لِلْخَلِيقَةِ كُلِّهَا. مرقس ١٦: ١٥"؟ الْجَوابُ إنّهُ سيُرسِلُ آخَرينَ، لأنَّ الربَّ لا يترُكُ نفسَهُ بلا شاهِدٍ، وهو بدعوَتِهِ لنا يرغبُ بمباركَتِنا بأكاليلَ أبديّةٍ، إذ أوصانا قائلا: "لاَ تَكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً عَلَى الأَرْضِ حَيْثُ يُفْسِدُ السُّوسُ وَالصَّدَأُ وَحَيْثُ يَنْقُبُ السَّارِقُونَ وَيَسْرِقُونَ. بَلِ اكْنِزُوا لَكُمْ كُنُوزاً فِي السَّمَاءِ حَيْثُ لاَ يُفْسِدُ سُوسٌ وَلاَ صَدَأٌ وَحَيْثُ لاَ يَنْقُبُ سَارِقُونَ وَلاَ يَسْرِقُونَ. لأَنَّهُ حَيْثُ يَكُونُ كَنْزُكَ هُنَاكَ يَكُونُ قَلْبُكَ أَيْضاً". متى ٦: ١٩-٢١
هذه الإرساليّةُ موجَّهةٌ لكُلِّ مسيحِيٍّ مِن دونِ استِثناءٍ، وهي دعوَةٌ لِتَركِ العالَمِ واتِّباعِ الرّبِّ مِن كُلِّ القلبِ مُنقادينَ بالرّوحِ القدُسِ. قد يبدو الموضوعُ صعباً جدّاً وسيَحرِمُنا مِنَ الكثيرِ، ولكِنَّ خِبرَتي الشّخصيّةَ عزيزي المستمِعَ، بَيَّنَت ليَ العكسَ تماماً. فالرّبُّ مُهتَمٌّ بكُلِّ خصوصِيّاتي وأنا أتمّمُ إرادَتَهُ، بل وحتّى لا يرغَبُ لي بالتّفكيرِ كثيراً لأنّهُ وعَدَ وقالَ إنَّ حِملَهُ خفيفٌ كونُه هو مَن يحمِلَ الْجُزءَ الأثقَلَ مِن أعباءِ الِخدمَةِ.
حينما قررتُ السّفَرَ إلى مالطا وقُبرُصَ وضعَ الربُّ في قلبي استِئجارَ سيارَةٍ لفترَةِ تواجُدِي، فقمتُ بذلك مع عِلمي أنَّ نِظامَ قيادَةِ السيّارة هناك مثلَ المملكَةِ المتحدَةِ، أي عكسَ ما أنا مُعتادٌ عليه، فابتدأ الخوفُ ينتابُني لاحقاً كوني لم أُجَرّبْ قيادَةَ سيارة بطريقَةٍ معاكسةٍ، ولكِنَّ صوتَ الربِّ كان دائماً يؤكِّدُ أنّه هو مَن سيقودُها وليسَ أنا. فآمنتُ وحصَلَ بالفعلِ هذا الشيءُ، فلم أجِد أيَّ صعوبَةٍ، بل قمتُ بقيادَةِ السيارةِ وكأني متمرّسٌ عليها.
فنلاحظُ قوّةَ عملِ الرّوحِ القدسِ ليسَ بأتمامِ الإرساليّةِ فحسبُ، بلِ الاعتناءُ بخصوصيّاتِ الخادِمِ لِيَصدُقَ قولُ الربِّ ونعيشَ كلمَةَ الإنجيلِ فَنُصبِحَ نحنُ إنجيلاً للآخَرينَ. هلِ الربُّ يكتفي بهذا؟ كلا أحبّائي، بل هو يصقلُ كِيانَنا الأنسانِيَّ ويجدّدُ ذِهنَنا ويغمُرُنا بالكثيرِ مِنَ الخِبراتِ الرّوحيّةِ ونحنُ نتمّمُ كلَّ إرساليّةٍ، إذ هو لا يدورُ في دوائِرَ بل في كلِّ مرةٍ يتعاملُ معَنا بأسلوبٍ جديدٍ ومُشَوِّقٍ.
في هذا اليومِ وأنا لا أزالُ في قُبرُصَ كنتُ ذاهِباً لشِراءِ حاجَةٍ لابْنَتِي، فلاحَظتُ حماسَ صاحبَةِ المحلِّ وهي تتحدّثُ معي بالانجليزيّةِ بشكلٍ جيّدٍ. فسألتُها: "هل تقرَأينَ الإنجليزيّةَ؟ فقالت استطيعُ ولكني قد أتعثَّرُ ببعضِ الكلماتِ. فنصحتُها باستخدامِ موقِعِ التّرجَمةِ المتوفِّر مِن قبلِ جوجل.
غايتي من هذا السؤال هو أنّه كانَ باقِياً لدَيَّ نسخَتَينِ مِن كتابٍ يتحدّثُ عن كيفيّةِ التّقَوِّي بالرّبِّ بعدَ فُقدانِ شخصٍ عزيزٍ، فأعطيتُها نسخَةً وشرحتُ لها عنه ففرِحَت كثيراً وأخبَرَتني أنَّ ابنَتَها فقدَت زوجَها مؤَخَّراً وأنّهم بحاجَةٍ ماسّةٍ لمثلِ هكذا تعزيَةٍ فقمتُ بإعطائِها النّسخَتَينِ.
هل هذه صدفَةٌ؟ كلا أحِبّائي، بل هو عملُ الرّوحِ القدُسِ الذي يعلَمُ لمن يُرسِلُني ومَن هو المحتاجُ للتّعزِيَةِ. قَبلَ لِقائي بهذِهِ المرأةِ التقيتُ مجموعَةً مِنَ الشّبابِ الأمريكانِ القادِمينَ للدّراسَةِ في قُبرصَ، فوجَّهَني الربُّ أن أذهبَ إلى سيّارتي وأَجلِبَ كلَّ ما لدَيَّ مِن كُتَيِّباتٍ، وبالفعلِ تحدّثتُ معهُم وكانَ كلُّ واحِدٍ متلهّفاً لاقتناءِ نُسخَتِهِ. الاحتياجُ كبيرٌ أحِبّائي وطوبى لكُلِّ مَن هَيَّأَ قلبَهُ للعمَلِ مع الرب ِّكونُ إلهِنا محِبّاً ويرغبُ أن يكونَ قريباً منَ الكثيرينَ مِن خلالِ تلاميذِهِ.
هل سيكونُ هناك رافِضونَ؟ بالتأكيدِ نعم، ولكِنَّ عدَدَهُم لا يُقارَنُ بالمتجاوِبينَ. إذِ التَقَيتُ بأحَدِ الأشخاصِ العرَبِ المـُهاجِرينَ إلى قُبرُصَ قبلَ أكثرَ مِن عِشرينَ سنَةً، وتحدّثنا قليلاً عن أمورٍ عامّةٍ وبعدَها سألتُهُ إن كانَ لديهِ أيُّ استِفسارٍ عن الإيمانِ المسيحِيِّ خاصّةً أنّه مُسلِمٌ ويعيشُ في منطقةٍ أرثوذوكسِيَّةٍ، فبيّن لي أنّه تساءَلَ في الماضِي ولم يَعُدْ يسأَلُ مجدّداً وباتَ مُقتنِعاً بإيمانِه فلاحظتُ عليه علاماتِ الرّفضِ المطلَقِ.
أنا مُؤمِنٌ أنّه كانَ لديه الكثيرُ مِنَ التّساؤلاتِ ولكنّهُ لسببٍ ما فقَدَ فُرصَةً عظيمَةً تتمثّلُ بزيارَةِ الرّوحِ القدُسِ له شَخصِيّاً راغِباً بالحديثِ معَهُ. عن هؤلاءِ قالَ الربُّ: "وَكُلُّ مَنْ لاَ يَقْبَلُكُمْ وَلاَ يَسْمَعُ لَكُمْ فَاخْرُجُوا مِنْ هُنَاكَ وَانْفُضُوا التُّرَابَ الَّذِي تَحْتَ أَرْجُلِكُمْ شَهَادَةً عَلَيْهِمْ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: سَتَكُونُ لأَرْضِ سَدُومَ وَعَمُورَةَ يَوْمَ الدِّينِ حَالَةٌ أَكْثَرُ احْتِمَالاً مِمَّا لِتِلْكَ الْمَدِينَةِ". مرقس ٦: ١١
لذلك نصيحَتِي الشّخصِيّةُ أن لا تنظُرُوا لِضَعفاتِكُم ومَحدودِيّاتِكُم بل لعظَمَةِ الرّوحِ القدُسِ المتّحِدِ بكُم. اِنسُوا ما هو وراءُ وامتدّوا للأمامِ ودَعُوا الربَّ يفاجِئُكُم يومِيًّا بأعمالٍ تُفرِحَ قُلوبَكُم وقلبَ الآبِ، ولكِنْ كونوا مُؤَسَّسينَ على الإيمانِ الرّصينِ المستمَدِّ مِنَ الآباءِ القِدّيسينَ وكلامِ ربِّنا يسوعَ المسيحِ.
إلى أن يحينَ موعِدُ لقائِنا المقبِلِ، لكم مِنّي كُلَّ الحبِّ.