-
Hits: 1206
عمِّق طلَبَكَ - بقلم ليث مقادسي
هناكَ الكثيرُ من الاحتياجاتِ التي تظهرُ أمامَ الإنسانِ منذُ نعومَةِ اظفارِهِ، منها ما هو معنوِيٌّ، مادّيٌّ وروحِيٌّ، ولكنْ ماذا عنكَ عزيزي المستمِعَ، ما الذي تحتاجُهُ في هذهِ الحياةِ؟ هل هناكَ شيءٌ محدّدٌ قد فكّرتَ فيه ووضعتَ جُهودَكَ وطاقاتِكَ لاِقتنائِهِ؟ هل أخذتَ المَشُورَةَ مِن احَدِ الحُكماءِ فيما يخصُّ تلكَ الحاجَةَ؟ وهل هي بالفعلِ حاجَةٌ أم رغبَةٌ؟
الكثيرُ يخلُطونَ بينَ الحاجةِ والرغبَةِ، ولكِنْ حتى الرغبةُ إن كانت ستؤولُ لِبِنائِنا الرّوحِيِّ فإنَّ اللهَ سيُؤَمِّنُها لنا. هلِ اللهُ يعلمُ باحتياجاتِكَ الحاليّةِ؟ قالَ ربُّ المجدِ لتلاميذِهِ "23وَفِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لاَ تَسْأَلُونَنِي شَيْئاً. اَلْحَقَّ الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كُلَّ مَا طَلَبْتُمْ مِنَ الآبِ بِاسْمِي يُعْطِيكُمْ. 24إِلَى الآنَ لَمْ تَطْلُبُوا شَيْئاً بِاسْمِي. اُطْلُبُوا تَأْخُذُوا لِيَكُونَ فَرَحُكُمْ كَامِلاً". يوحنا ١٦: ٢٣-٢٤. نُلاحِظُ أنَّ الربَّ يرغبُ لتلاميذِهِ أن يكونوا فَرِحينَ ومتنَعِّمينَ ببركاتِهِ وسلامِهِ، لماذا؟ لأنَّ التلميذَ سيكونُ محارِبًا مِن أجنادِ الشرِّ الروحيةِ وحجمِ الضّغوطاتِ اليوميّةِ؛ وأعباءُ الخدمَةِ ستكونُ كبيرةً جدّاً؛ لذلكَ الربُّ يهمِسُ له قائلا: "أَعطِنِي حِملَكَ، لأنّنا نشتَرِكُ بنفسِ النِّيرِ فلا داعِيَ لحَملِهِ بِنَفسِكَ"
ما الّذي يجعَلُني أشُكُّ باستجابَتِهِ؟ هناكَ أسبابٌ عديدةٌ أهمُّها الاستماعُ لصوتِ عدُوِّ الخيرِ وتصديقِهِ مما يُضعِفُ إيماني، الخوفُ مِنَ الأجواءِ المُحيطَةِ كأنْ يكونَ المرَضُ الذي أطلُبُ له الشَّفاءَ معقّداً جدّاً أو فردُ العائلةِ الذي أصلّي مِن أجلِهِ قد وصلَ لمنحَدَرٍ شديدٍ؛ كما يشعُرُ البعضُ بعدَمِ الأهليّةِ في تحقيقِ طلَبِهِم، كأنْ يكونوا قدِ ابْتَعَدوا عنِ اللهِ وانغمَسُوا كثيراً بالخطيئةِ؛ لكُلِّ هؤلاءِ أقولُ: "إنْ تقدّمتَ إلى اللهِ الآبِ بتوبَةٍ صارخاً بِاسْمِ الربِّ يسوعَ عاقِداً العزمَ على التّغيُّرِ، متجاوِزاً الخوفَ والشكَّ مُنصِتاً لصوتِ الربِّ حصراً، فاعلَمْ أنَّ الربَّ سيتفاعَلُ معكَ بكُلِّ محبّةٍ"
ولكنْ يسألُ سائلٌ، كيفَ يستجيبُ اللهُ لطلِباتي؟ الربُّ يستجيبُ بحسبِ حكمتِهِ وتوقيتِهِ، وأحياناً استجابتُه غيرُ متوقَّعةٍ، متى؟ حينما نطلُبُ أموراً خاطئَةً مُعتقِدين أنّها صحيحَةٌ أو نطلبُ أموراً ليس في وقتِها أو نطلبُ أموراً ليست بحسبِ خُطّتِهِ لتمجيدِنا، نعم عزيزي، الربُّ راغِبٌ بتمجيدِكَ على النّطاقِ الأبدِيِّ وهذا الشيءُ لا يخلو منَ الألمِ الْجَسَدِيِّ أوِ المَعنَوِيِّ، ولكِنَّ أفضلَ توجُّهٍ نتقدّمُ به ونضمنُ الحصولَ على استجابَةٍ هو حينما نطلُبُ الْجَانِبَ الأبدِيَّ مِنَ الطلَبِ الوقتِيِّ. أُعطي مثالاً: المريضُ الراغبُ بالشَّفاءِ يحصلُ على استجابَةٍ عظيمَةٍ حينما يقولُ للربِّ، كيف لي أن أصنعَ مشيئَتَكَ وأكونَ سببَ بركةٍ للكثيرينَ مِن خِلالِ هذا المرضِ؟ هنا المريضُ يجلِبُ ملكوتَ اللهِ وبِرَّهِ مؤمِّناً شَفاءَهُ الْجَسَدِيَّ إن كانَ بحسبِ مشيئَةِ اللهِ فإنّه سيتِمُّ بوقتِه وإن كانَ سيبقى مريضاً فاللهُ سيُعطيهِ نِعمَةً على تحمُّلِهِ.
كما قد يعودُ ويسألُ، ما هي أنواعُ الطّلِباتِ التي يتفاعَلُ معها الربُّ بسرعةٍ؟ هي تلك الطّلِباتُ الصادرةُ من قلوبٍ نادمةٍ وتائبةٍ وعاقدةٍ العزمَ على عدمِ العودةِ لحياةِ الخطيئةِ بعد تحقُّقِ الطّلَبِ، لأنَّ الإنسانَ المسيحِيَّ الحقيقيَّ قد أدركَ أنَّ العالمَ الأرضِيَّ هو محطةٌ للعبورِ للعالمِ الأبديِّ، لذلك، أيُّ احتياجٍ هو فقط لغرضِ إتمامِ مشيئةِ اللهِ مِن خلالِنا؛ فحينما أفكّرُ بشراءِ بيتٍ جديدٍ، ما هي غايتي الأولى؟ لتكُن غايتُنا تمجيدُ اسمِ الربِّ فيه، فالبعضُ يجتمعونَ في البيوتِ للصلاةِ، البعضُ ابتدأوا محطاتٍ تلفزيونيةً أو إذاعيّةً مسيحيةً مِن بُيوتِهِم والقائمةُ تطولُ، فإذا اجتهَدنا بالبحثِ عمّا موجودٌ في قلبِ اللهِ تُجاهَنا وصارَ هو لذَّتُنا حينها الطلباتُ ستكونُ مؤمَّنَةً بوَفرَةٍ.
ولكنك قد تتساءَلُ، كيفُ أتدربُ على تعميقِ طَلِباتي؟ حينما أكونُ حساساً لعملِ اللهِ في حياتي بالأمورِ اليوميةِ، اللهُ يعملُ بحياةِ الكثيرينَ، ولكنَّ الغالبيةَ الساحقةَ عُميانٌ روحياً فينسُبونَ تحقُّقِ تلكَ الأشياءِ لذكائِهِم، للحظِّ أو للصدفةِ، أمّا المؤمنُ الثابتُ بالربِّ فهذا يستطيعُ جلبَ المسيحِ معه في أتونِ النارِ الذي رماهُ فيه العدوُّ كما حصلَ لأصدقاءِ دانيالَ، كيف؟ لأنهم استجمعوا كافّةَ تعامُلاتِ الربِّ في حياتِهِم أثناءَ إصدارِ نبوخذنصرُ حكمَهُ بموتِهِم، حينما رفضوا السجودَ له، فصرخوا بوجهِه قائلين: [يَا نَبُوخَذْنَصَّرُ لاَ يَلْزَمُنَا أَنْ نُجِيبَكَ عَنْ هَذَا الأَمْرِ. 17هُوَذَا يُوجَدُ إِلَهُنَا الَّذِي نَعْبُدُهُ يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنَجِّيَنَا مِنْ أَتُونِ النَّارِ الْمُتَّقِدَةِ وَأَنْ يُنْقِذَنَا مِنْ يَدِكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ. 18وَإِلاَّ فَلْيَكُنْ مَعْلُوماً لَكَ أَيُّهَا الْمَلِكُ أَنَّنَا لاَ نَعْبُدُ آلِهَتَكَ وَلاَ نَسْجُدُ لِتِمْثَالِ الذَّهَبِ الَّذِي نَصَبْتَهُ]. دانيال ٣: ١٦-١٨ هؤلاءِ عمّقوا طلبَهُم فحصلوا على بركةِ اللقاءِ مع المسيحِ. حاوِل أن تكونَ غايةُ كلِّ عمقٍ هو لقاءٌ جديدٌ معه.
قد يتبادرُ لذِهنِكَ السؤالُ التالي: هل هناكَ طلبٌ يصعُبُ تحقيقُه مِن قبلِ الربِّ؟ نعم، الطّلِباتُ الخاطئةُ. أحياناً نطلبُ طَلِباتٍ تبدُو لنا صحيحةً بحسبِ المنطقِ البشريِّ، لكنْ بحسبِ فِكرِ الملكوتِ فإنها ستُؤْذي نُمُوَّنا الروحيَّ وبالتالي عملَ اللهِ مِن خِلالِنا، والربُّ بمحبّتِهِ يمتنِعُ عن تلبِيَتها، كما يصعُبُ على الربِّ تحقيقُ طَلِباتٍ صادرةٍ مِن قلوبٍ غيرِ مؤمنةٍ إذ أنَّ الربَّ كان تائقاً لعملِ الكثيرِ من القواتِ بين أهلِهِ، ولكِنْ يُخبِرُنا الكتابُ أنّه لم يصنعْ قواتٍ كثيرةً لعدمِ إيمانِهِم، لذلك معرفتُنا لفكرِ اللهِ وطلبِ الأشياءِ التي يرغَبُها لنا بأيمانٍ راسخٍ سيجلِبُ أعظمَ النتائجِ.
الربُّ يسوعُ المسيحِ هو نبعُ البركاتِ، فكلُّ مَن يتقدمُ له بأيمانٍ راسخٍ وثابتٍ فإنّه لن يُخزَى، مثلُ نازفَةِ الدَّمِ التي قالت: "«إِنْ مَسَسْتُ ثَوْبَهُ فَقَطْ شُفِيتُ». فَالْتَفَتَ يَسُوعُ وَأَبْصَرَهَا فَقَالَ: «ثِقِي يَا ابْنَةُ. إِيمَانُكِ قَدْ شَفَاكِ». فَشُفِيَتِ الْمَرْأَةُ مِنْ تِلْكَ السَّاعَةِ". متى ٩: ٢١-٢٢. نلاحِظُ في هذا الإيمانِ أنَّ المفتاحَ هو الإيمانُ الراسخُ. هل مشكلتُكَ أكبرُ مِن مشكلةِ هذِه المرأةِ؟ هل طالَ الزّمانُ وأنتَ تُصَلّي؟ اُنطُق في هذا اليومِ "سأبحثُ عن يسوعَ وما أن تلامَستُ معهُ فإنَّ طلَبِي سيتحقّقُ إن كانَ بحسَبِ مشيئَتِهِ وتوقيتِه"
ولكن يسألُ أحدُهُم، متى يفرحُ الربُّ كثيراً وهو يُلَبّي حاجَتَنا؟ بصورةٍ عامّةٍ هو دائماً فرحانٌ بتأمينِ احتياجاتِنا ولكنَّ الذي يُفرِحُهُ أكثرَ هو القلوبُ المؤمنَةُ بشدّةٍ والأشخاصُ الذين قد توجّهوا لتعزيةِ الآخَرينَ مِمّن يمُرّونَ بنفسِ ضيقَتِهِم، أي تناسُوا ضيقَتَهُم وباتَ همُّهُم إظهارَ المسيحِ لهؤلاءِ الأصاغرِ مِن خلالِ رِعايَتِهِم، تطبيبَ جِراحاتِهِم وتقويتَهُم بكلمةِ الإنجيلِ، حينها الربُّ سيؤَمِّنُ احتياجَهُم حتى مِن دونِ أن يسألوا، كما أنَّ الربَّ يفرحُ حينما يشاهدُ أولادَهُ وبناتَهُ يخوضونَ التجربةَ بفرحٍ عالمينَ أنها شيءٌ وقتيُّ مقارنةً بالأمجادِ الأبديّةِ، إذَن لِنَسعَ دوماً لجعلِ الربِّ فَرِحاً بنا على الدوامِ.
قد تتساءَلُ، هل محبةُ اللهِ لنا متغيرةٌ؟ الْجَوابُ أبداً، محبتُه لنا غيرُ مشروطةٍ بسلوكياتِنا، فهي دوماً متدفقةٌ ولكنّه يحزَنُ مِنَ السّلوكياتِ التي لا تُمَجِّدُ اسمَ اللهِ الآبِ، فهو أحبَّنا ونحنُ بعدُ خُطاةٌ كما أحبَّ القاتِلَ والزانيَةَ ولكنَّ محبّتَهُ يجبُ أن تُقابَلَ بردِّ الْجَميلِ والتغَيُّرِ بها لكي تعملَ في حياتِنا، إذ تحدّثَ بولسُ الرسولُ قائلا: "1وَأَنْتُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَمْوَاتاً بِالذُّنُوبِ وَالْخَطَايَا، 2الَّتِي سَلَكْتُمْ فِيهَا قَبْلاً حَسَبَ دَهْرِ هَذَا الْعَالَمِ، حَسَبَ رَئِيسِ سُلْطَانِ الْهَوَاءِ، الرُّوحِ الَّذِي يَعْمَلُ الآنَ فِي أَبْنَاءِ الْمَعْصِيَةِ، 3الَّذِينَ نَحْنُ أَيْضاً جَمِيعاً تَصَرَّفْنَا قَبْلاً بَيْنَهُمْ فِي شَهَوَاتِ جَسَدِنَا، عَامِلِينَ مَشِيئَاتِ الْجَسَدِ وَالأَفْكَارِ، وَكُنَّا بِالطَّبِيعَةِ أَبْنَاءَ الْغَضَبِ كَالْبَاقِينَ أَيْضاً، 4اَللهُ الَّذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي أَحَبَّنَا بِهَا، 5وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ - بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ - 6وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ، 7لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الْفَائِقَ بِاللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ. 8لأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالإِيمَانِ، وَذَلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللهِ. 9لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلاَ يَفْتَخِرَ أَحَدٌ. 10لأَنَّنَا نَحْنُ عَمَلُهُ، مَخْلُوقِينَ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ لأَعْمَالٍ صَالِحَةٍ، قَدْ سَبَقَ اللهُ فَأَعَدَّهَا لِكَيْ نَسْلُكَ فِيهَا". افسس ٢: ١-١٠
دعني اسألُكَ عزيزي المستمِعَ، هل محبّتُكَ للربِّ متغيّرَةٌ أم ثابتَةٌ؟ هل هي دائماً بنفسِ الشدّةِ أم بتزايُدٍ؟ لأنَّ تزايُدَ محبَّتِكَ له هو دليلٌ على استقبالِكَ المِثالِيِّ لمحبّتِهِ في قلبِكَ إذ يقولُ يوحنا الرسولُ: "نَحْنُ نُحِبُّهُ لأَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا أَوَّلاً". ١ يوحنا ٤: ١٩" فلنجتَهِدْ في استشعارِ محبّتِهِ في قُلوبِنا مِن خلالِ اللّهجِ اليومِيِّ بكلمَةِ الإنجيلِ المقدّسِ والتأمُّلِ بأعمالِهِ اليوميّةِ في حياتِنا لنطبِّقْ أعظمَ وصيّةٍ في الكتابِ المقدسِ «تُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَقَرِيبَكَ مِثْلَ نَفْسِكَ» لوقا ١٠: ٢٧
ولكن يسألُ سائلٌ، لماذا يتأنّى الربُّ في تحقيقِ طَلِباتِنا؟ الْجَوابُ بكلِّ بساطَةٍ هو عدمُ الْجَاهِزِيّةِ... إذ أحياناً يكونُ هناكَ أشخاصٌ آخَرينَ سيُصبِحونَ شركاءَ لنا إن تحقّقَ هذا الطلبُ وهم لغايةِ هذا الوقتِ غيرُ جاهزينَ، أو قد تكونُ أنتَ نفسُكَ لم تجهَزْ بحسَبِ رؤيةِ اللهِ لتحقيقِ هذا الطلبِ، أو قد تكونُ هناكَ رغبةٌ في تعظيمِ أكاليلِكَ الأبديّةِ. بغضِّ النظرِ عنِ السببِ، فتأنِّي اللهِ هو دوماً لخيرِنا وعلينا التعاملُ معهُ بروحِ الصبرِ والنموِّ الروحيِّ.
وأيضا قد تتساءَلُ، كيفَ أختارُ الطّلِباتِ التي هي بحسَبِ فِكرِ اللهِ؟ الْجَوابُ هو حينما أتدرّبُ على السلوكِ بالروحِ. الربُّ يسوعُ سألَ الآبَ قائلا: «يَا أَبَتَاهُ إِنْ أَمْكَنَ فَلْتَعْبُرْ عَنِّي هَذِهِ الْكَأْسُ وَلَكِنْ لَيْسَ كَمَا أُرِيدُ أَنَا بَلْ كَمَا تُرِيدُ أَنْتَ». متى ٢٦: ٣٧. نلاحِظُ هنا يسوعَ الإنسانَ يطلُبُ مِنَ اللهِ الآبِ شيئاً ليسَ بحسَبِ فِكرِهِ ولكِنَّ توجُّهَهُ الصحيحَ بلجاجَةِ الصلاةِ ووَضْعِ مشيئَةِ الآبِ أوّلاً جعلَ المشيئَتَينِ تتطابقانِ حتى لو كانتِ التجرِبَةُ مُرّةً ولكِنَّ بركاتِها أبديّةٌ، لذلكَ فالصلاةُ بالرّوحِ ووَضعُ مشيئَةِ اللهِ أوّلاً والحِرصُ على الاستماعِ لصوتِهِ سيُعَزِّزُ خِبرَتَنا الروحيةَ مع الربِّ ويوماً بعدَ يومٍ سنفهمُ سُبُلَهُ.
في يومٍ منَ الأيّامِ كنتُ ذاهباً لعملِ الصِّيانَةِ الدّوريّةِ لسيارتي التي عمرُها سنتانِ، أثناءَ فترةِ الصّيانَةِ ذهبتُ إلى معرضِ السياراتِ الْجَديدَةِ للاستفسارِ عن بعضِ ميزاتِ الموديلاتِ الْجَديدَةِ، فقامَ موظّفُ المبيعاتِ بإعدادِ عَرضٍ مُغرٍ لاستبدالِ سيارتي بالموديلِ الحديثِ الكاملِ المواصفاتِ. في تلكَ الفترةِ لم أكُن أعلمُ أنَّ هذهِ مشيئَةُ الآبِ، فأخذتُ العرضَ، ولكني لم أقتَنِعْ به لأنّهُ سيكلِّفُني مبالغَ إضافيّةً، ولكِنْ ما أن غادرتُ المعرِضَ إلّا وجاءَني صوتٌ "اِرجَعْ اِشتَرِ السيارةَ لأنّكَ تحتاجُها" الصوتُ كانَ واضحاً مما جعلني أستجيبُ فوراً، فعدتُ وأنهيتُ الصّفقةَ. مع الأيّامِ تأكّدنا كعائلةٍ أنّنا فِعلاً كُنا بحاجةٍ لهذا الموديلِ أكثرَ مِنَ السّابقِ، فتحقّقَت مشيئَةُ الربِّ مِن خلالِ خضوعي والاستجابَةِ لصوتِهِ.
يسألُ أحدُهُم، ما هي الطَّلِباتُ الرّديئَةُ؟ هناكَ طَلِباتٌ غريبَةٌ، كأن يُصَلّي أحَدُهُم كي يربحَ اليانصيبَ، أو تصلّي إحداهُنَّ لكي يعودَ لها عشيقُها الذي تربُطُها معه علاقةٌ غيرُ شرعيّةٍ، أو يصلّي البعضُ لجلبِ الشّرورِ لأعدائِهم، والقائمةُ تطولُ. أعزّائي علينا إدراكُ قَداسَةِ اللهِ وفَهمِ فِكرِهِ الواردِ في الإنجيلِ المقدّسِ لأنه مكتوبٌ: "هَلَكَ شَعبِي مِن عَدَمِ المَعرِفَةِ". هوشع ٤: ٦. إذَن المعرفَةُ الاختِبارِيّةُ، أي عيشُ الكلمةِ سيُجَنِّبُنا الطَّلِباتِ الخاطِئَةِ.
الخبرُ الْجَميلُ أنَّ الربَّ يسوعَ المسيحَ يحثُّنا على الطلبِ حينَ قالَ: "اسْأَلُوا تُعْطَوْا. اطْلُبُوا تَجِدُوا. اِقْرَعُوا يُفْتَحْ لَكُمْ. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَسْأَلُ يَأْخُذُ وَمَنْ يَطْلُبُ يَجِدُ وَمَنْ يَقْرَعُ يُفْتَحُ لَهُ. فَمَنْ مِنْكُمْ وَهُوَ أَبٌ يَسْأَلُهُ ابْنُهُ خُبْزاً أَفَيُعْطِيهِ حَجَراً؟ أَوْ سَمَكَةً أَفَيُعْطِيهِ حَيَّةً بَدَلَ السَّمَكَةِ؟ أَوْ إِذَا سَأَلَهُ بَيْضَةً أَفَيُعْطِيهِ عَقْرَباً؟ فَإِنْ كُنْتُمْ وَأَنْتُمْ أَشْرَارٌ تَعْرِفُونَ أَنْ تُعْطُوا أَوْلاَدَكُمْ عَطَايَا جَيِّدَةً فَكَمْ بِالْحَرِيِّ الآبُ الَّذِي مِنَ السَّمَاءِ يُعْطِي الرُّوحَ الْقُدُسَ لِلَّذِينَ يَسْأَلُونَهُ»". لوقا ١١: ٩-١٣. ما هو الطلبُ الذي يحُثُّنا الربُّ عليه هنا؟ هو الامتلاءُ أكثرَ منَ الرّوحِ القدُسِ، فلنجتَهِدْ في الامتلاءِ اليومِيِّ مِن هذهِ الْجَوهَرَةِ الثّمينَةِ.
كرَمُ اللهِ يجعَلُه فَرِحاً بتلبيَةِ طَلِباتِنا، إذ قالَ ربُّ المجدِ: "28فَإِنْ كَانَ الْعُشْبُ الَّذِي يُوجَدُ الْيَوْمَ فِي الْحَقْلِ وَيُطْرَحُ غَداً فِي التَّنُّورِ يُلْبِسُهُ اللهُ هَكَذَا فَكَمْ بِالْحَرِيِّ يُلْبِسُكُمْ أَنْتُمْ يَا قَلِيلِي الإِيمَانِ؟ 29فَلاَ تَطْلُبُوا أَنْتُمْ مَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَشْرَبُونَ وَلاَ تَقْلَقُوا 30فَإِنَّ هَذِهِ كُلَّهَا تَطْلُبُهَا أُمَمُ الْعَالَمِ. وَأَمَّا أَنْتُمْ فَأَبُوكُمْ يَعْلَمُ أَنَّكُمْ تَحْتَاجُونَ إِلَى هَذِهِ. 31بَلِ اطْلُبُوا مَلَكُوتَ اللهِ وَهَذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. 32«لاَ تَخَفْ أَيُّهَا الْقَطِيعُ الصَّغِيرُ لأَنَّ أَبَاكُمْ قَدْ سُرَّ أَنْ يُعْطِيَكُمُ الْمَلَكُوتَ". لوقا ١٢: ٢٨-٣٢. فنلاحِظُ أنَّ عطايا اللهِ والتي أهمُّها الملكوتُ تُعطَى مِن قِبَلِهِ بسرورٍ عظيمٍ، مجداً لكَ يا ربُّ.
أثناءَ الطّلَبِ والانتظارِ فإنَّ عدوَّ الخيرِ سيلعَبُ دوراً كبيراً في تشكيكِكَ بِجُودِ الربِّ، بصوتِهِ وبتوقيتاتِهِ، مِن هنا عليكَ الحذَرُ والتّقوِّي بكلمَةِ الإنجيلِ لكي تخرُجَ منتصراً مِن هذهِ المرحلةِ، كما أنَّ صِغَرِ النفسِ عند البعضِ قد يؤثِّرُ على استجابَةِ الربِّ، مِن هنا علينا التحسّبُ لكلِّ هذهِ الحالاتِ ونحنُ ننتظرُ تحقّقَ الطلبِ لكيلا نخورَ وسطَ الطّريقِ.
لذلك أحبائِي عَمِّقوا طَلِباتِكُم، فإنَّ أباكُمُ السّماوِيَّ كريمٌ للغايةِ، فهو قد أعطاكُم اِبنَهُ الوحيدَ، أفَلا يُعطيكُم معهُ كلَّ شيءٍ؟ أصلّي أن يكونَ تأمُّلَ اليومِ سببَ بركةٍ لحياتِكُم ودُمتُم في أمجادِ الملكوتِ.