-
Hits: 869
أهميةُ التركيزِ - بقلم ليث مقادسي
نقرأُ في إنجيلِ مَرقُسَ الأصحاحِ التاسعِ قولاً لشخصٍ كانَ في ابنِهِ روحٌ شيطانيٌّ «إِنْ كُنْتَ تَسْتَطِيعُ أَنْ تُؤْمِنَ فَكُلُّ شَيْءٍ مُسْتَطَاعٌ لِلْمُؤْمِنِ» مرقس ٩: ٢٣. جاءَ هذا التصريحُ بعدَ أن حاولَ هذا الشخصُ إخراجَ الروحِ النّجِسِ مُستعيناً بتلاميذِ الربِّ ولكنّهم لم يستطيعوا، أينَ الخللُ؟ في إيمانِ هذا الرجلِ إذ نلاحِظُ ضَعفَ الإيمانِ في طريقِةِ الطلَبِ، إذ قالَ للربِّ: "إنْ كُنتَ تَستطيعُ شيئاً فَتَحَنَّنْ علَينَا وَأَعِنّا". مرقس ٩: ٢٢. هنا الربُّ لاحَظَ قَلبَهُ الذي كانَ مُحتاجاً للتّركيزِ والإيمانِ، أيِ التّركيزُ على الطّبيبِ الأعظمِ مُؤمِناً بقُدرَتِهِ المُطلَقَةِ على شَفائِهِ بالتّمامِ.
في هذا النّصِّ يُعطينا الربُّ حقيقَةً ناصِعَةً، وهي أنَّ الذي نفكِّرُ بِه بإيمانٍ راسخٍ في أنفُسِنا فإنّه سيأتي لا مَحالَةَ لِكِيانِنا بالكامِلِ، إذ أنَّ النّفسَ الإنسانيّةَ هي مثلُ برنامَجِ الكومبيوترِ الذي يُسَيطِرُ على الإنسانِ الآلِيِّ، فإن تأمّلْنَا بأفكارِ الفشلِ وبَرمَجناها، أي تبَنَّيناها، فإنّها ستتحقّقُ لا مَحالَةَ، أمّا إن ركّزنا على مشيئةِ الرّبِّ لِحياتِنا -مثلا لهذِهِ السّنةِ- وركّزنا عليها بإيمانٍ في أنفُسِنا فإنّنا سنُحَوِّلُ تلكَ الصّورةَ إلى برنامَجٍ قادِرٍ على نقلِها لِجَسَدِنا لتُصبِحَ حقيقَةً.
يعقوبُ أدركَ هذهِ الحقيقَةَ في العهدِ القديمِ. فحينما كانَ يرعَى أغنامَ حَمِيهِ لابانَ صنعَ الآتي:
"فَأَخَذَ يَعْقُوبُ لِنَفْسِهِ قُضْبَاناً خُضْراً مِنْ لُبْنَى وَلَوْزٍ وَدُلْبٍ وَقَشَّرَ فِيهَا خُطُوطاً بِيضاً كَاشِطاً عَنِ الْبَيَاضِ الَّذِي عَلَى الْقُضْبَانِ. وَأَوْقَفَ الْقُضْبَانَ الَّتِي قَشَّرَهَا فِي الأَجْرَانِ فِي مَسَاقِي الْمَاءِ حَيْثُ كَانَتِ الْغَنَمُ تَجِيءُ لِتَشْرَبَ تُجَاهَ الْغَنَمِ لِتَتَوَحَّمَ عِنْدَ مَجِيئِهَا لِتَشْرَبَ. فَتَوَحَّمَتِ الْغَنَمُ عِنْدَ الْقُضْبَانِ وَوَلَدَتِ الْغَنَمُ مُخَطَّطَاتٍ وَرُقْطاً وَبُلْقاً. وَأَفْرَزَ يَعْقُوبُ الْخِرْفَانَ وَجَعَلَ وُجُوهَ الْغَنَمِ إِلَى الْمُخَطَّطِ وَكُلِّ أَسْوَدَ بَيْنَ غَنَمِ لاَبَانَ. وَجَعَلَ لَهُ قُطْعَاناً وَحْدَهُ وَلَمْ يَجْعَلْهَا مَعَ غَنَمِ لاَبَانَ. وَحَدَثَ كُلَّمَا تَوَحَّمَتِ الْغَنَمُ الْقَوِيَّةُ أَنَّ يَعْقُوبَ وَضَعَ الْقُضْبَانَ أَمَامَ عُيُونِ الْغَنَمِ فِي الأَجْرَانِ لِتَتَوَحَّمَ بَيْنَ الْقُضْبَانِ. وَحِينَ اسْتَضْعَفَتِ الْغَنَمُ لَمْ يَضَعْهَا. فَصَارَتِ الضَّعِيفَةُ لِلاَبَانَ وَالْقَوِيَّةُ لِيَعْقُوبَ. فَاتَّسَعَ الرَّجُلُ كَثِيراً جِدّاً وَكَانَ لَهُ غَنَمٌ كَثِيرٌ وَجَوَارٍ وَعَبِيدٌ وَجِمَالٌ وَحَمِيرٌ". تكوين ٣٠: ٣٧-٤٣
سمِعُت أنَّ جَدَّتي رغِبَتْ أن يكونَ لديها ابنٌ أشقرُ بينما هي وجَدّي لم يكونوا كذلك، فجَلَبَت صورةَ طِفلٍ أشقرَ ووضَعَتها أمامَ سريرِها أثناءَ الحَمْلِ فتوَحَّمَت عليهِ، وبالفعلِ جاءَ الطفلُ أشقَرَ، ما الذي فعَلَتهُ؟ قامت بتغييرِ بَرنامَجِها النفسِيِّ مِنَ المُعتادِ إلى غيرِ المُعتادِ. نفسُ الشيءِ صنَعَه يعقوبُ مع الأغنامِ، فإنّه كانَ يضعُ أمامَ أعيُنِهِمِ الصُّوَرَ التي هو راغبٌ أن يراها في الخِرافِ الْجَديدَةِ. الحيواناتُ لديها نفسٌ وجسَدٌ، فحينما تتشبّعُ النّفسُ بتلكَ الصّوَرِ فإنَّ الْجَسَدَ سيُنتِجُ نسلاً بحسَبِ تلكَ الصُّوَرِ. نشكرُ الربَّ أنّه أعطانا الروحَ القُدسَ الذي اتَّحَدَ بروحِنا الإنسانيّةِ راغباً بإعطائِنا صُوَراً عن رؤيَةِ اللهِ الآبِ لنا، صُوَرَ مَجدٍ، سُلطانٍ، تكليفاتٍ جديدَةٍ والكثيرِ الكثيرِ.
برنامَجُنا المصنعي بصورةٍ عامّةٍ يَميلُ للتشاؤُمِ، للإيمانِ بالسَّلبِيّاتِ والرُّضوخِ لأفكارِ الفشَلِ. مِن هنا علينا الاهتمامُ بنوعِيّةِ المادّةِ الدّاخِلَةِ إلى أنفُسِنا، هل هذه المادةُ أصبَحَت برنامجاً؟ أي قمتُ بتبَنّيها؟ إذ أنَّ الربّ بروحِهِ القُدّوسِ راغبٌ بإيصالِ أخبارِ الملكوتِ والمختَصّةِ بدعوَتِه لِحياتِنا ويدعونا للإيمانِ بها لكي تُصبِحَ هي برنامَجَ النّفسِ الْجَديدِ، كما أنّه أعطاني الخِيارَ أن أُبقِيَ جُزءً مِنَ البرنامَجِ القديمِ أو أن اَستَبدلَ البرنامَجَ بالكامِلِ بصُوَرِ المَلَكوتِ، ولكنّه يُقنِعُني باستمرارٍ على التّخلُّصِ مِن كُلِّ برمجيّاتِ إنسانِيَ القديمِ واستبدالِها بالبرنامَجِ الْجَديدِ الذي أساسُهُ صُوَرٌ مُعلَنَةٌ مِنَ الملكوتِ، إذ أنَّ هذهِ هي الحالةُ المِثاليّةُ التي تعكِسُ إيماناً راسِخاً وعدمَ النظّرِ للوراءِ.
مكتوبٌ: "لِأَنَّ الْقَلْبَ يُؤْمَنُ بِهِ لِلْبِرِّ وَالْفَمَ يُعْتَرَفُ بِهِ لِلْخَلاَصِ". رومية ١٠:١٠. وهذا يصُحُّ أيضاً لما يفَكِّرُ بهِ بعضُهُم وباتَ بالنسبَةِ لهُم قناعةً مطلَقَةً، فيَبدأونَ بالحديثِ عنهُ. للأسفِ يوجدُ أشخاصٌ وصلوا إلى حالٍ مِنَ المرارَةِ جعَلَهُم يتنبّأونَ أنّهُم سيموتونَ مُبَكِّراً، أو أنَّ صورتَهُمُ السَّلبيّةُ عن أولادِهِم جعلَتهُم ينطِقونَ باستمرارٍ أمامَ أولادِهِم بأنّهُم لن ينجَحُوا، لن يُفلِحُوا، لن يكونوا مُؤثِّرين، فتنطبِعُ هذهِ الصُّوَرُ في أذهانِ أولادِهِم، وبالتالي تتحقّقُ لاحِقاً إلّا إذا تمّ تغييرُ تلكَ الصُّوَرِ.
اللهُ كان يرى إِخفاقاتِ شعبِهِ على مَرِّ العُصورِ، ولكنّه كانَ يُشَجِّعُهُم، يوصِلُ لهُم صُوَراً إيجابِيّةً عمّا موجودٍ في قلبِهِ تُجاهَهُم. أنتَ أيضاً كأبٍ أو أُمٍّ، تجَنَّبِ الكلامَ السيِّءَ عن أولادِكَ مهما كانَ الموقِفُ صَعباً، بل دائِماً اُنطُق بالبَرَكةِ، بالسّلامِ، بالمحبّةِ وبمشاهِدِ المجدِ. هذا ما صنعَهُ الربُّ مع إرمِيا النبِيِّ في النصِّ الآتي: "قَبْلَمَا صَوَّرْتُكَ فِي الْبَطْنِ عَرَفْتُكَ وَقَبْلَمَا خَرَجْتَ مِنَ الرَّحِمِ قَدَّسْتُكَ. جَعَلْتُكَ نَبِيّاً لِلشُّعُوبِ". فَقُلْتُ: [آهِ يَا سَيِّدُ الرَّبُّ إِنِّي لاَ أَعْرِفُ أَنْ أَتَكَلَّمَ لأَنِّي وَلَدٌ]. فَقَالَ الرَّبُّ لِي: [لاَ تَقُلْ إِنِّي وَلَدٌ لأَنَّكَ إِلَى كُلِّ مَنْ أُرْسِلُكَ إِلَيْهِ تَذْهَبُ وَتَتَكَلَّمُ بِكُلِّ مَا آمُرُكَ بِهِ. لاَ تَخَفْ مِنْ وُجُوهِهِمْ لأَنِّي أَنَا مَعَكَ لأُنْقِذَكَ يَقُولُ الرَّبُّ]. إرميا ١: ٥-٨
نلاحِظُ هنا الربَّ يعالِجُ ضَعفاً في نفسِ إِرمِيا الذي كانَ معتَقِداً أنَّ الموضوعَ سيتِمُّ بقوّتِهِ أو حكمَتِهِ، بينما الربُّ يُشيرُ عليه أنَّ ثِقَلَ مَجدِهِ على إرمِيا سيُخرِجُهُ مِن مَحدودِيّتِهِ ويحقِّقُ قَصدَ الربِّ. نفسُ الشيءِ ينطبقُ علينا نحنُ أبناءَ العهدِ الْجَديدِ المَدعُوّينَ بالمسيحِ يسوعَ لإتمامِ أعمالِ اللهِ الآبِ، فهل نقولُ له نحنُ ضُعَفاءُ أو أولادٌ ولا نستطيعُ؟
ما الذي تُفَكِّرُ فيه بهذِهِ الأيّامِ؟ هل هي أفكارُ نَصرَةٍ بالرّبِّ؟ أم فشلٌ وحَيرَةٌ؟ اِطمَحْ للحُصولِ على إعلاناتٍ متجدِّدَةٍ لِحياتِكَ ومعرِفَةِ دعوةِ اللهِ لِحياتِكَ، قُم بتبَنّيها بأسرَعِ وقتٍ ومِن ثَمَّ عيشِ التغييرِ الذي سيطرَأُ على كِيانِكَ بالكامِلِ. الذي يُمَيِّزُ الإنسانَ المسيحِيَّ عن غيرِهِ هو حلولُ الرّوحِ القُدُسِ في كِيانِهِ والذي سينقُلُ له أجواءَ الملكوتِ لكي ينظُرَ إليها باستمرارٍ فيبدَأُ بعيشِها إذ أنَّ هذه الأجواءَ هي عربونٌ لِما موجودٌ في السّماءِ.
نقرأُ عَنِ الشّعبِ العِبرانِيِّ السّاكِنِ في مصرَ أنَّ أنفُسَهُم كانت صغيرَةً، إذ كانوا قد آمَنوا أنّهُم عبيدٌ وسيَظَلّونَ عبيداً، فحينَما أرسلَ لهُمُ الربُّ موسى يُخبِرُهُم أنّهُم شعبُ اللهِ وهو مُزمِعٌ أن يُعطِيَهُم أرضاً تَفيضُ لَبَناً وعسَلاً لم يُؤمِنوا. لماذا؟ لِصَغَرِ النّفسِ! إذ يقولُ النّصُّ: "فَكَلَّمَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ هَكَذَا وَلَكِنْ لَمْ يَسْمَعُوا لِمُوسَى مِنْ صِغَرِ النَّفْسِ وَمِنَ الْعُبُودِيَّةِ الْقَاسِيَةِ". خروج ٦: ٩. حينَ نقولُ لِمَسيحِيِّي اليومِ إنّكُم قدّيسونَ فإنَّ الغالِبِيّةَ لا تصدِّقُ مِن صِغَرِ النّفسِ، إذ أنَّ برنامَجَ نفسِهِم قدِ استَنَدَ على صُوَرِ الضَّعفِ والخطيئةِ، وأنَّ الإنسانَ عاجِزٌ و"عادَةُ البَدَنِ لا يُغَيِّرُها إلا الكفنُ" ... والخ
بينما يصرُخُ بولسُ قائلا: "أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ الَّذِي يُقَوِّينِي". فيلبي ٤: ١٣. لماذا؟ لأنّه شاهدَ المسيحَ وَجهاً لوجهٍ فَانطَبَعت صُوَرُ المجدِ والنَّصرَةِ والسُّلطانِ كما انْطَبَعَ بهاءُ الربِّ على وجهِ موسى فتحوّلَ مِن شخصٍ خائِفٍ مِن ثِقَلِ لِسانِهِ إلى قائدٍ عظيمٍ حقّقَ خلاصاً كبيراً لشعبِ الربِّ. إذاً المفتاحُ هو تركيزُنا على صورةِ الربِّ التي يستعلِنُها لنا الروحُ القدسِ، إذ يقولُ بولسُ الرسولُ: "وَأَمَّا الرَّبُّ فَهُوَ الرُّوحُ، وَحَيْثُ رُوحُ الرَّبِّ هُنَاكَ حُرِّيَّةٌ. 18وَنَحْنُ جَمِيعاً نَاظِرِينَ مَجْدَ الرَّبِّ بِوَجْهٍ مَكْشُوفٍ، كَمَا فِي مِرْآةٍ، نَتَغَيَّرُ إِلَى تِلْكَ الصُّورَةِ عَيْنِهَا، مِنْ مَجْدٍ إِلَى مَجْدٍ، كَمَا مِنَ الرَّبِّ الرُّوحِ". ٢ كور ٣: ١٧-١٨.
فنلاحِظُ أنَّ كلَّ إنسانٍ، مهما كان إيمانُهُ، فهو مخلوقٌ ببرنامَجٍ نفسِيٍّ قادِرٍ على تغييرِهِ، أمّا للأسوأِ أو للأفضلِ اعتماداً على الصّوَرِ التي سيتِمُّ تبَنّيها بالإيمانِ، فهناكَ أشخاصٌ آمَنوا أنّهُم سيحقّقونَ أمجاداً دنيويّةً مِنَ العدَمِ ونجَحوا، إذ نسمعُ بينَ الحينِ والاخَرِ عن أشخاصٍ ترعرَعوا في عوائِلَ فقيرَةٍ، ولكِنَّ إصرارَهُم على الغِنى والتّمَيُّزِ حقّقَ لهُم ذلكَ، ولكِنَّ الذي يميّزُ المسيحِيَّ هو إمكانيّةُ صُنعِ التّميُّزِ في المكانِ الصّحيحِ، أي ملكوتِ السّماءِ، كيف؟ حينما يتبنّى صوَرَ المَلكوتِ المُعلَنَة له، يصدِّقُها بالإيمانِ ويبدأ بِجَنْيِ الثِّمارِ.
بعضُهُم استَسلموا لفكرٍ معَيّنٍ وصاروا منحصرينَ بِه، فَاَحَدُهُم يقولُ إنّه لا يحصلُ على استجابَةِ الربِّ إلّا بعدَ دموعٍ وصُراخٍ، لهؤلاءِ يقولُ الربُّ: "كُلُّ مَا تَطلُبُونَهُ فِي الصَّلاةِ مُؤمِنِينَ تَنالُونَهُ". متى ٢١: ٢٢. لَم يَقُل جُزءً! هل ممكِنٌ أن أردِّدَ هذهِ الآيَةَ باستمرارٍ حتى تُزيلَ الصّورةَ القديمةَ فأبدَأُ باختبارِ تَأثيرِها؟ بعضُهُمُ اسْتَسلَموا أنَّ شريكَ حياتِهِم لن يتغَيّرَ وستبقى حياتُهُم مَريرَةً، لهؤلاءِ أدعوهُم لترديدِ الآتي: "شريكُ حياتي سيحصَلُ على استنارَةٍ وتجديدٍ"، فَيُنَفِّذَ قولَ بولسَ الرّسولِ: "أَيُّهَا الرِّجَالُ، أَحِبُّوا نِسَاءَكُمْ كَمَا أَحَبَّ الْمَسِيحُ أَيْضاً الْكَنِيسَةَ وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِهَا". أفسس ٥: ٢٥".
مَن يرغبُ بالقَداسَةِ فإنّه سيهتَمُّ بالنّظَرِ والتّركيزِ على القِدّيسينَ كصُوَرٍ عمليّةٍ لأشخاصٍ عاشُوا مثلَنا تحتَ الآلامِ ولكنّهُم انتصَروا على هذا العالَمِ فمجَّدَهُمُ اللهُ وجعَلَهُم بركَةً للكثيرينَ. هناكَ امرأَةٌ من خلفيّةٍ غيرِ مسيحِيّةٍ كانت تتابِعُ اِحدَى القنواتِ المسيحيّةِ المهتمّةِ بعَرضِ سِيَرِ القِدّيسينَ فتولدّت أشواقٌ في قلبِها لأنْ تَحذُوَ حَذوَهُم، وفِعلاً اختارَتِ الإيمانَ المسيحِيَّ وباتَت مُشتاقَةً جدّاً للانضِمامِ لاَحَدِ الأديِرَةِ الخاصِّ بالراهباتِ.
ماذا تتحدّثُ عن أولادِكَ؟ هل تتنَبّأُ عليهِم؟ ما هي الصُّوَرُ التي تضَعُها في أنفُسِهِم؟ نقرأُ عن أبينا إبراهيمَ وأولادِهِ وأحفادِهِ أنَّهُم كانوا يُمارِسونَ نقلَ البركَةِ للْجِيلِ اللّاحِقِ، وخِلالَها كانوا يَتَنَبَّأُونَ عن مُستَقبَلِهِم بالبركاتِ. يسقُطُ بعضُ مسيحِيّي اليومِ في فخِّ الغضَبِ والنُّطقِ بكلامِ إحباطٍ وفشلٍ عن حياةِ أولادِهِم فتترسّخُ هذهِ الصّورةُ في أذهانِ الأولادِ لتتحقّقَ لاحقاً. أحبّائي عليكُمُ الفصلُ بينَ الشّخصِ وسلوكِيّاتِهِ، فإنْ أزعجَكَ ابنُكَ أوِ ابْنَتُكَ في تصرُّفٍ معيّنٍ فأبدأْ دائماً بسَردِ صِفاتِهِ الْجَيّدَةِ، ثُمَّ توبيخِهِ على الرديءِ، لأنَّ ذلكَ التصرُّفَ لم يَعُدْ لائقاً بأَحَدِ أولادِ اللهِ. مثالٌ على كيفيةِ الحديثِ مع اَحَدِ الأولادِ حينما يُخطِئُ: "هل تعلمُ أنّكَ ابنٌ للهِ؟ هل تعلمُ أنّكَ مُقَدَّسٌ بالمسيحِ؟ أنتَ شخصٌ ذكِيٌّ وموهوبٌ، وأنتَ ستكونُ شخصاً ناجحاً على كافّةِ الأصعدَةِ، فهل يَليقُ بشخصٍ يتحلّى بهذهِ الصِّفاتِ أن يَصنَعَ ذلكَ؟
أُشَجِّعُكَ عزيزي المستمِعَ على الصّلاةِ لأولادِكَ في مَحضَرِهِم، أي ضَع يَدَك على رأسِهِم وانطُق بالبَرَكاتِ وتنَبّأْ على مستقبَلِهِم لأنَّ كلامَكَ سينزَرِعُ في مُخَيِّلَتِهِم ويبدأونَ بعيشِهِ مع الوقتِ، إذ أوصانا الكتابُ المقدّسُ أن يأخُذَ نسقُ حياتِنا سياقَ المُبارَكَةِ وليسَ اللَّعنِ.
في العهدِ القديمِ وقبلَ إدخالِ الشّعبِ العبرانِيِّ إلى أرضِ الموعدِ، أمرَ الربُّ موسى بإرسالِ اثنَي عشَرَ جاسوساً ليتجَسّسُوا أرضَ الموعِدِ، شخصٍ عن كُلِّ سِبطٍ ... حين وصلوا الأرضَ شاهدوا الموضوعَ مستحيلاً، فانتابَت مَشاعِرُ الإحباطِ والفشلِ عشَرَةً مِنهُم فقالوا: "«قَدْ ذَهَبْنَا إِلى الأَرْضِ التِي أَرْسَلتَنَا إِليْهَا وَحَقّاً إِنَّهَا تَفِيضُ لبَناً وَعَسَلاً وَهَذَا ثَمَرُهَا. غَيْرَ أَنَّ الشَّعْبَ السَّاكِنَ فِي الأَرْضِ مُعْتَزٌّ وَالمُدُنُ حَصِينَةٌ عَظِيمَةٌ جِدّاً. وَأَيْضاً قَدْ رَأَيْنَا بَنِي عَنَاقَ هُنَاكَ. العَمَالِقَةُ سَاكِنُونَ فِي أَرْضِ الْجَنُوبِ وَالحِثِّيُّونَ وَاليَبُوسِيُّونَ وَالأَمُورِيُّونَ سَاكِنُونَ فِي الْجَبَلِ وَالكَنْعَانِيُّونَ سَاكِنُونَ عِنْدَ البَحْرِ وَعَلى جَانِبِ الأُرْدُنِّ. لكِنْ كَالِبُ أَنْصَتَ الشَّعْبَ إِلى مُوسَى وَقَال: «إِنَّنَا نَصْعَدُ وَنَمْتَلِكُهَا لأَنَّنَا قَادِرُونَ عَليْهَا». وَأَمَّا الرِّجَالُ الذِينَ صَعِدُوا مَعَهُ فَقَالُوا: «لا نَقْدِرْ أَنْ نَصْعَدَ إِلى الشَّعْبِ لأَنَّهُمْ أَشَدُّ مِنَّا». فَأَشَاعُوا مَذَمَّةَ الأَرْضِ التِي تَجَسَّسُوهَا فِي بَنِي إِسْرَائِيل قَائِلِينَ: «الأَرْضُ التِي مَرَرْنَا فِيهَا لِنَتَجَسَّسَهَا هِيَ أَرْضٌ تَأْكُلُ سُكَّانَهَا. وَجَمِيعُ الشَّعْبِ الذِي رَأَيْنَا فِيهَا أُنَاسٌ طِوَالُ القَامَةِ. وَقَدْ رَأَيْنَا هُنَاكَ الجَبَابِرَةَ (بَنِي عَنَاقٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ). فَكُنَّا فِي أَعْيُنِنَا كَالجَرَادِ وَهَكَذَا كُنَّا فِي أَعْيُنِهِمْ»". عدد ١٣: ٢٧-٣٣.
هؤلاءِ وضعُوا صورَةَ الْجَبابِرَةِ في مُخَيِّلَتِهِم فوصَلوا إلى قَناعةٍ بأنّهم لن يقدِرُوا على امتلاكِ تلكَ الأرضِ وبالفعلِ لم يدخُلوها إذ ماتوا في البريّةِ، بينما الاثنانِ اللذانِ آمَنَا دخَلَا وامتَلكَا. فنلاحِظُ أنَّ الذي تتبنّاهُ سيتحقّقُ لاحِقاً. من هنا علينا بالبحثِ عن كلمَةِ اللهِ لحياتِنا في تلكَ الْجُزئِيّةِ التي تُقلِقُنا والتمسّكِ بوعدِ الربِّ ووضعِ ذلكَ الوعدِ نِصبَ أعيُنِنا لكي يأتي للواقِعِ في حينِهِ.
إبراهيمُ غذّى نفسَهُ أنَّ اللهَ سيجِدُ له ذبيحاً بديلاً عَنِ ابنِهِ، فنلاحظُ حين سألَهُ ابنُه اِسحَقُ وهو مُقبِلٌ على ذَبحِهِ "فقال: «يَا أَبِي». فَقَالَ: «هَئَنَذَا يَا ابْنِي». فَقَالَ: «هُوَذَا النَّارُ وَالْحَطَبُ وَلَكِنْ أَيْنَ الْخَرُوفُ لِلْمُحْرَقَةِ؟» فَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: «اللهُ يَرَى لَهُ الْخَرُوفَ لِلْمُحْرَقَةِ يَا ابْنِي». فَذَهَبَا كِلاَهُمَا مَعاً". تكوين ٢٢: ٧-٨. وبالفِعلِ، اللهُ أوجدَ الخروفَ الذي يرمُزُ للمسيحِ فتحقّقَ الذي كانَ يُفكِّرُ به أبونا إبراهيمُ.
تحدّثَ ربُّ المجدِ عنِ الغُفرانِ قائلا: "كُلُّ خَطِيَّةٍ وَتَجْدِيفٍ يُغْفَرُ لِلنَّاسِ وَأَمَّا التَّجْدِيفُ عَلَى الرُّوحِ فَلَنْ يُغْفَرَ لِلنَّاسِ". متى ١٢: ٣١. ولكِنْ يسأَلُ سائِلٌ، لماذا التجديفُ على الرّوحِ القدُسِ بلا مَغفِرَةٍ؟ لأنَّ التّجديفَ على الرّوحِ القُدُسِ يُظهِرُ تلفاً تامّاً في نفسيّةِ المُجدِّفِ الذي يرى عملَ اللهِ جلِيّاً وينسِبُهُ لإبليسَ، فهو يُغَذّي نفسَهُ بصُورٍ تأتيهِ مِن إبليسَ، وبالتّالي سيكونُ مصيرُهُ مع إبليسَ الغيرِ قادِرٍ على التّوبَةِ.
كيف أَخرُجُ مِنِ انْحِصارِ النّفسِ؟ كما أنَّ برنامَجَ الكومبيوترِ يحتاجُ إلى مُضادِّ الفايروسات لحِمايَتِهِ، كذلكَ أنفسُنا بحاجَةٍ لحمايَةٍ مستمِرّةٍ. اِنحِصارُ النّفسِ يجبُ أن أتعامَلَ معَهُ بسرعَةٍ شديدَةٍ قبلَ أن يأخُذَ جُذوراً ويُصبِحَ مُزمِناً، والسبيلُ هو طلبُ صوتِ اللهِ لتلكَ الضّيقَةِ، الطَّلَبُ يأتي بالصّومِ والصّلاةِ بلَجاجَةٍ، وهذا هو مُضادُّ الفايروس الذي نحتاجُهُ لنُفوسِنا.
حَبَقُّوقُ استطاعَ عِلاجَ انْحِصارِ النّفسِ مِن خِلالِ طلَبِ اللهِ مِن كُلِّ القلبِ إذ كانَ يمُرُّ في مرحلَةِ حَيرَةٍ وتخَبُّطٍ، ولكِن ما أن جاءَهُ صوتُ الربِّ المُعَزّي والشّافي إلا وابْتَدَأَ يُمَجِّدُ الربَّ ويتحدّثُ مستَنِداً على صُوَرِ المَلكوتِ وليسَ صورِ الإحباطِ والفشلِ. أنصَحُكَ عزيزي المستمِعَ بقراءَةِ سِفرِ حَبَقّوقَ المليءِ بالبركاتِ الروحيةِ التي تُعينُنا في مِشوارِ غُربَةِ هذا العالَمِ.
هل أنتَ بحاجةٍ لصلاةٍ؟ صَلِّ معي إن أردتَ، يا إلهِيَ الحَيِّ، يا إلهِيَ القُدُّوسَ، أنا راغبٌ بالتقَرُّبِ منكَ والاستماعِ لصوتِكَ لكي أحصَلَ على إعلاناتٍ جديدَةٍ لِحياتي تُخرِجُني مِن ضيقي الحالي فتُنعِشَ نفسِي لكي أسعى مُجاهِداً لتحقيقِ مَشيئَتِكَ الصّالحةِ في حياتي. يا ربُّ أنا راغبٌ بالتّجديدِ، راغبٌ أن أنظُرَ بهاءَكَ كما بمِرآةٍ، أتغيّرُ لتلكَ الصّورةِ مِن مجدٍ إلى مجدٍ بالمسيحِ يسوعَ آمين.
إن كانَ لديكَ استفسارٌ أو طلبُ صلاةٍ، يُرجى التّواصُلُ معنا مِن خِلالِ صفحَتِنا على الانستغرام Jesus Daily Arabicإلى أن يَحينَ موعِدُ لقائِنَا المُقبِلِ، أرجو أن تكونوا في أمانِ اللهِ وحِفظِهِ.