عبرانيين 1-2
آية 2: "كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّأمِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ."
فِي ابْنِهِ = الله يتحرك نحونا دائما بحركة الإعلان عن حبه وهو دائم الحديث معنا. الله ليس في معزل عن الإنسان بل يود أن يتحد معه لينعم بشركة أمجاده الأبدية. وكلام المسيح روح وحياة (يو63:6) وليس مجرد ألفاظ بل هو حياة فعالة (عب 12:4، 13).
والله كان يتكلم عن طريق الأنبياء كآلات تعلن صوته، ولكنه الآن يحدثنا في ابنه الذي هو كلمته الواحد مع الآب وبفدائه وهبنا حق الدخول فيه نازعا العداوة وصرنا واحدًا مع كلمة الله وأعضاء جسده. لم يعد كلام الله مجرد وصايا نتقبلها لنطيعه، إنما بالأكثر قبول للكلمة الإلهي وثبوت فيه. فيه نلتقي مع الآب كأب لنا. الابن واحد مع أبيه يحمل فيه الآب، والابن يحوينا داخله أيضًا بتقديسنا بدمه فنلتقي مع الآب فيه ونتعرف عليه. الفارق الهائل بين استعلان الله بالكلمة على فم الأنبياء وبين استعلانه في المسيح كالفرق بين أن نعرف شيئًا عن الله وبين أن نراه ونسمعه ونلمسه وإن كان كلام الله بالأنبياء لا يزول بل كلام الأنبياء يتحقق في الحال فبالأولى كلمة المسيح التي تخلق. ونرى هنا وحدة العهدين فالله الذي كلمنا في الأنبياء هو هو نفسه الذي كلمنا في ابنه ولكن الآن أكمل الاستعلان. في العهد القديم رأينا ظلال الحقائق أما الآن فنرى الحق عينه بل أعطانا الله الروح القدس الذي به نعرف عقل الله وفكر الله ونرى صورة للمجد (1كو9:2-11).
الأيام الأخيرة = هو لفظ يشير لنهاية النظام اليهودي وبدء المسيحية. وفي المفهوم اليهودي يشير لعمل مقارنة بين الحاضر الزمني والنظام في المستقبل (تك1:49) + (أر20:23) + (أش2:2). وبهذا تشير الكلمة لأيام المسيا وهكذا يفهمها سفر العبرانيين. والتعبير أيضًا يشير للمجيء الثاني والدينونة وبذلك نفهم أنه بإقامة الكنيسة على الأرض بدأ ملكوت الله الذي سيكمل بعد القيامة. وفي (عد14:24-19) تشير للأيام التي تسبق مجيء المخلص وإعلان الإنجيل يمثل الأيام الأخيرة فإعلان الإنجيل هو آخر ما انتظرناه من إعلانات الله. فالإعلان الأول كان الإعلان الطبيعي وتلاه الإعلان للآباء البطاركة سواء بالأحلام أو الرؤى أما أخيرا فكان الإنجيل.
اليهود إستعملوا عبارة الأيام الأخيرة عن ظهور المسيح، وتستخدمه الكنيسة الآن عن أيام ما قبل مجيء المسيح الثاني للدينونة. وبولس الرسول إستخدم التعبير بحسب الفكر اليهودي ليقول لليهود العبرانيين - ها إن المسيح الذي إنتظرتموه قد ظهر.
وارثًا لكل شيء = الابن أخلى ذاته وصار في شكل العبد حاملًا إيانا فيه حتى إذا ما ورث بجسده الإنساني كل شيء ببره الذاتي نرث نحن معه وفيه. الابن لن يزداد شيئًا فكل ما هو للآب هو للابن ولكن نحن سنربح فيه الميراث حين يردنا له (رؤ15:11). والله مهد لميراث السماوات بوعوده لليهود بأن يرثوا الأرض الجيدة ولكنهم كانوا سيفقدونها إن أخطأوا فالبر طريق الميراث. وقوله وارثًا هي للجسد (ناسوت المسيح) فاللاهوت لن يرث شيئًا جديدا فهو لم يخسر شيئًا أصلا. وما ناله الجسد من مجد بجلوسه عن يمين الآب كان لصالح البشر. لذلك هو تجسد فهو لم يكن في حاجة لمجد فهو بلاهوته الأزلي له كل المجد. بل أخذ الجسد ليتمجد به ويعطينا هذا المجد. وهذا ما قاله السيد المسيح في (يو5:17، 22). ففي (يو5:17) الآن مجدني (بالناسوت) بالمجد الذي كان لي عندك قبل كون العالم (مجد لاهوته الأزلي). أما في (يو22:17) وأنا قد أعطيتهم المجد الذي أعطيتني. فهو تمجد بجسده البشري لنتمجد نحن فيه.
عمل العالمين = THE WORLDS فالمسيح هو خالق السماء والأرض (يو3:1). خالق الخليقة السمائية والأرضية. المنظور وغير المنظور، الزمني والأبدي. هو اللوغوس هو قوة الله وحكمته.