عبرانيين 5-7

الَّذِي، فِي أَيَّأمِ جَسَدِهِ، إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ وَدُمُوعٍ طَلِبَاتٍ وَتَضَرُّعَاتٍ لِلْقَادِرِ أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ."

في أيام جسده = إشارة إلى ألامه التي تحملها بجسده (1بط 4: 1).

إِذْ قَدَّمَ بِصُرَاخٍ شَدِيدٍ = لم نسمع أن المسيح حاول الهرب من الصليب، بل هو جاء لهذا السبب "أيها الآب نجني من هذه الساعة. ولكن لأجل هذا أتيت إلى هذه الساعة" (يو12 : 27) وإنتهر بطرس إذ حاول أن يثنيه عن الصليب (مت21:16–23) بل تنبأ كثيراً عن ألامه وموته. ولكن هل يعقل أن يضرب بالسياط وتدق المسامير في جسده ولا يصرخ ويبكى، فهو صرخ لأجلنا وقبل العار لأجلنا. صراخه ظهر في صلاته في بستان جثسيمانى وعرقه الذي كان مثل الدم وطلبه أن تجوز عنه هذه الكأس. هو تحمل آلام حقيقية وكان يئن ويصرخ كأى إنسان. ربما كإنسان طلب أن لا يتحمل هذه الكأس ولكنه إذ هو واحد بلاهوته مع أبيه ومشيئتهما واحدة قال لتكن لا كإرادتى بل كإرادتك. الإرادة الإنسانية ترفض الألم وهنا نرى المسيح وقد أخضع الإرادة الإنسانية للإرادة الإلهية ليخلص البشر. وهكذا عاش القديسون، يطلب جسدهم شهوة ردية ويقولون - لا لجسدنا وشهواته ولتكن إرادة الله وليس إرادتنا. وصار هذا هو طريق الخلاص للبشر.

أَنْ يُخَلِّصَهُ مِنَ الْمَوْتِ، وَسُمِعَ لَهُ = هذه لا تفهم إطلاقاً أن الآب إستجاب له فلم يمت، بل أن الآب إستجاب له بأن أقام جسده وخلصه من الموت ليقيمنا نحن فيه، فنحن جسده الذي طلب له الخلاص من الموت. وكان ذلك بأن تركه يموت ومن داخل الموت تعامل مع الموت، قوة الحياة التي فيه إبتلعت الموت فخلص نفسه من الموت بلاهوته ، وقام وخلص البشرية معه فقامت البشرية من الموت. بالموت داس الموت. والله إستجاب له بالقيامة التي صارت حياة جديدة له ولكل الكنيسة. المسيح أتى ليخلص البشر من الموت وعند صراخه إستجاب له الآب وخلَّص البشر من الموت بموتهم فيه في المعمودية وقيامتهم متحدين معه في قيامته.

وفى تفسير مكمل لما سبق نلاحظ أن صلاة المسيح ليرفع الله عنه كأس الآلام كانت في بستان جثسيمانى. ولاحظ فاللاهوت كان يمكن أن يجعله لا يشعر بالآلام ولكنه لم يفعل. والمسيح كان مقبلا على آلام رهيبة وهنا يطلب قوة للاحتمال حتى لا يموت من هول الآلام قبل الصليب لكي يُكمل الفداء على الصليب فيقول "قد أكمل". وبالفعل طالت حياته الجسدية إلى أن أتم عمل الصليب. وهذا معنى قول الرسول "وإذ كُمِّلَ صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبدى" . ومعنى سُمِع له أنه لم يمت قبل أن يتم الفداء بالصليب وأن يُسَلِّم هو روحه بسلطانه على الصليب بإرادته الكاملة. وكانت هذه إرادة المسيح أن يُصلب، فالصليب لعنة، وقد أراد المسيح أن يحمل عنا اللعنة التي جاءت علينا بسبب الخطية (راجع موضوع الصليب لعنة تتحول إلى بركة في نهاية الإصحاح الثالث من رسالة غلاطية). 

مِنْ أَجْلِ تَقْوَاهُ = كيف إنتصر على إبليس وعلى الموت؟ راجع (يو30:14) "رئيس هذا العالم يأتي وليس له فيَّ شيء" ، فرئيس هذا العالم إبليس لم يجد فيه خطية. وبالتالي لم يكن للموت سلطان عليه فداس الموت ببره. كان إبليس عند موت أي إنسان يأتي ويقبض على روحه ويأخذها معه للجحيم ، فكل إنسان قَبِلَ من يده خطية ، وعند موت الإنسان يطالب إبليس بثمن الخطايا والملذات الخاطئة التي قدمها له . والثمن الذي يطلبه هو نفس الإنسان . أما المسيح الذي بلا خطية فهو لم يقبل من يده شيء . فعند موته لم يتمكن إبليس من القبض على روحه ، بل أن المسيح المتحد لاهوته مع روحه هو الذي قبض على إبليس وقيده . وأيضا قوله من أجل تقواه= لأن المسيح كان بلا خطية فهو مات فداءً عن البشر وليس عن نفسه، فلو كانت له خطية لكان قد مات عن نفسه. وأيضا هذا إشارة لطاعته الكاملة والطاعة صفة من صفات الناسوت. وهو في هذه الحالة يطيع لاهوته هو فمشيئته هي نفس مشيئة الآب. وقوله سُمِع له لأجل تقواه = يعنى أن الآب إستجاب لشفاعته كرئيس كهنة يرثى لضعفاتنا، وغفر لشعبه المؤمن به الذي يتقدم بثقة إلى عرش النعمة. ألم يأتي المسيح كرئيس كهنة ليشفع فينا ويقدم ذبائح وقرابين (عب4 : 15 ، 16 + 5 : 1).

 

المصدر: موقع الانبا تكلا