عبرانيين 6-4-6
أَنَّ الَّذِينَ اسْتُنِيرُوا مَرَّةً، وَذَاقُوا الْمَوْهِبَةَ السَّمَاوِيَّةَ وَصَارُوا شُرَكَاءَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، 5وَذَاقُوا كَلِمَةَ اللهِ الصَّالِحَةَ وَقُوَّاتِ الدَّهْرِ الآتِي، 6وَسَقَطُوا، لاَ يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أَيْضًا لِلتَّوْبَةِ، إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمُِ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ."
لأن الذين استنيروا = قبلوا المعمودية. وذاقوا الموهبة السموية = حل عليهم الروح القدس فتذوقوا حلاوة ثماره من فرح وسلام وشعروا وتذوقوا حلاوة المغفرة وصاروا شركاء للروح القدس وتذوقوا الجسد والدم في التناول. هؤلاء صارت لهم خبراتهم الشخصية. وذاقوا كلمة الله الصالحة = ذاقوا حلاوة وتعزية كلمة الأنجيل وما تحمله من لذة وفرح وسلام للنفس. وقوات الدهر الآتي = هنا نجد أن وعى الإنسان تفتح إلى أن يطلع على أسرار الحياة الأبدية ولذتها، هذه ننظرها الآن كما في لغز كما في مرآة ولكنها ستتضح في الدهر الآتي (1كو13: 12).
وسقطوا = أنكروا المسيح تحت ضغط الاضطهاد.
ملحوظة:- في كل ما ذكر من عطايا لمن سقطوا لم تذكر المحبة فالمحبة لا تسقط أبداً.
وَسَقَطُوا = نحن هنا أمام حالتين:-
من أنكروا المسيح تحت ضغط الإضطهاد وعن خوف وضعف.
من إرتدوا إذ وقعوا تحت إغراءات خطايا العالم مثل ديماس "ديماس تركنى إذ أحب العالم الحاضر" (2تى4: 10).
الحالة الأولى: هناك من يسقط عن ضعف ولكن الحب في قلبه والإيمان في قلبه مثل بطرس وهذا يسنده المسيح إلى أن يتوب فيقيمه.
الحالة الثانية: هناك من يسقط بكل إرادته ونيته وتصميمه وهذا لا يمكن تجديده وهذا مثل يهوذا ولنلاحظ أن يهوذا عمل معجزات وأخرج شياطين. وديماس كان يكرز مع بولس الرسول (كو4: 14 + فل1: 24) مثل هؤلاء من قيل عنهم..
لاَ يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُمْ أَيْضًا لِلتَّوْبَةِ = لا يمكن لشخص ما أن يعيدهم للتوبة. إرتدادهم يشير لعدم ثباتهم في المسيح. هم بعد أن تذوقوا وعاشوا في حياة النعمة، غلبتهم شهوة أجسادهم فإرتدوا وفي عناد يرفضون الرجوع للإيمان. مثل هؤلاء ماذا يمكن أن يقال لهم ليرجعوا؟ فلن يقال لهم أكثر مما عرفوه وعاشوه وتذوقوه. بل لمثل هؤلاء يقول الرب "أنا مزمع أن أتقيأك من فمى" (رؤ3: 16).
هؤلاء يعاملهم الله كما عمل مع الابن الضال إذ سمح له بمجاعة ليقارن بين ما تذوقه في بيت أبيه وما هو فيه في حال الخطية. والابن الضال كان حكيما وعاد، لكن من يعاند ويستمر في إرتداده لا يُمْكِنُ تَجْدِيدُهُ أَيْضًا لِلتَّوْبَةِ.
وبإنكارهم وجحدهم للمسيح وربما بإساءتهم للمسيح يكونون كمن يَصْلِبُونَ لأَنْفُسِهِمُ ابْنَ اللهِ ثَانِيَةً وَيُشَهِّرُونَهُ = هم كما لو كانوا يكررون عملية صلب المسيح ثانية "لان كثيرين يسيرون ممن كنت اذكرهم لكم مرارا والآن أذكرهم أيضًا باكيا وهم اعداء صليب المسيح الذين نهايتهم الهلاك الذين الههم بطنهم ومجدهم في خزيهم الذين يفتكرون في الأرضيات" (فى3: 18، 19). كلمة لا يمكن تجديدهم للتوبة لا تشير أن الله قد أغلق مراحمه دونهم، بل الله يقدم الفرصة للشرير تلو الفرصة. ولكن عدم إمكانية تجديدهم راجع لعنادهم ورفضهم قبول الوسائل التي تجدد الحياة الروحية فهم تذوقوا النعمة ورفضوها تحت إلحاح شهوات الجسد.
الروح القدس يدعو باستمرار للتوبة ولكن هناك من يقاوم الروح وهناك من يطفئ الروح وهناك من يحزن الروح. والسقوط على درجات تنتهي بالتجديف على الروح القدس وهنا لا يمكن التوبة، وهذا ما أسماه القديس يوحنا اللاهوتى الخطية التي للموت (1يو5: 16). ولنلاحظ أن من لا يتحرك دائماً للكمال والنمو فهو معرض للإنهيار، والإنهيار يصل لهذه الدرجة المخيفة وضياع فرصة التوبة.
والقديس يوحنا ذهبى الفم إستخدم هذه الآية ليشرح أن المعمودية لا تعاد لمن أنكر المسيح أثناء فترات الإضطهاد وعاد بالتوبة وفسرها كالآتى:
وَسَقَطُوا = أنكروا المسيح تحت ضغط الإضطهاد.. لا يمكن تجديدهم للتوبة = لا يمكن إعادة معموديتهم...
(كان بعض منهم إذ تعودوا على تكرار الإغتسال وهم يهود يريدون تكرار المعمودية وهنا الرسول يمنعهم).
إِذْ هُمْ يَصْلِبُونَ = فالمعمودية هي صلب مع المسيح وإعادتها تكرار للصلب.
المصدر: موقع الانبا تكلا