كولوسي 1: 15-17
الذي هو صورة الله غير المنظور بكر كل خليقة. فانه فيه خلق الكل ما في السماوات وما على الأرض ما يرى وما لا يرى سواء كان عروشا أم سيادات أم رياسات أم سلاطين الكل به وله قد خلق. الذي هو قبل كل شيء وفيه يقوم الكل.
رسالة كولوسي تتحدث عن المسيح رأس الكنيسة وأمجاده. وهنا نرى وصفًا لمجد المسيح بإعتباره الخالق. بولس الرسول يشرح من هو المسيح ردًا على الغنوسيين.
صُورَةُ اللهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ = قارن مع قوله أنه ابن محبته آية 13. فالابن له نفس طبيعة أبيه، فإبن الإنسان يكون إنسانًا وهكذا. إذًا المسيح له نفس طبيعة وجوهر الآب. الآب غير منظور، والابن الذي هو صورة الآب صار منظورًا لنراه ولنعرف الآب فهو رسم جوهره وبهاء مجده (عب3:1). ولا يوجد بهاء بدون مجد ولا مجد بدون بهاء، ولا يوجد شعاع بدون نور ولا نور بدون شعاع. وقال: "أنا أظهرت إسمك للناس" (يو 6:17). لذلك قال يوحنا "الابن خَبَّر" (يو 18:1). وكلمة صورة في اليونانية تعني صورة طبق الأصل، وليس أحد الإنبثاقات كما يقول الغنوسيون. هي صورة تحمل نفس الطبيعة ونفس الصفات مثلما نقول فلان له صورة إنسان، إذًا هو إنسان. هذا التعبير يشير لعلاقة الآب والابن السرمدية.
في محبة المسيح وصليبه أدركنا عظم محبة الآب، وفي تواضع ووداعة المسيح نرى صفات الآب، وفي قدرات المسيح نرى قدرات الآب . وفي تفتيح عيني الأعمى وفتح أذنيّ الأصم وقيامة لعازر وغيره من الموتى أدركنا أن الآب يريد لنا حياة أبدية وشفاءً روحيًا فنرى ونسمع صوت الله. ما كان يمكننا أن نرى الآب في مجده، فلا أحد يرى الله ويعيش (خر20:33). وذلك بسبب ضعف طبيعتنا بسبب الخطية، ولذلك تجسد المسيح ليستطيع أن يكلمنا فندرك محبته. راجع (تث 18: 5-18) فكان هذا وعد الله. فالمسيح الابن له نفس جوهر وطبيعة الله فهو صورته، ولكنه أخفى مجد لاهوته في ناسوته لنراه ولا نموت. ولذلك كله قال السيد المسيح: "من رآني فقد رآى الآب" (يو 9:14).
بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ = كلمة بكر في اليونانية تشير لمعنى المولود الأول، فالمسيح أو الابن هو مولود من الآب وليس مخلوق، التعبير لا يعني أول خلق الله. وكلمة بِكْر تعني رأس أو بداءة أو مُبدِئ كل خليقة الله، " فكل شيء به كان وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3) والخليقة مخلوقة وليست مولودة. ونسمع بعد ذلك أنه هو الخالق، فكيف يكون خالقًا ومخلوقًا في الوقت نفسه = الْكُلُّ بِهِ. وإذا كان هو خالق الكل "وكل شيء به كان" فهل خلق نفسه؟ وهو "قوة الله وحكمة الله" (1كو1: 24) فهل الله كان بدون حكمة ثم خلق لنفسه حكمة ؟!
فإِنَّهُ فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ= الفاء تشرح وتفسر معنى قوله بِكْرُ كُلِّ خَلِيقَةٍ = فِيهِ خُلِقَ الْكُلُّ أي لأنه هو الخالق فهو بكر كل خليقة. هذه العبارة تساوي "به كان كل شيء" (يو3:1) وقوله فيه يعني بواسطته BY HIM، وجاءت الترجمة الإنجليزية لهذه الآية "به كان كل شيء" هكذا = "All things were made through Him".
وعن طريقه خرجت الخليقة، فهو البداية ومنه فاضت الحياة فهو له قدرته وسلطانه على جميع الأشياء فهو الذي أوجدها. وهكذا قال الرسول: "الله خالق الجميع بيسوع المسيح" (أف 9:3) + (عب 2:1).
الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ = المسيح ابن الله هو الذي خلق الكل "به كان كل شيء وبغيره لم يكن شيء مما كان" (يو1: 3) وهذه تساوي الكل به قد خُلِق .
وله قد خُلق = وهدف الخلقة مجد الله كما قيل في إشعياء "بكل من دعي باسمي ولمجدي خلقته وجبلته وصنعته" (إش43: 7) أي إظهار مجد الله وإنعكاس مجد الله على خليقته. والله خلق الإنسان ليفرح فيسبحه، وليحيا الإنسان أبديا في حياة فرح وتهليل بالله.
وبالخطية فسدت الخليقة وماتت، ولكن قصد الله لا يمكن أن يبطل أو يوقفه شيء.
وَلَهُ قَدْ خُلِقَ = وتجسد ابن الله ليعيد الصورة كما أرادها الله، وليتمجد اسم الله . وكان أن تجسد المسيح ليجمع من قبلوه في جسد واحد هو رأسه، وهذا الجسد أي الكنيسة تقدم الخضوع لله (1كو15: 28).
الابن هو الأول والآخِر أي الأزلي والأبدي، لا بداية له ولا نهاية له. وهو البداية والنهاية (رؤ1 : 8) بدأ في الزمن يخلق الخليقة وذلك ليتمجد الله فكان البداية، ولما فسدت الخليقة تجسد ليعيدها كما قصد الله منذ البدء أي لتمجد الله فصار النهاية.
خلقنا الابن ولما انفصلنا بالخطية جاء وتجسد ليتحد بجنسنا الإنساني ويصير رأسا لهذا الجسد (الخلقة الثانية). والابن بلاهوته متحد بالآب، والمسيح بتجسده قيل "أدخل البكر إلى العالم" (عب1 : 6) صار بناسوته متحدا بطبيعتنا الإنسانية. المسيح هو الابن الوحيد الجنس، له طبيعة واحدة من طبيعتين، الطبيعة اللاهوتية والطبيعة الناسوتية. ولذلك قال المسيح "أنا فيهم وأنت فيَّ (يو17 : 23) وقال "في ذلك اليوم تعلمون إني أنا في أبي، وأنتم فيَّ، وأنا فيكم" (يو14 : 20). هو في الآب بلاهوته وهو متحد بنا بناسوته، وأعطانا حياته المقامة من الأموات نحيا بها. فالابن بتجسده وحدنا في جسده. ولأنه هو بكر الآب [بكر في الإنجليزية = first born] فهو المولود من الآب بلاهوته أزليا، هو ابن الله بالطبيعة. وبإتحاد ابن الله بنا صيَّرنا أبناء لله، وعلمنا أن نصلي "أبانا الذي في السموات"، وقال لمريم المجدلية "اذهبي إلى اخوتي وقولي لهم: إني أصعد إلى أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم". (يو20 : 17). وهذا معنى أنه بكر كل خليقة، هو خالق الخليقة الأولى (آدم) وهو رأس الخليقة الجديدة التي صار لها البنوة لله، صار هو "بكرًا بين إخوة كثيرين" (رو8 : 29). صار هو رأس الخليقة الثانية = رأس الجسد، الكنيسة (آية18) وكان هذا سبب سرور الآب حين أعادنا المسيح بفدائه لنكون أبناء لله فقال الآب "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت" (مت3 : 17).
المصدر: موقع الانبا تكلا