كولوسي 2: 1-3

فاني أريد أن تعلموا أي جهاد لي لاجلكم ولاجل الذين في لاودكية وجميع الذين لم يروا وجهي في الجسد. لكي تتعزى قلوبهم مقترنة في المحبة لكل غنى يقين الفهم لمعرفة سر الله الاب والمسيح. المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والعلم.

 

لاودكية = هي مدينة في آسيا الصغرى بالقرب من كولوسي، على نهر ليكوس، وبشرها أبفراس، وهو يذكرها هنا لأن أبفراس بشرها مع كولوسي ولأن لهم نفس المشاكل، ويبدو أن كنيسة لاودكية كانت هي الأكبر (كو15:4، 16).

أريد أن تعلموا = لو علموا محبته لهم وجهاده لأجلهم لاستمعوا لتعاليمه.

أَيُّ جِهَادٍ = كل عمل وكل خدمة لبناء كنيسة المسيح يقاوَم بحروب شديدة وخداعات كثيرة من إبليس، ولذلك يحتاج الخدام أن يجاهدوا في الاهتمام بأولادهم والصلاة لأجلهم وتعليمهم وكرازتهم. وهنا نرى محبة بولس الرسول لكنيسة المسيح، فهو يجاهد ليس لمن علمهم فقط بل حتى لمن لم يراهم كأهل كولوسي ولاودكية الذين لم يكن قد رآهم قبل حبسه في روما. وهكذا كل مسيحي حقيقي عليه أن يصلي حتى لمن لا يعرفهم. إن بولس لو استطاع لذهب إليهم ولكن قيوده في سجنه كانت تمنعه فاكتفى بالرسائل لهم والصلاة لأجلهم. وماذا يطلب الرسول لهم، أو ماذا يجاهد لأجله في صلاته عنهم؟ تَتَعَزَّى قُلُوبُهُمْ مُقْتَرِنَةً فِي الْمَحَبَّةِ = أي يطلب لهم أن يتعزوا وأن يقترنوا بالمحبة (تكون لهم علاقات قوية في المحبة) وعمومًا فلا تعزية سوى في المحبة، فالمحبة هي أولى ثمار الروح القدس. "هوذا ما أحسن وما أحلى أن يجتمع الإخوة معًا.. كالطيب النازل على الرأس، على اللحية" (مز 133: 2،1). هذا المزمور يشرح ما يريده الرسول، فحين نجتمع في محبة ينسكب الروح علينا (الذي إنسكب على المسيح الرأس ينسكب علينا نحن المشبَّهين هنا باللحية لارتباطنا بالمسيح الرأس، والطيب هو الزيت الذي كان يسكب على رأس هرون إشارة إلى الروح القدس). والروح القدس هو الْمُعَزِّي (يو14: 16، 26) + (يو26:15). والروح القدس يقرن بين قلوبنا بالمحبة، فهو يربط أعضاء جسد المسيح الذين هم نحن بمفاصل آية 19 والمفاصل هي المحبة. وإستعمل الرسول كلمة اقتران إشارة لقوة رباطات المحبة بيننا. ومن يتجاوب مع الروح القدس ويحب الإخوة يملأه الروح القدس من تعزياته. ولاحظ أن التعزية الحقيقية التي يعطيها الروح تُختبر بالأكثر وسط الضيقات ، والمحبة الحقيقية للناس تُعرف في استمرارها حتى لمن يسيئون إلينا.

لكل غنى يقين الفهم = أي لن نصل إلى الفهم الأكيد للأسرار الإلهية بدون محبة وهذا ما فهمناه من (أف 3: 19،18). فكيف ندخل بيت الملك ونطلع على أسراره دون أن يدعونا هو لذلك، وكيف يدعونا إن لم يكن هناك محبة؟

لِكُلِّ = تعني لبلوغ (الترجمة التفسيرية) وفي الإنجليزية TO ATTAIN. والفهم المقصود به في اليونانية.. المعرفة العملية أو الاختبارية وهذه تكون بتنفيذ الوصايا فنعرف المسيح. (مت7: 24 – 27). وهنا نرى العلاقة بين السلوك الروحي وحصولنا على المعرفة الروحية. من يطيع الوصايا سيعرف المسيح عن اختبار. يقين الفهم أي الفهم الكامل الصحيح، ومن له هذا الفهم وعرف المسيح سيكتشف بسهولة ضلال الهرطقات.

والروح القدس هو الذي يُعَلِّم وَيُذَكِّر، مَنْ يمتلئ منه، يملأه الروح من المحبة. وهنا الرسول يريد لهم أن يفهموا أنه لا الفلسفة ولا التهوُّد سيعطيانهم شيئًا. بل أن البر سيكون لهم بالمسيح، والمعرفة ستكون بالمسيح، والحكمة ستكون بالمسيح الذي يعطي لكنيسته كل شيء فهو المذخر فيه جميع كنوز الحكمة والمعرفة لمعرفة سر الله الآب والمسيح = الرسول يصلي حتى يفتح الله قلوبهم ويفهموا سر الآب والمسيح، أي العلاقة بين الآب والمسيح. فالآب في الابن والابن في الآب (يو 9:14-11). وأن الابن مولود أزلي من الآب كشعاع نور مولود من الشمس، هو يعلن لنا الآب الذي لا نستطيع أن ندركه. وأن الآب هو نبع للمحبة، وإشعاعات الحب الإلهي تنبعث من الآب لتصب في الابن المحبوب بالروح القدس. وأن يفهموا أننا بتجسد المسيح دخلنا في هذه الدائرة الإلهية، فبإتحادنا بالابن صرنا أبناء، وأصبح الروح القدس يسكب المحبة الإلهية فينا (رو5:5) هذه هي مقاصد الله الأزلية في المسيح من جهة الكنيسة أي فداء المسيح الذي به جعل الكنيسة جسده، فحصلت الكنيسة على البنوة، وبالتالي صار لها مجد المسيح.

الْمُذَّخَرِ فِيهِ جَمِيعُ كُنُوزِ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ = المسيح هو أقنوم الحكمة ويحوي كل حكمة ومذخر فيه، أي يستتر فيه حكمة خفية عن الأنظار. وقوله كنوز يعني أنها شيء قيِّم جدًا لا يقدر بثمن وأنها لن تفرغ أبدًا وأنها عظيمة الفائدة. فهو مصدر كل حكمة. وهذا رد على الغنوسيين الذين يقولون أن المعرفة تأتي من الفلسفة والعقل والبحث، بل تصوروا أن معرفتهم وحكمتهم البشرية يمكن أن تفوق المسيح نفسه، لذلك يشرح لهم الرسول أن المسيح فيه كل حكمة، وأي حكمة خارجة عن المسيح ما هي إلاّ ضلال كما أضلت الحية حواء. والمسيح يعطي حكمته لمن يشاء من المؤمنين (لكل من هو ثابت فيه ومتحد معه) وليس لمن يعتمد على حكمته البشرية. ويعطيها للبسطاء (مت25:11). وبالتالي لا توجد حكمة أعلى من حكمة المسيح. وكما سنرى في (الآيات9 ، 10) أن المسيح حل فيه كل ملء اللاهوت ليصير بإتحادنا به مصدرا لكل ما نحتاج إليه من حكمة ومعرفة حقيقية وحياة أبدية كما سنرى.

 

 

 المصدر: موقع الانبا تكلا