فيلبي 1: 23-26

  فاني محصور من الاثنين لي اشتهاء أن انطلق واكون مع المسيح ذاك افضل جدًا. ولكن أن ابقى في الجسد الزم من اجلكم. فإذ أنا واثق بهذا اعلم أني امكث وأبقى مع جميعكم لأجل تقدمكم وفرحكم في الإيمان. لكي يزداد افتخاركم في المسيح يسوع في بواسطة حضوري أيضًا عندكم".

 

محصور بين الاثنين = هو رأي أن كلا الطريقين صالح وله مميزاته، وهو لا يستطيع أن يختار أيهما. هل يختار حياته على الأرض التي بها يربح نفوسًا للمسيح أو حياته في الفردوس حيث الراحة.. وقوله محصور بين الاثنين إشارة لأن كلا الخيارين يتنازعان داخله. فكلا الطريقين صالح ومبارك أمامه. ولكنه فضَّلَ في النهاية ما يراه الله صالحًا. وطالما هو حي، إذًا فالله يريد منه الثمر المتكاثر في حياته. فبولس يعلم أن الله "خلقنا لأعمال صالحة سبق فأعدها لكي نسلك فيها” (اف 2: 10)، وحينما ننهي الأعمال التي يريدنا الله أن ننهيها ينقلنا إلى الراحة كما قال لدانيال (دا 13:12).

 

ألزم لأجلكم = الله الذي خلقني يعلم وحده متى أنهي الأعمال التي خلقني من أجلها. وبولس هنا يقول لأهل فيلبي.. طالما أنا حي، إذًا فالله يرى أن بقائي لازم لأجلكم، لأثمر فيكم، فهذا هو العمل الذي خلقني الله لأجله. بولس هنا يُسَلِّم أمره بالكامل لله ليختار له الله الصالح.

 

في سفر أعمال الرسل (12: 2،1) نجد هيرودس يقتل يعقوب بالسيف. ثم في (أع 3:12-17) نجد هيرودس يريد قتل بطرس ولكن ملاكًا ينقذه... فلماذا لم يرسل الله ملاكًا لينقذ يعقوب؟‍ السبب ببساطة أن لسان حال يعقوب في سجنه كان يقول "لي اشتهاء أن انطلق”، وكان يعقوب قد أنهى أعماله التي خلقه الله ليعملها، فسمح الله لهيرودس أن يقتله، سيف هيرودس كان الأداة التي ينتقل بها يعقوب إلى فرح سيده، إلى حيث الراحة. وكان لسان حال بطرس في السجن يقول "لي اشتهاء أن انطلق”،، ولكن بطرس كان أمامه أعمال أخرى، إذًا لن يكون لهيرودس سلطان عليه لأنه لم يُعط هذا السلطان من فوق (يو11:19). إذًا فملاك يذهب لينقذ بطرس من يد هيرودس، ليكمل بطرس الأعمال التي خلقه الله لأجلها.

 

وبهذا المفهوم يقول بولس الرسول هنا إن الرب يرى أنه مازال أمامي أعمالًا لأعملها. أنطلق = يقصد الموت أي الخروج من هذا الجسد. والكلمة اليونانية تعني “فك الخيمة” أو “حل ربط السفينة” استعدادًا للإقلاع أو إطلاق السجين بعد فترة سجنه. والجسد في نظر بولس خيمة والموت هو حل هذه الخيمة (2كو1:5). والموت هو إقلاع إلى الوطن السمائي. وهو انطلاق من سجن هذا الجسد الذي يحرمني من رؤية الله والقديسين وأمجاد السماء.

 

لأكون مع المسيح = إذًا وجوده في الجسد كأنه غربة عن الله، فالمسيح في كل مكان لكن بسبب الخطية الساكنة في أجسادنا (رو17:7، 18) فالجسد أصبح مُعوِّق عن رؤية المسيح. وبالموت تنتهي حالة الغربة ونرى المسيح إذ لا خطية حينئذ.

 

تقدمكم وفرحكم في الإيمان = إذًا وجوده في الجسد نافع في تقدمهم وفرحهم. وكلما زاد إيمانهم ونما يزداد فرحهم. خصوصًا حين يُطلق سراح بولس فسيختفي حزنهم = بواسطة حضوري عندكم. ولكن قوله أيضًا يعني أن افتخارهم وفرحهم ببولس مستمر حتى لو لم يُطلق سراحه، فكرازته وعمله ورسائله لهم مستمرة حتى وهو في السجن. هم خافوا من حبسه لئلا تتعطل الكرازة، ولكنهم رأوا الآن أن الكرازة لم تتعطل، فعليهم أن يفتخروا ويبتهجوا في المسيح يسوع. فيَّ = حقًا هم يفتخرون ببولس، لكن كل افتخار هو في المسيح يسوع الذي ننال منه كل الهبات الروحية، وهو الذي يعمل في بولس فكرز لهم، وكرز في السجن، وعمل في الملوك فأطلقوه، ويعمل في أهل فيلبي ليفرحوا. وفي آيات 26،25 نشعر أن بولس شعر بأنهم سوف يطلقون سراحه ولن يموت.

 

لِكَيْ يَزْدَادَ افْتِخَارُكُمْ فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ فِيَّ، بِوَاسِطَةِ حُضُورِي أَيْضًا عِنْدَكُمْ = هم كانوا يفتخرون بأن لهم رسول عظيم مثل بولس عرَّض نفسه لكل هذه الآلام ليعرفوا هم المسيح. وهذا طبيعي للمبتدئين روحيا أنهم يفتخرون بالناس. ولكنهم الآن إذ نضجوا روحيا صاروا يفتخرون بالمسيح يسوع الذي عمل ويعمل في بولس وسانده خلال فترة كرازته وأيَّده بمعجزات عجيبة. وأخرجه بل وكل ركاب السفينة - التي غرقت - أحياء. وعمل فيه فبشًر بيت قيصر. هم رأوا أعمال المسيح العجيبة في رسوله ويفتخروا بالمسيح الذي آمنوا به لقوته التي عملت في الرسول الذي يحبونه. وسيفتخروا بالمسيح بالأكثر حينما يُفرَج عن بولس ويرجع لهم ويعرفوا أنه لا قوة تقف أمام إرادة الله.

 

 المصدر: موقع الانبا تكلا